تفسير

تفسير سورة الكهف من رقم 60 إلى رقم 64 قصة موسى والخضر

تحدثت هذه الآيات من سورة الكهف عن قصة نبي الله موسى والخضر وهو العبد الصالح وما كان من من تعب في رحلة نبي الله لطلب العلم.

قصة موسى مع الخضر

الخضر هو عبد من عباد الله الصالحين، وقد ورد في سنن الترمذي سبب تسمية بالخضر، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء ‌فاهتزت ‌تحته ‌خضراء).

وليس في هذه القصة ما يستدعي العجب من ذهاب نبي الله موسى لهذا العبد الصالح يطلب منه العلم لأن الله يختص بفضله من يشاء من عباده، قال الله: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

سبب ذهاب موسى للخضر

روى البخاري في صحيحه سبب أمر الله لنبيه موسى بالذهاب للخضر، فعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس:

إن نوفا البكالي يزعم: أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله.

حدثنا أبي بن كعب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن ‌موسى ‌قام ‌خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟

فقال: أنا، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فقال له: بلى، لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك،

قال: أي رب ومن لي به؟ … قال: تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم….)

هل الخضر حي الآن؟

يدعي الصوفية حياة الخضر إلى الآن، وليس هناك دليل مقطوع به على ذلك، ومثل هذا لا يثبت بالرأي.

وذهب جمع من العلماء إلى أن الخضر ليس بحي واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر قال:

صلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها، لا يبقى ممن هو على الأرض أحد)

وقال ابن القيم عن حياة الخضر: إن الأحاديث التي يذكر فيها أنه حي كلها كذب، ولا يصح في ذلك حديث واحد.

هل الخضر رسول أو نبي أو ولي؟

اختلف العلماء في الخضر فمنهم قال: هو رسول. ومنهم قال: هو نبي. ومنهم قال هو ولي. والقول بأنه نبي وليس برسول هو قول الجمهور.

والنبي هو من أوحى الله إليه بوحي ولم يؤمر بالتبليغ، أم الرسول فهو من أوحي إليه بوحي وأمره بالتبليغ.

ومما يدل على أن الخضر كان نبيا هو قول الله تعالى: (آتيناه رحمة من عندنا). والرحمة تطلق على الوحي والنبوة.

وقول الخضر مع موسى: (ما فعلته عن أمري) فما فعله الخضر إنما كان بوحي من الله وليس من عند نفسه.

علاقة قصة موسى والخضر بالسورة

قال الإمام الرازي: اعلم أن هذا ‌ابتداء ‌قصة ‌ثالثة ‌ذكرها ‌الله تعالى في هذه السورة وهي أن موسى -عليه السلام- ذهب إلى الخضر -عليه السلام- ليتعلم منه العلم.

وهذا وإن كان كلاما مستقلا في نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود في القصتين السابقتين.

أما نفع هذه القصة في الرد على الكفار الذين افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأنصار، فهو أن موسى -عليه السلام- مع كثرة علمه وعمله وعلو منصبه واستجماع موجبات الشرف التام في حقه ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له، وذلك يدل على أن التواضع خير من التكبر.

وأما نفع هذه القصة في قصة أصحاب الكهف فهو أن اليهود قالوا لكفار مكة: إن أخبركم محمد عن هذه القصة فهو نبي وإلا فلا،

وهذا ليس بشيء لأنه لا يلزم من كونه نبيا من عند الله تعالى أن يكون عالما بجميع القصص والوقائع، كما أن كون موسى -عليه السلام- نبيا صادقا من عند الله لم يمنع من أمر الله إياه بأن يذهب إلى الخضر ليتعلم منه. انتهى كلام الرازي

بحث موسى عن الخضر

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (٦٠)

واذكر لهم يا محمد حين قال موسى بن عمران وهو أحد أولي العزم من الرسل، وينتهي نسبه ليعقوب -عليه السلام- وفتاه هو يوشع بن نون، وسمي بفتاه؛ لأنه كان ملازما لموسى ليأخذ عنه العلم.

فقد قال موسى لفتاه لا أزل أتابع السير حتى أصل لمجمع البحرين أو أواصل السير زمانا طويلا، والحقبة قيل: مدتها ثمانون عاما، وقيل: سبعون، وقيل: مدة مبهمة من الزمان، حتى أصل لهذا الموضع.

ومجمع البحرين هو المكان الذي يلتقي فيه البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، وهو مجمع خليجي العقبة والسويس في البحر الأحمر.

خروج الحوت من المكتل

فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (٦١)

فلما وصل موسى وفتاه يوشع بن نون إلى مجمع البحرين وهو الموضع الذي أخبر الله موسى أنه سيجد العبد الصالح عنده.

وكان موسى قد نام عند صخرة في هذا الموضع فلما قام من نومه نسي يوشع أن يخبر نبي الله موسى بما رآه من عجائب قدرة الله، حيث اضطرب الحوت وخرج من المكتل، وسلك طريقه في البحر وقيل: كان الحوت مشويا.

طلب موسى الطعام

فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (٦٢)

فلما تجاوز موسى وفتاه موضع مجمع البحرين، وهو الموضع الذي جعله الله علامة له لملاقاة العبد الصالح، وقد سار موسى بقية ليلته ويومه فقال لفتاه: آتنا غداءنا، وهو الغدوة وهو طعام الصباح لقد لقينا في سفرنا هذا تعبا ونصبا ليتقويا على سفرهما.

ورد في صحيح البخاري في حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : (…. لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي رب ومن لي به؟ قال: تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل، حيثما فقدت الحوت فهو ثم، …

وأخذ حوتا فجعله في مكتل، ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون، حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما، فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج، فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا،

فأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار مثل الطاق، فقال: هكذا مثل الطاق، فانطلقا يمشيان بقية ليلتهما ويومهما، حتى إذا كان من الغد قال لفتاه:

آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله…)

إخبار يوشع عن أمر الحوت

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (٦٣)

قال الفتى لنبي الله موسى أرأيت تلك الصخرة التي نمت عندها قد حدث عندها أمر عجيب حيث خرج الحوت من المكتل، وسلك نفقا في البحر، وما أنساني أن أخبرك بهذا إلا الشيطان.

ونسب يوشع هذا النسيان للشيطان؛ لأنه ربما وسوس له وأشغله بأهله عن تلك المعجزة العجيبة، واتخذ طريقه في البحر وكان أمره عجيبا، وسبب تعجبه من هذا الأمر؛ لأن الحوت كان مشويا فعادت إليه الحياة ودخل البحر.

رجوع موسى لمجمع البحرين

قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (٦٤)

قال موسى لفتاه هذا الذي ذكرته من أمر نسيانك لإخباري بما حدث للحوت هو ما كنا نطلبه؛ لأنه علامة على مكان الرجل الصالح الذي خرجنا لأجله.

فرجعا من طريقهما الذي أتيا منه يتتبعان أثرهما لئلا يضلا الطريق مرة أخرى حتى وصلا لموضع الصخرة التي فقدا الحوت عندها.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (… قال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر عجبا،

فكان للحوت سربا ولهما عجبا، قال له موسى: ذلك ما كنا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصا، رجعا يقصان آثارهما، حتى انتهينا إلى الصخرة،

فإذا رجل مسجى بثوب، فسلم موسى فرد عليه، فقال: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا…)

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة