تفسير

الآداب الاجتماعية التي وردت في آيات الإفك من سورة النور

ما زالت الآيات من سورة النور التي تحدثت عن حادثة الإفك تواصل الحديث عن بعض الآداب الاجتماعية التي يجب على المؤمنين أن يلتزموا بها.

محبة شيوع الفاحشة

قال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩)

هذا من تأديب الله لعباده المؤمنين يعلمهم الله ألا يخوضوا في أعراض المحصنات، وألا يحبوا انتشار الفواحش وشيوعها؛

لأن ذلك من أشنع الذنوب عند الله، فهؤلاء الذين يحبون انتشار الفواحش وشيوعها بين المؤمنين ويحبون الخوض في الأعراض واتهام العفيفات البريئات بالباطل لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة حد القذف عليهم أو في الآخرة بالعذاب الأليم.

أما من أقيم عليه الحد في الدنيا وكان من المنافقين أو الكافرين فإنه لا يعفى من عذاب الآخرة؛ لأن إقامة الحدود جوابر لأصحابها في الآخرة لعصاة المؤمنين فلا يعاقبون على هذا الذنب مرة أخرى بعد أن أقيم عليهم الحد في الدنيا.

أما المنافقون والكافرون فلا مغفرة لهم لأن الله يغفر في الآخرة كل ذنب إلا الكفر، قال الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء).

تتبع العورات

نهى الله عباده المؤمنين عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم، فقال الله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).

وعن ابن عمر قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم،

فإنه من ‌تتبع ‌عورة ‌أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)

قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)[الترمذي]

وعن ‌معاوية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس ‌أفسدتهم ‌أو ‌كدت ‌أن تفسدهم)

فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله بها.[أبو داود]

رحمة الله بالعباد

قال الله: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٢٠)

ولولا رحمة الله بكم أيها المفترون الذين افتريتم على زوجة نبيه السوء لأصابكم بسبب افترائكم هذا العذاب الأليم الذي لا يقادر قدره.

لكن لأن الله رحيم بكم أمهلكم وأنزل براءة زوجة نبيه الطاهرة العفيفة فتاب منكم من تاب وأقيم الحد على من ثبت عليه أنه نشر مقالة السوء.

وأما المنافقون الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإسلام فينتظرهم عذاب أليم.

اتباع خطوات الشيطان

قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ

وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢١)

نادى الله على عباده المؤمنين بوصف الإيمان ليلهب حماس الإيمان في قلوبهم ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان.

والخطوات جمع خطوة وهي ما بين القدمين، والمراد مسالك الشيطان وطرقه، فلا تغتروا بمسالك الشيطان ولا تسلكوا طرقه.

فإن الشيطان لا هم له إلا أن يغريكم الشر وأن يأمركم بالفحشاء والمنكر ، فمن يتبع خطوات هؤلاء الشياطين يقع في الضلال المبين.

ولولا لطف الله بعباده المؤمنين ما طهرأحد منكم من دنس الذنوب والمعاصي لكن الله بفضله ورحمته بكم يطهر من يشاء تطهيره من دنس الذنوب والأرجاس حيث يقبل توبة التائبين، فالله هو السميع لدعائكم وهو العليم بسركم وجهركم وما فيها من أقوال وأفعال.

الحض على الإنفاق

قال الله: (وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ٢٢)

نزلت هذه الآية في شأن أبي بكر الصديق -رضي الله عليه- فقد كان له قريب اسمه مسطح بن أثاثة ينفق عليه لفقره وهجرته

فلما خاض مسطح مع الخائضين في عرض عائشة وردد مقالة السوء أقسم أبو بكر ألا ينفق عليه ثانية، فأنزل الله هذه الآية.

فلا يحلف أولوا الفضل منكم وأصحاب المال ألا يؤتوا من أموالهم هؤلاء الفقراء من أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا عنهم ويتجاوزا عن أخطائهم ويقابلوا الإساءة بالإحسان وهذا أعلى درجات العفو.

ألا تحبون أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم ذنوبكم بسبب عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم، فالله كثير المغفرة واسع الرحمة بكم أيها المؤمنون يا أصحاب العفوا والصفح.

لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا وأعاد نفقته على مسطح.

قال الآلوسى: “وفي الآية من الحث على مكارم الأخلاق ما فيها، واستدل بها على فضل الصديق- رضى الله عنه-؛ لأنه داخل في أولى الفضل قطعا؛

لأنه وحده أو مع جماعة سبب النزول، ولا يضر في ذلك الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة