الفقه

أحكام المولود في الإسلام

لا شك أن الأولاد هبة من الله تعالى، يمنحهم من يشاء، ويحجبهم عمن يشاء، ويسلبهم ممن يشاء، فهم عطية الله وفضله، يتفضل بهم على عباده،

الأولاد هبة من الله

قال الله تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ‌يَهَبُ ‌لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا ‌وَيَهَبُ ‌لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49-50].

جاء في التفسير الميسر (1/ 488): لله سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض وما فيهما، يخلق ما يشاء من الخلق، يهب لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن، ويهب لمن يشاء الذكور لا إناث معهم، ويعطي سبحانه وتعالى لمن يشاء من الناس الذكر والأنثى، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له، إنه عليم بما يخلق، قدير على خلق ما يشاء، لا يعجزه شيء أراد خلقه.

بشارة الأنبياء بنعمة الولد

بشر سبحانه وتعالى بعض أنبيائه بقدوم أبنائهم، بأن أرسل وفدا من الملائكة لتتم بهم البشارة، وهو غاية التكريم والتعظيم؛

قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 39]،

وقال تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم: 7]، وقال تعالى: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [الذاريات: 28].

المولود يولد على الفطرة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ) (رواه البخاري ومسلم).

خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، على الفطرة النقية، فما من مولود من بني آدم إلا يولد على الفطرة الإسلامية، فلو ترك المولود على ما فطر عليه لاستمر على طهره، ولم يختر غير الإسلام؛ فهو يولد متهيئا للإسلام،

ويأتي بعد ذلك دور الأبوين والبيئة التي ينشأ فيها؛ فالأبوان قد يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهوديا، أو يعلمانه النصرانية ويجعلانه نصرانيا، أو يعلمانه المجوسية ويجعلانه مجوسيا يعبد النار من دون الله، أو لكونه تبعا لهما في الدين يكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم، وإلا مات كافرا.

التهنئة بالمولود

يستحب بشارة من ولد له ولد وتهنئته: قال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات: 101]، وقال رجل عند الحسن لآخر: ليهنك الفارس فقال الحسن: (لَعَلَّهُ لَا يَكُونُ فَارِسًا لَعَلَّهُ يَكُونُ ‌بَقَّالًا ‌أَوْ ‌جَمَّالًا، وَلَكِنْ قُلْ: شَكَرْتَ الْوَاهِبَ وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْتَ بِرَّهُ) [النفقة على العيال لابن أبي الدنيا]،

(وَكَانَ أَيُّوبُ إِذَا هَنَّأَ بِمَوْلُودٍ قَالَ:  ‌جَعَلَهُ ‌اللَّهُ ‌مُبَارَكًا ‌عَلَيْكَ، ‌وَعَلَى ‌أُمَّةِ ‌مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [النفقة على العيال لابن أبي الدنيا].

ولما كان الترابط الاجتماعي مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية، فإنه حث المسلم على مبادرة أخيه بالبشارة؛ إدخالا للسرور عليه، والتهنئة والدعاء بالخير من قبيل التعاون في الخير، ولها أثر في نبذ الحقد والكراهية من النفوس.

والتهنئة لا تقتصر على نوع دون آخر، بل الأمر يعم الذكر والأنثى؛ قال تعالى: ﴿ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور [الشورى: 49]،

خلافا لما كان عليه العرب في جاهليتهم من التهنئة بالأنثى دون الذكر بقولهم: بالرفاء والبنين، أما ما يحدث في بعض المجتمعات من التفاؤل بجنس على حساب الآخر فهو من أمور الجاهلية قد محاها الإسلام.

الأذان في أذن المولود اليمنى

من السنة أن يؤذن في أذن المولود لحديث أبي رافع رضي الله عنه قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح)،

وهذا الحديث صححه بعض العلماء وعمل به البعض، أنه يؤذن في أذن المولود اليمنى، أما الإقامة في الأذن اليسرى فالأحاديث الواردة فيه شديدة الضعف، أو موضوعة.

تحنيك المولود والدعاء له

روت عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ) [رواه مسلم].

إن قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر، بعد أن يأخذ التمرة في فيه، ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف، فيه حكمة بالغة، فالتمر يحتوي على الجلوكوز  بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي “السكروز” إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، و بالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.

وبما أن معظم المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة.

إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة، وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه، وتعرف مخاطر نقص الجلوكوز  في دم المولود.

وإن المولود، وخاصة إذا كان خداجا (المبتسرين)، يحتاج دون ريب بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولا سكريا، وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.

إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقا مهمة جدا في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج “المبتسرين” من أمراض خطيرة جدا؛ بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم،

وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات، كما أنها توضح إعجازا طبيا لم يكن معروفا في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في الأزمنة التي تلته حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين. [دكتور: محمد علي البار- مجلة الإعجاز العلمي – العدد الرابع].

العقيقة عن المولود

العقيقة هي: الذبيحة التي تذبح للمولود، وهي سنة مؤكدة، عن سمرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى) (رواه أصحاب السنن).

العقيقة عن الولد والبنت

ويذبح عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) (رواه أبو داود).

وقت ذبح العقيقة

ويسن أن تذبح يوم السابع للولادة، فإن لم يكن، ففي الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين.

فإن لم يتمكن في هذه الأوقات؛ لضيق الحال، أو غير ذلك، فله أن يعق بعد ذلك، إذا تيسرت حاله، من غير تحديد بزمن معين.

من يعق عن المولود

والذي تطلب منه العقيقة هو: من تلزمه نفقة المولود، فيؤديها من مال نفسه، لا من مال المولود.

وإذا بلغ الشخص، ولم يعق عنه، عق عن نفسه.

والمطالب بالعقيقة هو الأب، إلا إن تعذر، بموت، أو امتناع، فإن فعلها غير الأب، لم تكره.

ما الذي يشترط في العقيقة؟

ولا يجزئ فيها إلا ما يجزئ في الأضحية، فلا يجزى فيها عوراء، ولا عرجاء، ولا جرباء، ولا مكسورة، ولا ناقصة، ولا يجز صوفها، ولا يباع جلدها، ولا شيء من لحمها، ويأكل منها، ويتصدق، ويهدي، فسبيلها في جميع الوجوه سبيل الأضحية.

ولا حرج في كسر عظمها، فمن الناس من يقول إنه لا يكسر؛ تفاؤلا بسلامة الصبي؛ وهذا لا أصل له في كتاب، ولا سنة صحيحة، فالحديث الوارد في ذلك لا يحتج به.

والسن المجزئ في الأضحية، والعقيقة، إذا كانت من الإبل؛ أن تكون لها خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة، ومن الضأن ما له ستة أشهر، لا يجوز أن يكون سنها أقل مما ذكر.

الأفضل في توزيع العقيقة

ويستحب طبخ العقيقة كلها؛ حتى ما يتصدق به، وإن فرقها دون طبخ، جاز ذلك.

حلق رأس المولود

يستحب حلق رأس المولود في اليوم السابع ويتصدق بوزنه فضة، وعن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها:

(يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعَرِهِ فِضَّةً) [رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني].

تسمية المولود

عن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ ، وَيُسَمَّى) [رواه أصحاب السنن]، فيستحب التسمية في اليوم السابع.

وتجوز في اليوم الأول أو الثالث إلى اليوم السابع، وعلى الوالد أن يحسن اسم مولوده، وقد جاءت السنة باستحباب بعض الأسماء مثل: عبد الله، وعبد الرحمن، والتسمية بأسماء الأنبياء والصالحين.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة