وجوب قول الحق في الشهادة وإثم كاتمها
الشهادة هي الخبر القاطع والحضور والمعاينة، ومعناه الإخبار بحق للغير على النفس أو الإخبار بحق للغير على الغير.
الدليل على وجوب الشهادة من القرآن
قال الله: (وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ)، وهذا خطاب من الله لعباده المؤمنين بألا يكتموا الشهادة التي علموها إذا طلبوا لها، ومن يكتم الشهادة بالحق فإنه آثم قلبه.
وأمر الله باستشهاد ذوي العدالة فقال: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، وقال الله: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء).
دليل مشروعية الشهادة من السنة
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أخبركم بخير الشهداء! الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)[مسلم]
وهذا الحديث يبين مشروعية الشهادة والثناء على المبادر بها قبل أن تطلب منه.
حكم شهادة الزور
شهادة الزور من كبار الذنوب؛ لأن شاهد الزور يزيل الحق ويثبت مكانه الباطل، والزور هو الكذب والباطل.
ومعناه عند الفقهاء: الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال.
دليل حرمة شهادة الزور
أمر الله عباده المؤمنين باجتناب شهادة الزور فقال: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)
عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر).
قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين -وكان متكئا فجلس- فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور). فما زال يقولها، حتى قلت: لا يسكت.[البخاري]
توبة شاهد الزور
إذا تاب شاهد الزور قبلت شهادته فمن تاب تاب الله عليه، قال الله: (إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب، كمن لا ذنب له)[ابن ماجه]
والمدة التي تظهر فيها توبته ذهب بعض الفقهاء إلى أنها سنة؛ لأنه لا تظهر صحة توبته في مدة قريبة، وذهب آخرون إلى أن هذه المدة التي تظهر فيها صحة توبته ستة أشهر.
القضاء بالشاهد
يكفي في القضاء ليقع حكمه أن يكون هناك شاهد ويمين، فعن ابن عباس (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بيمين وشاهد)[مسلم]
أركان الشهادة
للشهادة أركان خمسة وهي: شاهد ومشهود له، ومشهود عليه ومشهود به، والصيغة.
شروط الشهادة
هناك شروط يجب توافرها في الشاهد وقت التحمل أي وقت رؤيته ومعاينته للشيء المشهود عليه.
وهناك شروط تشترط في الشاهد وقت الأداء أي وقت الإدلاء بالشهادة، فأما ما يشترط فيمن يتحمل الشهادة عدة أمور:
1 – أن يكون عاقلا وقت تحمل الشهادة لأن المجنون لا يعقل شيئا ولا يستطيع أن يضبط أو يستوعب ما يشاهده.
2 – أن يكون بصيرا فيما يحتاج لرؤية ومشاهدة أما إذا كان الأمر لا يستدعي إلا السماع فيكفيه إذا تيقن الصوت وقطع بأنه صوت فلان من الناس.
3 – أن تكون شهادته عن علم ومعاينة للشيء المشهود به بنفسه.
4 – لا يشترط في الشاهد البلوغ والحرية والإسلام والعدالة وقت التحمل، لكن يجب أن يكون بالغا وعاقلا وعدلا ومسلما وقت أداء الشهادة.
شروط الشاهد وقت الأداء
يشترط في الشاهد في أداء الشهادة عدة أمور منها :
1 – البلوغ، فلا تقبل الشهادة من الصبي لأن الله أمر باستشهاد الرجال أي البالغين فقال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)
والصبي ليس من الرجال لأنه مرفوع عنه القلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاث:
عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق)[النسائي]
2 – العقل فلا تصح الشهادة من المجنون لأنه فقد الآلة التي يضبط ويعقل بها الأمور.
3 – الحرية فلا تقبل شهادة العبد عند الجمهور.
4 – البصر فلا تصح شهادة الأعمى عند الحنفية مطلقا، لكن عند الشافعية لا تصح في الأفعال التي تحتاج للنظر لكن تصح في المسموعات.
5 – الإسلام فلا تصح شهادة الكافر لأنه ليس من أهل العدالة والشاهد يشترط فيه العدالة لقول الله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم). والكافر ليس من أهل العدل.
6 – النطق فلا تصح شهادة الأخرس عند الجمهور
7 – العدالة فلا تقبل شهادة الفاسق، والعدالة عرفها المالكية بالمحافظة الدينية على اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر وأداء الأمانة وحسن المعاملة وأن يكون صلاحه أكثر من فساده وهي شرط وجوب القبول.
الإشهاد على العقود
بعض العقود الشرعية يجب الإشهاد عليها بأن نطلب حضور الشهود لمثل هذه العقود، مثل عقد النكاح.
فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الإشهاد على عقد النكاح، وذهب البعض إلى وجوب الإشهاد على عقود البيع؛
لقول الله: (وأشهدوا إذا تبايعتم) لكن ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر بالإشهاد هنا للندب وليس للوجوب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع في بعض الأحيان دون أن يشهد وباع أيضا في أحيان أخرى وأشهد.