آداب استئذان الأطفال والعبيد كما وردت في سورة النور
في سورة النور ذكر الله عددا من الآيات التي تعلم المؤمنين الآداب التي يجب عليهم اتباعها عند الاستئذان أو دخول بيوت الآخرين.
الأمر بالاستئذان
قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ ٱلۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّٰتٖۚ
مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ ٱلۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ ٱلۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ
طَوَّٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٨)
لقد تحدثت الآيات قبل ذلك عن استئذان الأجانب من الناس، وهذه الآية تحدثت عن استئذان الأقارب والخدم والعبيد.
يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله عليكم أن تأمروا عبيدكم وخدمكم وصبيانكم الذي لم يبلغوا مبلغ الرجال أن يستأذنوا عليكم في ثلاثة أوقات:
من قبل صلاة الفجر لأنه وقت نومكم وربما يتساهل الإنسان في ستر نفسه وعورته.
وفي وقت القيلولة من بعد صلاة الظهر للراحة.
ومن بعد صلاة العشاء وهو وقت تهيئكم للنوم وقد يكون الرجل في وقت من هذه الأوقات مع أهله في حالة لا يحب أن يراه عليها أحد.
وما عدا ذلك من الأوقات فلا جناح عليهم أن يدخلوا عليكم بغير استئذان لأنهم طوافون عليكم للخدمة.
فهذا بيان من الله لكم يبين الآداب والأحكام التي يجب عليكم أن تلتزموا بها فالله عليم بأمركم حكيم فيما يأمركم به ويشرعه لكم.
وقال السدى في سبب نزول الآية: كان أناس من الصحابة – رضى الله عنهم – يحبون أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أَلا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن.
الطفل بعد البلوغ
قال الله: (وَإِذَا بَلَغَ ٱلۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ ٱلۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا ٱسۡتَـٔۡذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٥٩)
تحدث الله في الآية السابقة عن الأطفال الذي لم يبلغوا مبلغ الرجال بأنه يجب عليهم أن يستأنوا في ثلاثة أوقات.
ثم ذكر في هذه الآية الأطفال إذا بلغوا مبلغ الرجال أنهم يجب عليهم أن يستأذنوا في كل الأوقات كغيرهم وإن قيل لهم ارجعوا أن يرجعوا، فيشملهم قول الله:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ بُيُوتِكُمۡ حَتَّىٰ تَسۡتَأۡنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَهۡلِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ).
العجائز من النساء
قال الله: (وَٱلۡقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحٗا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۭ بِزِينَةٖۖ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٞ لَّهُنَّۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٦٠)
والعجائز من النساء اللاتي طعن في السن ولا رغبة لهن في الزواج لانعدام الشهوة عندهن فليس عليهن إثم ولا جناح أن يضعن شيئا من ثيابهن الظاهرة التي لا تؤدي لكشف العورة وغير قاصدات التبرج بزينة.
فلو قصدن التبرج والزينة، وإغراء الرجال فلا يدخلن في جواز وضع الثياب؛ لأنهن لسن أصحاب ضرورات.
وأن يستترن خير لهن من أن يظهر شيء منهن، والله سميع لأقوال عباده عليم بأعمالهم يجازيهم على نياتهم.
ذوي الهمم
قال الله: (لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ)
نقل القرطبى عن ابن العربى أنه قال: المختار أن يقال: إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر،
وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به المشى، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك،
ثم قال بعد ذلك مبينًا: وليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم، فهذا معنى صحيح، وتفسير بيِّنٌ مفيد يعضده الشرع والعقل، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل. اهـ
وقيل المقصود أن أصحاب العاهات هؤلاء كانوا يتحرجون أن يأكلوا مع الأصحاء خوفا من أن يستقذروا الأكل معهم.
أو ليس على أصحاب الأعذار من الأعمى والأعرج والمريض أن يقعدوا عن الجهاد فلا يجاهدون فقد عذرهم الله ولم يكلفهم بما هو فوق طاقتهم.
الأكل من بيوت الغير
قال الله: (وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ)
وليس عليكم جناح أيها المؤمنون أن تأكلوا من بيوت زوجاتكم وعيالكم، أو من بيوت آبائكم ولا غيرهم من الآقارب ممن ذكرتهم الآية قال الرازي:
“والظاهر أن إباحة الأكل لا تتوقف على الاستئذان لأن العادةأن هؤلاء القوم تطيب أنفسهم بأكل الأقارب”.
ويقول ابن العربى: “أباح الله الأكل من جهة النسب من غير استئذان، إِذا كان الطعام مبذولا، فإذا كان الطعام مُحْرزًا لم يكن لهم أخذه، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محرز إلا بإذن”.
الأكل مما ملكتم مفاتحه
قال الله: (أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ)
لا جناح على الإنسان أن يأكل من البيت أو البستان الذي ملك مفاتحه بأن يأكل منه اليسير ولا يدخر منه ويكون هذا مما تطيب به نفس صاحبه.
روى عن ابن عباس أَنه قال: نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو، خرج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غازيًا، وخلف مالك بن زيد على أَهله،
فلما رجع وجده مجهودا، فسأَله عن حاله، فقال: تَحرجْت أن آكل من طعامك بغير إِذنك، فأَنزل الله – تعالى – هذه الآية.
الأكل من بيت الصديق
قال الله: (أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ)
ولا جناح عليكم أن تأكلوا من بيت صديقكم، والصديق هو من صدق في مودته لك وصدقت في مودتك له، وأنت تعلم أن نفسه تطيب بذلك، فيجوز أن تشرب وتأكل من طعامه وشرابه.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد،
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول في كتابه: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال:
(بخ، ذلك مال رائح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وأرى أن تجعلها في الأقربين) . قال: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.البخاري
الأكل مجتمعين أو متفرقين
قال الله: (لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ)
نفى الله الإثم والحرج عن الأكل من الطعام مجتمعين أو متفرقين، فقيل نزلت في قوم كان الواحد منهم يتحرج أن يأكل وحده فإذا لم يجد أحدا يؤاكله ربما انتظر إلى الليل حتى يأكل وحده مضطرا.
وقيل: نزلت في جماعة كانوا يتحرجون من الأكل مجتمعين لاختلافهم في الأكل بزيادة ونقصان فأذن الله لهم فيما تحرجوا فيه.
السلام على أهل البيت
قال الله: (فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٦١)
من الآداب التي أمر الله بها عباده المؤمنين أن يسلموا على أهل البيت الذي يأكلون منه، وتلك تحية من عند الله ثابتة بأمره، مباركة طيبة؛
لأن السلام دعاء من المؤمن لأخيه المؤمن، فهذا البيان الواضح الذي بينه الله لكم لكي تتعقلوه وتفهموه وتحرصوا على العمل به.
للاطلاع على المزيد:
- مقدمة عن سورة النور، وتفسير آيات أحكام الزنى
- أحكام اللعان كما وردت في آيات سورة النور
- تفسير آيات حادثة الإفك من سورة النور
- الآداب الاجتماعية التي وردت في آيات الإفك من سورة النور
- كيف نتعامل مع الشائعات من منظور سورة النور؟
- آداب النكاح كما وردت في آيات سورة النور
- آداب غض البصر كما وردت في آيات سورة النور
- تعرف على صفات المنافقنين والمؤمنين من خلال سورة النور
- الفرق بين تصرف المؤمنين والمنافقين مع النبي من خلال سورة النور
- ما اشتمل عليه الجزء الثامن عشر في سورة المؤمنون والنور