تفسير

تعرف على وصف الله لحال المؤمنين ومناقشة المنكرين للبعث

تحدثت الآيات هنا من سورة مريم عن الذين خلفوا أنبيائهم من الكافرين والمؤمنين، وناقشت هؤلاء الذين ينكرون البعث بعد الموت.

إضاعة الصلاة واتباع الشهوات

✷ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩)

فجاء من بعد أنبياء الله الذين أرسلهم الله بالهدى والرشاد للناس والذين يمثلون القيم والمبادئ العليا،

قوم أشقياء أضاعوا الصلوات والفرائض التي فرضها الله عليهم واتبعوا طريق الشهوات وسلكوا طرق الباطل والغواية، فهؤلاء سوف يلقون في الآخرة خسارا وهلاكا، وقيل :  غي واد في جهنم تستعيذ جهم من حره.

وهناك فرق بين الخلْف بسكون اللام والخلَف بفتح اللام، فأما الخلف بالسكون فمعناه الولد الطالح الشرير، وأما الخلف بالفتح فهو الولد الصالح.

التوبة وعمل الصالحات

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (٦٠)

فهؤلاء الذين جاءوا من بعد الأنبياء وغيروا وبدلوا ما أمرهم الله به فإنهم سينالون العقاب على مخالفتهم لأوامر الله إلا هؤلاء الذي تابوا وأنابوا ورجعوا إلى ربهم وعملوا ما أمرهم الله به وانتهوا عما نهاهم الله عنه، فإن الله يقبل توبتهم ويشملهم برضوانه ويدخلهم جنته.

فالتوبة الصادقة تَجُبُّ ما قبلها، ولا تحجب التوبة عن الإنسان إلا إذا طلعت الشمس من مغربها أو عند الغرغرة حال خروج الروح.

قال الله : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

ولا يظلمون عند الله شيئا، فإن الحسنة عند الله بعشر أمثالها، وتضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله والسيئة بمثلها.

الإيمان بالغيب

جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١)

هذه الجنات التي يدخلها عباد الله المؤمنون هي جنات إقامة دائمة لا يتحولون عنها إلى غيرها.

تلك الجنات هي التي وعد الرحمن بها عباده المؤمنين وهم قد آمنوا بها بالغيب من غير أن يروها تصديقا بوعد الله فوعد الله حاصل لا محالة فالله لا يخلف وعده.

تحية أهل الجنة السلام

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)

وهذه الجنات التي وعدها الله عباده لا يسمعون فيها شيئا من فضول الكلام، ولا شيئا مما يؤذي أسماعهم، ولا شيئا يشوش عقولهم.

وإنما يسمعون فيها أحاديث الملائكة ويسمعون فيها السلام، ولهم في الجنة رزقهم وما تشتهيه أنفسهم دون كد ودون تعب.

الجنة ميراث الأتقياء

تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)

ذكر الله هنا صفات من يستحقون هذه الجنة وهم عباد الله الذي قدموا طاعتهم لله على كل شيء.

واتقوا كل شيء من شأنه أن يجلب سخط الله، وعبر الله عن استحقاقهم للجنة بالميراث لتشبيه استحقاقهم بالجنة كاستحقاق الوارث ما يرثه ممن مات من أقاربه الذي يرث منهم.

نزول الملائكة بأمر الله

وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)

هذا من كلام جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- يحكيه عنه القرآن الكريم، حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)

فنزلت الآية، أي لا ننزل إلى الدنيا، ولا نفعل أمرا من الأمور إلا بإذن الله، فمقاليد الأمور كلها بيد الله وحده.

فلا ننزل إلا تنفيذا لمشيئة الله، وما كان ربك لينسى شيئا من أمور العباد فإن السهو والنسيان عجز والعجز محال على الله.

الصبر على الطاعات

رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)

فالله سبحانه هو رب السماوات والأرضين وما فيهن من عوالم ومخلوقات، فإذا كان الله موصوفا بتلك العظمة فاعبده وحده أنت وأمتك ولا تشرك به أحدا واصطبر على تلك العبادة.

فإن هذه التكاليف التي فرضها الله على عباده تحتاج لشيء من المجاهدة والصبر على أدائها، فكما أننا نؤمر بالصبر عن المعصية كذلك نؤمر بالصبر على الطاعة حتى نستمر على أدئها وحتى نخرج من الدنيا على الإيمان بالله، والعمل بطاعته.

هأنت يا محمد تعلم أنه ليس هناك من يكون شريكا لله في خلقه ولا في ملكه، ومن كان كذلك وجبت عبادته والصبر على طاعته.

إنكار البعث

وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦)

ويقول الكافر الذي يستبعد البعث بعد الموت على وجه الإنكار والاستبعاد، أإذا مت وكنت ترابا هل يمكن أن أعود للحياة من جديد.

واقتران اللام بسوف تأكيد لهذا الإنكار، إن هؤلاء الكافرين يحاولون إنكار حقيقة البعث بعد الموت؛ لأنهم يدركون تماما أنهم لو عادت لهم الحياة مرة أخرى من أجل الحساب فلن يكون لهم عند الله خير لأنهم جحدوا بآيات الله وكفروا نعمه.

الرد على من ينكر البعث

أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)

رد الله على هؤلاء الذين ينكرون البعث بعد الموت أنهم لو تدبروا في أنفسهم لأدركوا أن أمر البعث ممكن جدا في حكم العقل؛ لأن من يقدر على الخلق من العدم يقدر بطريق الأولى على الإعادة بعد الموت.

فإن الإعادة في حكم العقل أيسر وأهون من إنشاء الخلق أول مرة، قال الله: (وَهُوَ ٱلَّذِي يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ ‌أَهۡوَنُ عَلَيۡهِۚ وَلَهُ ٱلۡمَثَلُ ٱلۡأَعۡلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ).

القسم ببعث العباد

فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)

أقسم الله بربوبيته أنه سيحشر هؤلاء الذين ينكرون البعث وغيرهم، وسيحشر معهم شياطينهم ثم يحضرهم الله للحساب والجزاء حول جهنم جالسين على ركبهم من شدة الخوف والفزع لا يقوون على القيام.

وذلك كما في قول الله: (وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ ‌جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).

وقد ذكر الله إنكار المشركين للبعث في آية أخرى وبين الله أنه وعد بالبعث بعد الموت والله لا يخلف وعده.

قال الله: (وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ ‌لَا ‌يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ)

يدخل النار الأشد فالأشد في الكفر

ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (٦٩)

ثم لنخرجن للعذاب من كل أمة أو جماعة من هم أشد كفرا وعصيانا وعتوا حتى ندخله جهنم أولا، فندخل جهنم الأشد كفرا ثم الذي يليه.

الله أعلم بمن هو أولى بالنار

ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (٧٠)

والله أعلم بمن هو أشد كفرا وفجورا ومن يستحق تضعيف العذاب فيبدأ الله بعذابه أولا، فيبدأ بعذاب رؤساء الكفر أولا حتى ينقطع الأمل في النجاة من النار عند من هو أقل شأنا.

الورود على النار

وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١)

وإن منكم من بر أو فاجر إلا وسيرد على النار، فأما المؤمن فيرد عليها للعبور، وأما الكافر فيرد عليها للاستقرار فيها، وهذا الورود كان قضاء لازما من الله.

نجاة المؤمنين عند الورود على النار

ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)

ثم ينجي الله المتقين من عباده بعد المرور على جهنم من الوقوع فيها، أما الظالمون فنتركهم في جهنم قعودا على الركب.

عن ‌أم مبشر قالت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عند حفصة: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها).

قالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها، فقالت حفصة: (وإن ‌منكم ‌إلا ‌واردها) فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد قال الله -عز وجل-: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا)[مسلم]

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة