تفسير

آداب النكاح كما وردت في آيات سورة النور

بعد أن تحدثت آيات سورة النور عن الأمور التي تؤدي للسفاح أمر هنا في هذه الآيات بالزواج الذي يحفظ المجتمع من انتشار الفساد.

الأمر بنكاح الصالحين

قال الله: (وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ)

أمر الله هنا في هذه الآية الأولياء بأن يزوجوا الحرائر، وهذا التزويج يكون بعد الاستئذن، وإذن المرأة الثيب يكون بأن تجيز هذا الزواج، وإذن البكر يكون بسكوتها لأنها أشد حياء ولأنها لا جرأة عندها كالثيب التي سبق لها الزواج.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (البكر تستأذن). قلت: إن البكر تستحيي؟ قال: (‌إذنها ‌صماتها)البخاري

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن). قالوا: ‌كيف ‌إذنها؟ قال: (أن تسكت)البخاري

والسادة مكلفون بتزويج عبيدهم وإمائهم الصالحين إن طلبوا ذلك ووجدوا فيهم خيرا،

تزويج الفقراء

قال الله: (إن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ ٣٢)

فقر الخاطب أو المخطوبة لا يعتبر من الأشياء التي تمنع من الزواج، فالمال غاد ورائح، فقد يغني الله الفقير ويفقر الغني، لكن دين الرجل وصلاحه هو الأساس الذي يبنى عليه أمر الاختيار.

فأمر الإسلام أولياء المرأة أن يكون الأساس الذي يبحثون عنه هو دين الرجل وصلاحه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

(إذا خطب إليكم ‌من ‌ترضون ‌دينه ‌وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض)الترمذي

وأمر الإسلام الرجل الذي يبحث عن امرأة ليتزوج بها أن يكون الأساس عنده أن تكون صاحبة دين.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌تنكح ‌المرأة ‌لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)البخاري

إن الله عليم بأحوال عباده يمنحهم من واسع فضله.

الحض على العفاف

قال الله: (وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ)

أمر الله في هذه الآية الذين لا يجدون أسباب النكاح ولا يقدرون على تكاليفه أن يجتهدوا في عفة أنفسهم حتى لا يقعوا في الحرام.

ومن أسباب هذه العفة الصيام، لأنه يكسر قوة الشهوة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌يا ‌معشر ‌الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)البخاري

أو أن يصبروا على الفقر ويسعوا لطلب الرزق لتكون عندهم القدرة على الزواج، فلأن يقدم على الزواج مع الغنى خير من الإقدام عليه مع الفقر.

تزويج العبيد

قال الله: (وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ)

هذه الآية فيها تأديب وإرشاد للسادة كيف يتعاملون مع أرقائهم الذين يريدون أن يكاتبوهم ذكورا وإناثا.

ومعنى المكاتبة أن يطلب العبد أو الأمة من سيده أن يكاتبه على مبلغ من المال فإذا سدد له المال نال حريته.

وتلك المكاتبة إسلامية الأصل فلم تكن موجودة في الجاهلية، وأول من كاتبه المسلمون عبد لعمر بن الخطاب يسمى أبا أمية.

فإن طلب العبد المكاتبة وأبى السيد ذلك فله ذلك، لأن إجابة السيد لعبده لسيت واجبة بل هي مستحبة إن علم السادة في أرقائهم الدين والقدرة على الاكتساب والوفاء بما تعاقدوا عليه مع سادتهم.

ثم أمر الله هؤلاء السادة أن يعينوا أرقاءهم وأن يعطوهم شيئا من مال الله الذي أعطاه لهم.

إكراه الإماء على الزنا

قال الله: (وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٣)

سبب نزول هذه الآية ما رواه مسلم في صحيحه عن ‌جابر: أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة، وأخرى يقال لها أميمة، فكان يكرههما على الزنا، فشكتا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله: (ولا ‌تكرهوا ‌فتياتكم على البغاء) إلى قوله: (غفور رحيم)

وروى عن علي وابن عباس أَنهم كانوا في الجاهلية يُكرهون إِماءَهم على الزنى، ويأخذون أُجورهن فنهوا عن ذلك في الإِسلام.

وقول الله : إن أردن تحصنا. ليس معناه أنهن إذا لم يردن العفة يجوز لهن الزنا، وإنما هو من باب تشنيع الأمر أن هؤلاء السادة يكرهون إماءهم على الزنا بالرغم من أنهن يكرهن الزنا ويردن العفة، فالزنا حرام سواء كان بالرضا أو بالإكراه.

فمن تاب من السادة عن إكراه الإماء على الزنا فإن الله غفور رحيم

موعظة الله للمتقين

قال الله: (وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ ٣٤)

بدأت الآية بلام القسم وقد لإبراز كمال العناية بشأن ما أنزله الله لعباده المؤمنين حيث أنزل لهم آيات واضحات تبين لهم الحدود والأحكام.

وضرب لهم الأمثال من حال السابقين عليهم من أهل العفة كمريم -عليها السلام- ويوسف -عليه السلام- لكي يتعظ بذلك المؤمنون.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة