تفسير

تفسير سورة الكهف من الآية رقم 100 إلى الآية رقم 110

تحدثت الآيات هنا من سورة الكهف عن مشاهد من يوم القيامة للكافرين والمؤمنين، وعن سعة علم الله، وعن بشرية النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفضيله على سائر البشر بالوحي الذي أوحاه الله إليه.

رؤية الكافرين لجهنم

وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠)

وأظهر الله للكافرين جهنم ظاهرة أمامهم؛ لتعجيل الهم والحزن لهم، ليشاهدوها ويعاينوها، وليعلموا أن وعد الله حق، وأن الثواب حق، والعقاب حق.

العمى عن رؤية الحق

الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١)

هؤلاء الكفار كانت على أعينهم أغشية تحجبهم عن رؤية آيات الله في الكون، تلك الآيات الدالة على وجود الله وقدرته، وعلى البعث والإحياء والثواب والعقاب.

فكانوا لا يسمعون آيات الله المرشدة لهم لطريق الهداية، فعطلوا وسائل الإدراك التي وهبها الله لهم، والتي من خلالها كانوا يستطيعون الوصول للهداية، وهذا تعليل للتنكيل وإنزال العذاب بهم.

توبيخ الكافرين والإنكار عليهم

أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢)

الاستفهام هنا استفهام إنكار وتوبيخ لهؤلاء الذين عبدوا آلهة من دون الله، يظنون أنهم ينفعونهم في الآخرة.

فعبدوا عباد الله الصالحين كالملائكة وعزير والمسيح، وإضافة هؤلاء العباد لله إنما هي إضافة تشريف وتكريم.

والمعنى: أفظن هؤلاء المشركون الذين عبدوا عباد الله الصالحين أن هذه العبادة تنفعهم عند الله، لقد هيأ الله لهؤلاء المشركين وأعد لهم منزلا في النار، وهذا فيه نوع من التهكم بهم، والتنبيه على أنهم يستحقون ما أعده الله لهم.

الأخسرون أعمالا

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣)

قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل نخبركم بأشد الناس خسارة عند الله؟ وأشد الناس حرمانا من ثواب أعمالهم؟

ضياع أعمال الدنيا هباء

الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)

أشد الناس خسرانا لأعمالهم من أهل الملل الذين أتعبوا أنفسهم في العمل في هذه الدنيا يظنون أنها تقربهم إلى الله، لكنهم في الحقيقة هم أشد الناس خسرانا وهلاكا في الآخرة؛

لأنهم عملوا على خلاف ما أمرهم الله به، والحال أنهم يظنون أنهم يقدمون الأعمال الصالحة التي تنفعهم.

الكفر بآيات الله والبعث

أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥)

فهؤلاء الكافرون هم الأخسرون الذين ظنوا أنهم يحسنون صنعا، بسبب أنهم كفروا بآيات القرآن وما فيه من وعد ووعيد، وكفروا بالبعث بعد الموت فأحبط الله أعمالهم فلم ينتفعوا بها في الآخرة.

وأصل الحبط هو انتفاخ بطن الدابة بالطعام الفاسد الذي يؤدي لهلاكها، وهذا ينطبق تماما على حال الكفار الذين ملئوا صحائف أعمالهم بأعمال قبيحة ظنوها تنفعهم لكنها كانت سببا في هلاكهم.

أولئك يحتقرهم الله ويزدريهم في الآخرة فلا يجعل لهم وزنا ولا مقدارا؛ لأن الإنسان إنما ينال القيمة الحقيقية في الآخرة بأعماله الصالحة.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنه ليأتي ‌الرجل ‌العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة. وقال: اقرؤوا إن شئتم: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)البخاري

جهنم جزاء الكافرين

ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (١٠٦)

ذلك اسم إشارة يشير إلى ما سبق من حبوط الأعمال واحتقار شأنهم، فهؤلا مصيرهم جهنم بسبب كفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله.

فلم يكتفوا بكفرهم فقط وإنما أضافوا لكفرهم بالله الاستهزاء، لأجل ذلك استحقوا هذا المصير الذي ذكره الله، وبعد أن ذكر الله هذا الوعيد للكافرين أتبعه بالوعد للمؤمنين.

جزاء المؤمنين في الآخرة

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧)

بعد أن ذكر الله مآل الكافرين ذكر هنا حال المؤمنين الذين اتصفوا بعكس ما اتصف به الكافرون، فهم آمنوا بالله، وعملوا الأعمال الصالحة الموافقة لأوامر الله.

فهؤلاء أعد الله لهم أعلى الدرجات في الجنة وأعلاها منزلة، فجنات الفردوس هي أفضل الجنات وأعلاها.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها).

فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال: (إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض،

فإذا سألتم الله ‌فاسألوه ‌الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة … فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)البخاري

خلود المؤمنين في الجنة

خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (١٠٨)

خالدين فيها خلودا أبديا لا يريدون انتقالا منها إلى مكان آخر لكونها أطيب المنازل، فالنفس البشرية بطبيعتها ملولة لا تحب الاستقرار في مكان واحد وإنما تريد الانتقال من مكان لآخر.

لكن المؤمنين في الفردوس لا يريدون التحول من هذا الموضع لآخر؛ لأنه المكان الذي لا تشتاق النفوس لسواه.

ضرب الأمثال لسعة علم الله

قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)

قل لهم يا محمد لو كان ماء البحر مدادا للأقلام التي تكتب كلمات الله وعلمه وأحكامه، لنفد ماء البحر قبل أن يكتب كل كلمات الله وعلمه.

ثم زاد الصورة مبالغة فقال: ولو جئنا بماء بحر آخر مع غزارته ليكون مدادا للقلم لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله.

وهذا مثل محسوس ضربه الله للمعنى المعقول حتى يتم فهم المراد على أكمل صورة وأبلغ بيان.

وشبيه هذه الآية قول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

بشرية الرسول وتفضيله بالوحي

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)

قل أيها الرسول للناس إنما أنا بشر مثلكم مولود من أب وأم، وينتهي نسبي إلى آدم كما ينتهي نسبكم، وأفرح كما تفرحون، وأتألم كما تتألمون.

وهذه الآية تنفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون ملكا أو أن يكون من غير البشر، لكن الآية تثبت له التفضيل على غيره من البشر بالوحي إليه، وأمره بان يبلغ الناس أن الله هو الإله الحق الذي خلقكم لا شريك له في ذاته وصفاته وأفعاله.

فمن كان يريد ثواب الله ورؤية وجهه الكريم، فليخلص العبادة لله وحده، ولا يشرك مع الله غيره.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة