تفسير

تفسير أول سورة الإسراء قصة الإسراء والمعراج

تحدثت الآية الأولى من سورة الإسراء المكونة من سطرين عن قصة الإسراء والمعراج، وكانت كل كلمة فيها لها مدلولها الذي تدل عليه والمعنى تشير إليه.

نص الآية الأولى من سورة الإسراء

قال الله تعالى في أول سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

ما معنى سبحان

بدأت الآية بقول الله: (سبحان) والتسبيح معناه التنزيه والتقديس والتمجيد لله.

وكأن هذه البداية تلقي في روع القارئ والسامع أن ما سيأتي بعد هذه الكلمة وإن كان عجيبا فإن هذا العجيب يزول عندما نربط هذا بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

الليل محل الخشوع

قال الله: (أسرى بعبده ليلا)، الإسراء هو السير ليلا، وأكد الله ذلك بذكر الليل صراحة.

وهذا يفيد أن الليل هو محل الخشوع والخضوع، وأن من أراد زيادة في الخشوع فعليه بالليل، فهو محل الرحمات والبركات، قال الله تعالى: (إِنَّ ‌نَاشِئَةَ ‌اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).

الإسراء من فعل الله

معجزة الإسراء والمعراج لم تكن من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يدع رسول الله ذلك، وإنما كانت من فعل الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا واضح من قول الله: (أسرى بعبده).

وعندما ينسب الفعل لله ينبغي أن يزول العجب؛ لأن الله لا يعجزه شيء، وقادر على كل شيء، قال الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ ‌لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا).

الإسراء والمعراج بالروح الجسد

مما يؤكد على أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد معا قول الله: (بعبده)؛ لأن لفظة العبد تطلق على الروح والجسد معا.

ويؤكد ذلك أيضا إنكار المشركين وتعجبهم من هذا الأمر عندما أخبرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما رأى.

ولو كانت هذه الرحلة مناما لما كان هناك ما يستدعي العجب؛ لأن المنامات خارجة عن حدود الأسباب.

لقد طلب المشركون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخبرهم عن بعض علامات المسجد الأقصى؛ ليتأكدوا من صدقه فيما يقول، فأظهره الله لنبيه وكأنه شريط مصور ينظر فيه ويخبرهم بما رأى، وتلك معجزة اخرى تضاف لمعجزة الإسراء والمعراج.

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لما كذبني قريش، قمت في الحجر، ‌فجلى ‌الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه) [البخاري]

شرف العبودية لله

في هذه الآية نلحظ أن الله عندما تكلم عن معجزة الإسراء والمعراج التي من أهم المعجزات، نجد أن الله وصف نبيه بوصف العبودية.

وعندما تكلم الله عن أعظم المعجزات وهي معجزة القرآن الكريم، وصف الله نبيه بوصف العبودية فقال الله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ‌أَنْزَلَ ‌عَلَى ‌عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا).

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن أشرف وصف يوصف به الإنسان هو وصف العبودية الخالصة لله.

وهذا أيضا نتعلم منه ألا نغالي في وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- فنرفعه فوق منزلته التي جعلها الله.

ولئلا نضل كما ضل غيرنا ممن وصفوا أنبياءهم بوصف الألوهية كما فعل النصارى بعيسى ابن مريم.

وهذا هو ما حذرنا رسول الله منه، فعن عمر -رضي الله عنه- قال على المنبر: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (‌لا ‌تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله)[البخاري]

مبدأ رحلة الإسراء ونهايتها

من الآية التي معنا نجد أن الله بين أن بداية هذه الرحلة كانت من البيت الحرام، ونهايتها كانت عند المسجد الأقصى.

رسالة الإسلام شاملة لكل الرسالات

ورمزية بداية الرحلة من المسجد الحرام ونهايتها عند المسجد الأقصى تشير إلى أن رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة الجامعة لكل رسالات الأنبياء السابقين.

وأن الخروج عن الإسلام هو خروج عن دين الله، وخروج عن رسالات الأنبياء، قال الله تعالى: (إِنَّ ‌الدِّينَ ‌عِنْدَ ‌اللَّهِ الْإِسْلَامُ).

البركات حول المسجد الأقصى

قال الله عن المسجد الأقصى: (الذي باركنا حوله)، والبركة حول المسجد الأقصى تشمل البركات الدينية والدنيوية.

فالبركات الدينية تشير إلى أن هذا الموضع كان عامرا بالأنبياء فكان فيه إبراهيم ونشأ فيه إسحاق ويعقوب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، وغيرهم.

والبركات الدنيوية هي ما جعله الله حول هذا البيت من الأنهار والزروع والثمار.

رحلة المعراج

أشارت الآية إلى رحلة المعراج في قول الله: (لنريه من آياتنا)، فالآيات التي رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كانت في رحلة المعراج.

ورحلة المعراج كانت من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى إلى سدرة المنتهى، ويوضح ذلك قول الله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ ‌رَبِّهِ ‌الْكُبْرَى).

ومن في قول الله: (لنريه من آياتنا) هي للتبعيض بمعنى أن ما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما هو بعض من آيات قدرة الله وليس كل الآيات.

الله سميع بصير

ختم الله الآية بقوله: (إنه هو السميع البصير) ليشير إلى أن ما يتعرض له نبيه -صلى الله عليه وسلم- من الأذى ليس بمنأى عن سمع الله وبصره.

فالله سميع لدعاء نبيه، وبصير بأفعال الكفار معه، حيث آذاه أهل الطائف ولم يقبلوا دعوته، ومنعه أهل مكة من دخولها ولم يستطع رسول الله دخولها إلا في جوار رجل من المشركين وهو المطعم بن عدي.

وكأن الله بهذا الختام الذي ختم به الآية يعلل سبب هذه الرحلة والمعجزة التي أحدثها لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فإن كان تعرض للجفاء من أهل الأرض فإنه مكرم معظم عند أهل السماء.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة