تفسير

أحكام اللعان كما وردت في آيات سورة النور

ذكر الله الأحكام المتعلقة باللعان في سورة النور، واللعان في اللغة معناه الطرد والإبعاد من الخير، وتلاعن القوم إذا لعن بعضهم بعضا.

رمي الأزاوج زوجاتهم بالزنى

فهم الصحابة من الآيات السابقة التي تكلمت عن حد القذف العموم وأن من رمى امرأة عفيفة بالزنى ولم يأت على ذلك بأربعة شهود أن يقام عليه الحد فيدخل في ذلك زوجة الرجل،

فنزلت آيات اللعان هذه لتبين أن أمر الزوجة له استثناء وأنه يختلف عن رمي أي امرأة أخرى.

سبب نزول آيات اللعان

عن حديث سهل بن سعد، أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، ‌أيقتله ‌أم ‌كيف ‌يفعل؟

فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك).

قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا، قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين فرغا من التلاعن،

ففارقها عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان ذلك تفريقا بين كل متلاعنين.

قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدها أن يفرق بين المتلاعنين. وكانت حاملا، وكان ابنها يدعى لأمه. قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له.

قال ابن جريج، قال ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن جاءت به أحمر قصيرا، كأنه وحرة، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود العين، ذا أليتين، فلا أراه إلا قد صدق عليها). فحاءت به على المكروه من ذلك.[البخاري]

شريك ابن سحماء

عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشريك ابن سحماء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌البينة ‌أو ‌حد ‌في ‌ظهرك).

فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (البينة وإلا حد في ظهرك).

فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: (والذين يرمون أزواجهم – فقرأ حتى بلغ – إن كان من الصادقين). فانصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:

(إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب). ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة.

قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت،

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء).

فجاءت به كذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن)[البخاري]

شهادة الزوج أنه صادق

قال الله: (وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٦)

والذين يرمون زوجاتهم بفاحشة الزنا ولم يكن لهؤلاء الأزواج شهود يشهدون معهم على تلك الجريمة إلا أنفسهم فالحكم أنه يجب عليه أن يلاعن زوجته بأن يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين في رميه لها بالزنا.

الشهادة الخامسة من الزوج

قال الله: (وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٧ )

ويجب على الزوج الذي رمى زوجته بارتكابها فاحشة الزنى بعد أن شهد أربع شهادات أنه من الصادقين أن يشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في رميه لزوجته بالزنا.

ما يدفع الحد عن الزوجة في اللعان

قال الله: (وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٨ )

لكي تبرأ الزوجة نفسها من إقامة الحد عليها بسبب ما رماها به زوجها أن تشهد أربع شهادات بالله أن زوجها كاذب فيما رماها به من ارتكاب الزنى.

الشهادة الخامسة من الزوجة

قال الله: (وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ٩ )

ويجب بعد أن تشهد الزوجة أربع شهادات أن زوجها كاذب فيما رماها به من الزنى أن تشهد في الخامسة أن لعنة الله عليها إن كان زوجها من الصادقين.

وجاء التعبير في جانب الزوجة هنا بقوله: (أن غضب الله عليها). ليذكر المرأة بأن عقاب الدنيا أهون من غضب الله عليها في الآخرة

فلو كانت ارتكبت هذا الذنب أن تقر به وتقبل بعقاب الدنيا، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة،

ومن أقيم عليه الحد في الدنيا بسبب ذنب اقترفه لا يعذب مرة أخرى على هذا الذنب في الآخرة؛

لأن الذي أمر بإقامة هذا العقاب في الدنيا هو الله، والله أكرم من أن يعذب عبده على ذنب واحد مرتين.

نسب الولد في اللعان

إذا تم اللعان بين الرجل وزوجته وكان موضوعه نفي نسب الولد ترتب عليه انتفاء نسب الولد عن الزوج ونسب لأمه.

التذكير بفضل الله

قال الله: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ١٠ )

ختمت آيات اللعان بالتذكير بفضل الله، وجواب لولا محذوف فلولا فضل الله لحصل لكم من الفضيحة والحرج ما لا يحيط به الوصف،

ولكن الله شرع لكم ذلك سترا للزوجين وتخفيفا عليهما، وحضا لهما على التوبة النصوح، والتفتت الآية من الغيبة إلى الخطاب للعناية بمقام الامتنان والفضل من الله.

كيفية اللعان

كيفية اللعان أن يقف المتلاعنين أي الزوج وزوجته أمام القاضي فيبدأ الزوج ويقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين، يقول ذلك أربع مرات ثم يقول في المرة الخامسة : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رمى به زوجته.

ثم تقف المرأة وتشهد أربع شهادات بالله أن زوجها كاذب فيما رماها به من الزنى، وفي المرة الخامسة تقول: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما قاله زوجها.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة