تفسير

قصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج من خلال سورة الكهف

في هذه الآيات من سورة الكهف قص الله علينا قصة ذي القرنين وكيف أن الله مكن له في الأرض وحكمها من المشرق للمغرب، وأعطاه كل سبب من أسباب الملك.

قصة ذي القرنين

ذو القرنين هو الاسكندر المقدوني كما ذهب إليه معظم المفسرين، وكان ملكا صالحا أعطاه الله العلم والملك.

وقال الفخر الرازى: ” مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال عند أهل الدنيا والذي هو معلوم الحال بهذا الملك العظيم هو ‌الإسكندر فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو هو”.

لماذا سمي يذي القرنين

وسمي بذي القرنين لأنه وصل لمشرق الشمس ومغربها، ومكن الله له في المشارق والمغارب.

ذكر النبي لذي القرنين دليل على نبوته

وذكْر النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة ذي القرنين علم من أعلام نبوته، فإن أمره لم يكن معروفا إلا عند أهل الكتاب.

ولم يكن رسول الله عنده علم بما عند أهل الكتاب، إذ لم يقرأ كتابا؛ لأنه كان أميا ولم يتعلم على يد بشر فقد قال الله عنه: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).

وكان اليهود يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تلك الأمور الغيبية ليتأكدوا من صحة نبوته، وكانوا يحرضون المشركين من قريش ليسألوا رسول الله عن تلك المسائل التي ورد الجواب عليها في سورة الكهف، من السؤال عن أهل الكهف، وعمن ملك الدنيا من البشر، وعن الروح.

علاقة قصة ذي القرنين بالخضر

تقدم ذكر قصة موسى مع الخضر لأنها تدل على الرحلة في طلب العلم، وقصة ذي القرنين تدل على الرحلة للجهاد في سبيل الله، والعلم هو الأصل الذي ينبغي أن ينبني عليه الجهاد.

قال البقاعي: “كانت قصة موسى مع الخضر مشتملة على الرحلات من أجل العلم، وكانت قصة ذي القرنين مشتملة على الرحلات من أجل الجهاد في سبيل الله، ولما كان العلم أساس الجهاد تقدمت قصة موسى والخضر على قصة ذي القرنين”.

زمان ذي القرنين

كان ذو القرنين في الفترة بين عيسى ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وروي أن الذين ملكوا الأرض أربعة: مؤمنان وكافران، أما الكافران فالنمرود وبختنصر، وأما المؤمنان فسليمان وذو القرنين.

السؤال عن ذي القرنين

وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (٨٣)

ويسألك اليهود أيها النبي أو المشركون بتحريض من اليهود عن قصة ذي القرنين، ذاك الملك الصالح الذي جاب مشارق الأرض ومغاربها، ما خبره؟

قل لهم معلما ورادا على تحديهم لك سأتلوا عليكم طرفا من قصته على سبيل التلاوة للوحي الذي أوحاه الله إلي.

التمكين لذي القرنين في الأرض

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥)

إنا جعلناه صاحب نفوذ وسلطان، ويسرنا له أسباب الملك، فما من سبب يقوي ملكه إلا أعطيناه إياه، كآلات السير، وكثرة الجند، وأسباب العمران، فأتبع طريقا وأسلوبا من شأنه إنجاح غزوه فسار جهة الغرب.

وهذه الأسباب التي كان يأخذ بها للوصول لأهدافه تعلمنا أن الإنسان لا يصل لمعالي الأمور إلا بالأخذ بالأسباب ، وأن المجد لا يناله الخاملون.

وصول ذي القرنين لمغرب الشمس

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ 

اتبع ذو القرنين الطريق الذي يوصله إلى جهة غروب الشمس حتى إذا وصل إلى حافة اليابسة على ساحل المحيط،

حيث بلغ منتهى الأرض في زمنه من جهة الغرب، وجد الشمس باعتبار نظره هو لا بحسب الحقيقة كأنها تغرب في عين حمئة أي عين ذات طين أسود.

وهذا معناه أنه وقف ينظر إلى الشمس عند غروبها فرآها بحسب نظره غابت تحت الماء كأنها تغرب في عين ذات طين أسود.

قال الرازي: “إن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات وجد الشمس كأنها ‌تغرب ‌في ‌عين وهدة مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة.

كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر”.

دعوة ذي القرنين الناس للإيمان

وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦)

فوجد عند هذه العين ذات الطين الأسود قوما الظاهر أنهم من أهل الفترة فقيل له على طريق الإلهام أو عن طريق الملك: إما أن تعذب هؤلاء بالقتل، وإما أن تدعوهم إلى الإيمان بالله بالتي هي أحسن.

الأخذ على أيدي الفاسدين

قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧)

كان جواب ذو القرنين يدل على سلامة تفكيره وحكمته في حكمه، حيث لما خير في أمر هؤلاء القوم قال: أما من ظلم نفسه بإصراره على كفره وفسوقه وعصيانه فسوف نعذبه في هذه الدنيا بالقتل أو غيره، وأما في الآخرة فيعذبه ربه عذابا فظيعا منكرا وهو عذاب جهنم.

الأخذ بيد الصالحين

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (٨٨)

وأما من اختار طريق الإيمان بالله وعمل العمل الصالح الذي يأمره به ربه فله جزاء الحسنى في الدنيا والآخرة، وسنقول لمن آمن وعمل صالحا بما نأمره به قولا سهلا ميسورا لا مشقة فيه ولا تعب.

وهذه هي صفات الحاكم الصالح يأخذ على أيدي العاصين والمفسدين حتى يرجعوا إلى الطريق القويم وحتى لا تغرق السفينة بكل من فيها.

ويأخذ بأيدي المصلحين ويهيء لهم المناخ الصالح الذي يعينهم على الاستمرار في صلاحهم.

أخذ ذي القرنين بالأسباب

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٨٩)

هذا بيان لحال ذي القرنين لما بلغ مقصده حيث بلغ مغرب الشمس كر راجعا بجنده جهة شروق الشمس.

رجوع ذي القرنين لجهة الشرق

حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (٩٠)

فلما بلغ ذو القرنين بجنده إلى أقصى الأرض من جهة شروق الشمس، وجد عند هذا الموضع قوما ليس لهم ما يسترهم من الثياب والبناء، فإذا طلعت عليهم الشمس دخلوا أسراب تحت الأرض، فإذا غربت خرجوا لطلب معاشهم

إحاطة علم الله

كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (٩١)

هذا إخبار من الله عن شمول علمه وإحاطته إحاطة تامة لأحوال ذي القرنين الظاهرة والباطنة، وما كان عليه من القوة، وما كان معه من الجنود، وغير ذلك من أسباب الملك التي مكنته من ملك الشرق والغرب.

الأخذ بالأسباب

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (٩٢)

هذا بيان لما فعله ذو القرنين بعد أن بلغ مغرب الشمس ومشرقها سلك طريقا ثالث بين الشرق والغرب.

وصول ذي القرنين للسدين

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣)

هذا الطريق الثالث الذي سلكه بين الشرق والغرب جهة الشمال حيث الجبال الشاهقة وصل فيه إلى جبلين.

وسمي الجبل سدا؛ لأنه سد فجا من الأرض، وكان هذا الموضع بمنقطع أرض بلاد الترك مما يلي أرمينية وأذربيجان.

قال الطبري: “والسَّدُ: الحاجز بين الشيئين وهما هنا جبلان سُدَّ ما بينهما، فردَم ذو القرنين حاجزاً بين يأجوج ومأجوج من ورائهم ليقطع مادة غوائلهم وشرهم عنهم”.

وجد ذو القرنين من وراء السدين قوما لا يكادون يفهمون قولا ولا يكادون يعرفون لسانا غير لسانهم، ولا يعرف الناس ما يقوله هؤلاء القوم لهم لغرابة لغتهم وشدة عجمتهم.

يأجوج ومأجوج

قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

قال هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون قولا لذي القرنين بعد أن توسموا فيه القوة والصلاح، إن يأجوج ومأجوج وهما قبيلتان من بني آدم، واختلف في نسبهم فقيل: هم من ولد يافث بن نوح، والترك منهم، وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الديلم.

في خلقتهم تشوه منهم مفرط في الطول ومنهم مفرط القصر، كانوا مفسدين في الأرض بكل وجوه الإفساد بالقتل والسلب والنهب، وقيل: كانوا من آكلي لحوم البشر، إذا خرجوا في الربيع لا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابس إلا احتملوه معهم.

فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)

فهل نجعل لك جزءا من أموالنا على سبيل الأجر لكي تقيم بيننا وبين قبيلة يأجوج وماجوج سدا يمنعهم من الوصول إلينا.

المشاركة في البناء

قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (٩٥)

رد ذو القرنين على طلب القوم أن يعطوه جزءا من المال ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا فقال: ما أعطانيه الله من القوة والملك والسلطان خير مما تريدون أن تعطوه لي من المال.

فلا حاجة لي إلى مالكم، ولكني أحتاج معاونتكم لي بما تملكونه وما تقدرون عليه، وأحتاج إلى أيديكم ورجالكم حتى أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج ردما وهو السد المنيع.

فالردم هو الشيء الذي يوضع بعضه فوق بعض حتى يتصل ويتلاصق.

خلط الحديد بالنحاس

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (٩٦)

أحضروا لي قطع الحديد المتراكم وضعوه هنا حتى إذا ساوي بين جانبي الجبلين قال: انفخوا بالمنافيخ.

حتى صار الحديد كالنار قال: اعطوني أصب عليه النحاس المذاب.

قال الرازي: ” فوضع تلك الزبر بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم ‌وضع ‌المنافخ ‌عليها حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا”.

حبس يأجوج ومأجوج

فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)

فما استطاع المفسدون في الأرض من يأجوج ومأجوج أن يتسوروا هذا السد لعلوه وملاسته، وما استطاعوا أن ينقبوا فيه نقبا من أسفل لصلابته.

رحمة الله في حبس يأجوج ومأجوج

قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) ✷

قال ذو القرنين بعد أغلق على يأجوج ومأجوج بالسد المنيع الذي جعله فوقهم، هذا السد رحمة من الله بالعباد، فإذا جاء وعد الله بخروج يأجوج ومأجوج قرب قيام الساعة جعله الله مستويا بالأرض، وكان وعد الله بخراب السد وخروج يأجوج ومأجوج كائنا لا محالة.

اضطراب يأجوج ومأجوج

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (٩٩)

وجعلنا بعضهم والمقصود بهم يأجوج ومأجوج بعد إقامة السد عليهم يضطربون اضطراب موج البحر لما منعوا من الخروج والفساد في الأرض.

ولا يزالون كذلك حتى يأتي وعد الله بخروجهم، وحينها يخرجون مندفعين مزدحمين يهلكون الحرث والنسل.

ونفخ في الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وهو قرن عظيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌كيف ‌أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ، فينفخ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)الترمذي

وإسرافيل ينفخ في الصور نفختين الأولى نفخة الإماتة والثانية نفخة الإحياء، والمراد بالنفخة هنا هي النفخة الثانية بدليل قوله بعدها:

(فجمعناهم جمعا) أي جمعنا الخلائق كلهم منهم يأجوج ومأجوج، والمعنى نجمع الخلائق جميعا معا الأولين والآخرين والإنس والجن والمؤمن والكافر في صعيد واحد للحساب.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة