تفسير

آداب غض البصر كما وردت في آيات سورة النور

ورد في آيات سورة النور الآداب المتعلقة بغض البصر، وما ينبغي على الرجال تجاه النساء وما ينبغي على النساء تجاه الرجال.

غض الرجال أبصارهم

قال الله: (قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ)

روي في سبب نزول هذه الآية عن على بن أبي طالب قال: مر رجل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأَة، ونظرت إِليه،

فوسوس لهما الشيطان أَنه لم ينظر أَحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به، فبينما الرجل يمشى إلى جنب حائط وهوينظر إِليها، إذ استقبله الحائط فشق أنفه، فقال:

والله لا أَغسل الدمَ حتى آتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَأخبرَه أَمرى، فأَتاه فقص عليه قصته.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هذا عقوبة ذنبك) وأنزل الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ).

أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر الرجال من المؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم بألا يمعنوا النظر فيما ينظرون إليه وألا يحاولوا أن يتقصوا أطراف المنظور إليه.

فلا يمعنوا النظر للنساء وألا يستمروا في إدامة النظر لما لا يحل لهم، فإن هذا البصر هو بوابة القلب، وعن طريق البصر يكثر السقوط والانغماس في الشهوات، فهو بريد الزنى.

نظرة الفجاءة

النظر إما أن يكون مفاجأة بغير قصد من الإنسان فهذا مما عفى الله عنه، وإما أن يكون بقصد وإدامة نظر فهذا مما حرمه الله إذا كان لما لا يحل.

عن ‌جرير بن عبد الله قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر ‌الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري)مسلم

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: (يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن ‌لك ‌الأولى، وليست لك الآخرة)أبو داود

حق الطريق

من الحقوق التي شرعها الإسلام للطريق غض البصر، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والجلوس في الطرقات).

فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: (فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها).

قالوا: وما ‌حق ‌الطريق؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر)البخاري

حفظ الفروج

قال الله: (وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠)

وأمر الله نبيه أن يأمر المؤمنين بأن يحفظوا فروجهم عن الحرام فلا يرتكبوا جريمة الزنى، وأن يحفظوها بسترها عمن لا يحل له النظر إليها من الأجانب أو الأقارب.

أما الزوج والزوجة فيحل لكل واحد منهما النظر للآخر، فعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت يا رسول الله : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟

قال: (‌احفظ ‌عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟

قال: (إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها) قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس)أبو داود

فإن حفظ الفروج أطهر لكم أيها المؤمنون وأبعد عن دنس الإثم إن الله عليم بصنيعكم ولا يغيب عنه شيء من دقائق أموركم التي تقومون بها.

أمر المؤمنات بغض البصر

قال الله: (وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ)

وأخبر أيها النبي النساء المؤمنات أنهن مكلفات أيضا بغض أبصارهن عن الرجال مثل ما أمر الله الرجال.

ومع أن الله النساء يدخلن في نص الآية السابقة لأنهن شقائق الرجال في الأحكام لكن الله أعاد الأمر لهن ثانية ليؤكد على هذا الأمر.

فكما حرم على الرجال النظر للنساء حرم على النساء أيضا النظر للرجال، وأوجب الله على النساء أن يحفظن فرجهن من الزنى والسحاق وستر الفرج عن كل أحد إلا من زوج.

إبداء المرأة زينتها

قال الله: (وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ)

حرم الله على النساء أن يبدين زينتهن إلا ما ظهر منهن من الوجه والكفين، ودليل جواز ظهور الوجه والكفين ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق،

فأعرض عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (يا أسماء، إن المرأة إذا ‌بلغت ‌المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا)أبو داود

الستر بالخمار

قال الله: (وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ)

الخمار هو ما تغطي به المرأة رأسها، والجيب هو الفتحة التي تكون في أعلى القميص يبدوا منه بعض الجسد أي صدر المرأة.

فأمرهن الله بستر نحورهن وصدورهن بالخمار الذي يستر رؤوسهن، فقد كان من عادة النساء أن يسترن رؤوسهن بالخمر ويسدلنها من وراء فتبدوا نحورهن وبعض صدورهن.

لقد كان نساء المؤمنين أسرع الناس استجابة لأمر الله لما نزلت هذه الآية قمن إلى مرطهن فشققنها واختمرن بها.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن). شققن ‌مروطهن فاختمرن بها.البخاري

إبداء الزينة للمحارم

قال الله: (وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَآئِهِنَّ أَوۡ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآئِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَٰنِهِنَّ

أَوۡ بَنِيٓ إِخۡوَٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِيٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَآئِهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيۡرِ أُوْلِي ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يَظۡهَرُواْ عَلَىٰ عَوۡرَٰتِ ٱلنِّسَآءِۖ)

لما أمر الله النساء بألا يبدين زينتهن لعموم الناس بين جواز إظهار شيء من الزينة لبعض الأنواع منها :

البعول وهو الزواج فيحل للرجل أن يرى من المرأة كل جسدها.

وأما بقية من يحل لهم النظر إلى ما يظهر عادة من المرأة كشعرها ورقبتها ويدها فهؤلاء هم محارمها على التابيد:

كأبيها ووالد زوجها أو أبنائها أو أبناء زوجها، أو إخوانها أو بني إخوانها أو أخواتها، أو نسائهن وهن النساء المسلمات المختصات بصحبتهن وخدمتهن

أما الكوافر فلا يحل لهن أن ينظرن إليهن، وأما ما ملكت أيمانهن فهن الإماء ولو كافرات، أما العبيد فحكمهم حكم الرجال الأجانب.

وقال سعيد ابن المسيب: لا تَغُرنكُمْ هذه الآية: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إِنما عنى بها الإِماءُ ولم يعن بها العبيد، وعلل ذلك بأنهم فحول ليسوا أزواجا ولا محارم، والشهوة متحققة فيهم. الآلوسى

أو التابعين غير أولي الإربة وهم الذين يتبعون البيوت ليصيبوا من طعام أهلها وليست لهم حاجة في النساء لكونهم شيوخا طاعنين في السن وقد فنيت شهواتهم أو لكونهم مجبوبون أو مخصيون، فالمجبوب هو من قطع ذكره، والمخصي هو من قطعت خضيتاه.

أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء من الذين لم يبلغوا الحلم ولم يبلغوا حد الشهوة والقدرة على الجماع، أما المراهق فيجب الاحتجاب منه.

إظهار المرأة زينتها

قال الله: (وَلَا يَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِيُعۡلَمَ مَا يُخۡفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۚ)

ولا يحل للنساء أن يضربن بأرجلهن ليسمع غيرها صوت خلخالها وليعمل ما تخفيه من الزينة، من أجل أن تغري الرجال بها.

عن حضرمي أَن امرأَة اتخذت خَلخَالا من فضة، واتخذت جَزْعًا في ساقها، فمرت بقوم فضربت برجلها، فوقع الخلخال على الجزع فصوَّت، فأنزل الله (وَلَا يَضْرِبْنَ … )الآية.

التوبة إلى الله

قال الله: (وَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٣١)

قل أيها النبي للمؤمنين أن يتوبوا إلى الله جميعا مما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوه مما نهاهم الله عنه لعلكم بتلك التوبة تفوزون برضى الله وتنالون سعادة الدارين.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة