تفسير

الفرق بين تصرف المؤمنين والمنافقين مع النبي من خلال سورة النور

هناك فارق كبير بين تصرف المؤمنين والمنافقين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كانوا معه على أمر يجمعهم، ويقتضي إشتراكهم مع رسوله وبقائهم معه حتى يفرغ من أمره.

صفة المؤمنين

قال الله: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ)

روي في سبب نزول هذه الآية أن قبيلتي قريش وغطفان لما اتحدتا وأتيا إلى المدينة في غزوة الأحزاب والتي كانت في العام الخامس من الهجرة.

وكانت هي آخر الغزوات التي أتى فيها المشركون للمدينة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك هو الذي يذهب للمشركين في ديارهم إذا علم بأنهم يتجهزون لحربه أو قتاله فيباغتهم في ديارهم قبل أن يباغتوه.

وتجمع المشركون حول المدينة وكان رسول الله قد قام بعمل الخندق حول المدينة حتى لا يدخل المشركون عليهم،

وكان ذلك بمشورة سلمان الفارسي فأخذ رسول الله بمشورته ولم يكن هذا العمل مما يقوم به العرب، وهذا نتعلم منه أن الحكمة ضالة المؤمن فأينما وجدها التقطها.

وقد تعب المسلمون كثيرا في حفر هذا الخندق الذي سيكون فاصلا بين المشركين والمسلمين حتى لا يدخلوا المدينة عليهم.

فكان في هذه الأثناء جماعة من المنافقين يتسللوا سرا بدون علم النبي -صلى الله عليه وسلم- يريدون ترك العمل والركون للراحة لعدم إيمانهم.

وكان هناك جماعة من المؤمنين إذا نابهم شئ من الأمور الضرورية التي تستدعي رجوعهم لأهلهم يأتون رسول الله فيستأذنونه فيأذن لهم فأنزل الله هذه الآية لتبين موقف المنافقين والمؤمنين.

إن المؤمنين الصادقين شأنهم أنهم إذا كانوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمر يقتضي إجتماعهم واشتراكهم فيه

وهذا الأمر الجامع يبين أهمية أن يكونوا مع رسول الله مناصرين له لا يتسللون ولا يتركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن يستأذنوا النبي للأمور الضرورية التي طرأت لهم فيأذن لهم.

مدح الله للمؤمنين

قال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٦٢)

مدح الله هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين لم يتركوا رسول الله إذا كانوا معه على أمر جامع يقتضي وجودهم معه إلا بعد أن يستأذنوا رسول الله لقضاء حاجتهم

فإذا قضوا حاجتهم رجعوا لرسول الله واستأنفوا عملهم فلم يفعلوا ذلك هربا من المسئولية

أولئك هم المؤمنون حق الإيمان لأن استئذانهم دليل على صدق إيمانهم وطهارة نفوسهم

فإذا استأذنك هؤلاء أيها الرسول فالأمر متروك لك فإن شئت أن تأذن لهم فأذن واستغفر لهم أيها الرسول هذا التقصير؛

لأنه كان الأولى لهم أن يبقوا مع الرسول ولا يتركوه حتى يبت في الأمر الذي بين يديه لكن لأن الله واسع المغفرة لعباده أمر نبيه أن يطلب لهم المغفرة من الله.

آداب النداء على النبي

قال الله: (لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ)

علم الله المؤمنين الآداب التي ينبغي أن يكونوا عليها عندما يخاطبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

بألا يكون نداؤهم للنبي كنداء بعضهم لبعض، وإنما يجب عليهم أن ينادوه بما يتناسب مع مقام النبي وعظمته، فيقولون له: يا أيها النبي، ويا أيها الرسول

ولا ينادوه باسمه مجردا؛ لأن هذا ليس فيه توقير وتأدب مع مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وألا يرفعوا أصواتهم عند رسول الله احتراما وتوقيرا له، فقد قال الله في موضع آخر: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ

إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)

سوء عاقبة المنافقين

قال الله: (قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣)

بين الله سوء عاقبة هؤلاء المنافقين الذين كانوا يتسللون أثناء العمل في الخندق بدون معرفة النبي وبدون إذنه.

فليحذر هؤلاء أن يصيبهم فتنة أو بلاء، يترتب عليه انكشاف أمرهم وافتضاح حالهم، أو يصيبهم عذاب أليم من الله، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

الله مالك السماوات والأرض

قال الله: (أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ ٦٤)

لله سبحانه السماوات والأرض وما فيهما، فله الخلق وله الأمر وله التدبير فهو الخالق والآمر الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه.

ويعلم الله ما أنتم عليه من طاعة ومعصية فيثيب المطيع على طاعته ويعاقب العاصي على معصيته.

ويوم يرجع إليه العباد ويقفوا بين يديه للحساب يعطي كل واحد ما يستحقه فمن زرع في الدنيا خيرا حصد خيرا ومن زرع في دنياه شرا حصد شرا.

والله عليم بأحوال عباده لا يخفى عليه من أمرهم شيء، بل الله عليم بما تكنه الصدور قبل أن تترجم الألسنة عنها.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة