دعوة نبي الله إبراهيم لأبيه وقومه سورة مريم
تحدثت الآيات من سورة مريم عن قصة نبي الله إبراهيم ودعوته لأبيه وقومه، وكيف كان لطيفا ولينا في دعوته له، ثم اعتزاله لأبيه وقومه وعوض الله له.
بداية قصة نبي الله إبراهيم
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)
العطف هنا على قول الله: (واذكر في الكتاب مريم) فبعد أن ذكر الله قصة مريم وولدها المسيح عيسى ابن مريم، وبين ضلال هؤلاء الذي ادعوا أنه إله،
أعقب ذلك بذكر قصة إبراهيم، فكما ضل النصارى وعبدوا معبودا حيا وهو المسيح، كذلك ضل العرب الذين كانوا ينتسبون لنبي الله إبراهيم وعبدوا معبودا من الجماد فهم في ضلالهم أشد من ضلال السابقين عليهم.
ونبي الله إبراهيم هو واحد من أولي العزم الذين شرفهم الله بأن جعل النبوة والرسالة في ذريته من بعده، فكان من ذريته جميع أنبياء بني إسرائيل، ومن ذريته إسماعيل الذي كان من نسله محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، من أجل ذلك لقب بأبي الأنبياء.
والمعنى: واذكر يا أيها النبي في القرآن الكريم قصة نبي الله إبراهيم لهؤلاء العرب الذين يدعون أنهم على ملته، وهم أبعد ما يكونون عن منهجه.
فإن إبراهيم جاء بالحنيفية السمحة، إنه كان صديقا ملازما للصدق ومبالغا فيه في كل أقواله وأفعاله، ونبيا مرسلا من عند الله فهو واحد من أولي العزم من الرسل.
دعوة إبراهيم لأبيه بعدم عبادة الأصنام
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢)
بدأ إبراهيم في دعوته لأبيه باللطف واللين ليقبل نصحه وإرشاده حيث خاطبه بقوله: يا أبت. ليحرك عاطفة الأبوة فيه ليستمع لقوله له ولينتفع بما يقوله إذا حكم عقله فيما يعبده، فقال له:
لماذا تعبد أصناما لا تسمع دعاء من يدعوها، ولا تبصر صلاة وخشوع من يصلي لأجلها، وإنما هي أحجار لا تستطيع أن تجلب نفعا لعابدها، ولا أن تدفع عن نفسها ضرا.
الدعوة لاتباع العلم النافع
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣)
كرر نبي الله إبراهيم دعوة أبيه بلطف ولين فلم يصف أباه بالجهل، وإن كان قد بلغ الغاية فيه حيث رضي أن يخضع نفسه لحجر لا ينفع ولا يضر.
ولم يصف نفسه بالعلم حتى لا يفهم أبوه منه أنه يتعالى عليه، وإنما أخبره بأنه قد جاءه من العلم الذي علمه الله له فهو نبي من أنبياء الله، ما لم يعلمه أبوه
فاتبع يا أبت طريق العلم الذي يحترم العقول التي وهبها الله للإنسان حتى تهتدي للطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه حتى يصل لمرضات الله.
النهي عن عبادة الشيطان
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)
كرر نبي الله إبراهيم نداءه لأبيه بقوله: يا أبت. ليرقق قلبه وليستمع لدعوته، فطلب من أبيه ألا يعبد الشيطان، ولم يقل لا تطع الشيطان؛ لأن مجرد الطاعة للشيطان في عصيان هي عبادة له.
وعلل هذا النهي عن عبادة الشيطان لأنه كان عاصيا للرحمن، وهو تذكير بعصيان إبليس لله بعدم السجود لآدم وتمرده على أوامر الله، ليثير الحمية في نفس أبيه، وليعلمه أن عداوة الشيطان له إنما هي منذ أن خلق الله أباه آدم.
التخويف من عذاب الله
يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥)
يا أبت إني أشفق عليك وأخاف إن لم تطع أمر الله وتترك عبادة ما سواه من الأصنام والشيطان أن يصيبك عذاب الله فتكون قرينا للشيطان في نار جهنم.
ومن هذا الحوار نجد أن نبي الله إبراهيم كان في غاية اللطف واللين عندما دعا أباه للحق فتدرج معه أحسن تدرج في الدعوة.
فقد لفت إبراهيم نظر أبيه أولا إلى أنه يعبد معبودا لا يشعر ولا يحس بشيء، والعاقل لا يخضع عقله ونفسه لمن لا يعقل.
فهذا إنما هو انحدار عن مستوى الإنسان، والإله لابد وأن يكون فوق الإنسان قدرة علما وحكمة،
ثم خاطبه بأدب فلم يصفه بالجهل ولم يصف نفسه بالعلم حتى لا يفهم أبوه أنه يتعالى عليه وإنما بين له أن معه شيئا من العلم ليس عند أبيه، يريد له أن ينتفع به.
ثم نهاه عن عبادة الشيطان الذي هو عدو لله ولبني آدم منذ أن خلق الله أباهم آدم.
ثم بين له عاقبة الخروج عن طاعة الله أن هذا سيئول به إلى نار جهنم.
رد والد نبي الله إبراهيم عليه
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)
بعد هذا النصح البليغ الذي نصح به نبي الله إبراهيم أباه لم تصادف هذه النصيحة أذنا واعية وإنما قابل والده تلك النصيحة بالتهديد والإنكار والتوبيخ وقال له:
أراغب أنت يا إبراهيم عن عبادة الآلهة التي أعبدها أنا وقومي، إذا لم تنته عن هذا سأرجمك بالحجارة وبالكلام القبيح وأغرب عن وجهي زمانا طويلا.
رد نبي الله إبراهيم على تهديد أبيه
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)
لم يكن رد نبي الله إبراهيم على فظاظة أبيه وعدم إعماله عقله بنفس تلك الفظاظة، وإنما قابله بلطف ولين حيث قال له: أما أنا فلا أسيء إليك كما أسأت إلي وإنما أطلب من الله لك السلامة، وألا ترى ما يؤذيك، وسأطلب من الله لك الهداية فإن ربي كثير اللطف بي مبالغا بالاعتناء بأمري.
اعتزال إبراهيم لأبيه وقومه
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨)
وأترككم وما تعبدونه من الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وأدعو ربي وحده، فهو وحده القادر على استجابة دعاء من دعاه.
وأرجو من الله ألا أكون شقيا بدعائي إياه، وهذا تعريض منه لهم بـنهم سيكونون أشقياء بدعاء من لا يستحق الدعاء.
عوض الله لإبراهيم
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩)
فلما ترك نبي الله موطنه وقومه واتجه لبلاد الشام ليتخذها موطنا وسكنا له، أبدله الله عن قومه الذين تركهم من أجل أن يحفظ دينه، وألا يضل في طريقه لله، أبناء أطهار كلهم أنبياء.
فرزقه الله بإسحاق والذي كان نبيا من الصالحين، وهو من زوجته “سارة”، ومن إسحاق يعقوب وهو نبي أيضا.
ومن قبل إسحاق نبي الله إسماعيل وهو من هاجر المصرية، فهو كان بكر إبراهيم.
الثناء الحسن على إبراهيم وأبنائه
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠)
ووهب الله لأبناء إبراهيم من رحمته فجعلهم أنبياء، وجعل لهم الثناء الحسن والذكر الجميل على لسان الأنبياء والصالحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
للاطلاع على المزيد:
- سورة مريم كاملة مكتوبة بالتشكيل
- سورة مريم نزولها وسبب تسميتها وموضوعاتها
- قصة مريم والمسيح عيسى ابن مريم من سورة مريم
- تابع قصة السيدة مريم ومواجهتها قومها بمولودها عيسى
- قصة نبي الله زكريا ويحيى عليهما السلام من خلال سورة مريم
- قصة موسى وإسماعيل وإدريس من سورة مريم
- حال المتقين والمجرمين في الآخرة، ومناقشة من يدعون لله ولدا
- تعرف على وصف الله لحال المؤمنين ومناقشة المنكرين للبعث
- تعرف على أوصاف أهل الضلال وعباد الرحمن في سورة مريم
- موضوعات الجزء السادس عشر في سورة الكهف ومريم وطه