عقاب سب المؤمنات العفيفات الطاهرات
تحدثت الآيات من سورة النور في معرض الحديث عن حادثة الإفك وبينت عقاب الذين يرمون المحصنات العفيفات بالزنى.
عقاب رمي المحصنات
قال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣)
هدد الله هؤلاء الذين يرسلون القول إرسالا ويخوضون في أعراض المؤمنين العفيفات الطاهرات اللاتي عرفن بالعفة والطهارة ولم يرد على خاطرهن ذكر الفواحش، فهن غافلات عنها، فهي تعيش على فطرتها النقية.
قال الزمخشري في تفسير معنى الغافلات: الغافلات السليمات الصدور التقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء، ولا مكر، لأنهن لَا يعرفن الأمور ولم يرزن الأحوال فلا يفطنَّ لما تفطن له المجربات العارفات.
ثم وصفهن الله بالمؤمنات فكأنهن يجملن هذه الصفات بالإيمان مما يزيدهن عفة وطهارة، فمن يتعرضون لمن هذا وصفهن إنما جزاؤهم الطرد في الدنيا فلا يكون لهم ذكر طيب في الدنيا على ألسنة الناس ولا تكون لهم كرامة
وطردوا في الأخرة من رحمة الله فلا ينظر الله إليهم ولا يكلمهم وينتظرهم عذاب عظيم وهو عذاب جهنم.
شهادة الجوارح
قال الله: (يَوۡمَ تَشۡهَدُ عَلَيۡهِمۡ أَلۡسِنَتُهُمۡ وَأَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٢٤)
إن من صور العذاب العظيم الذي أعده الله لهؤلاء الذين يخوضون في أعراض العفيفات الطاهرات أنهم لن يستطيعوا أن يخفوا شيئا من خفاياهم ولا من أحاديثهم التي كانت يسرون بها في الدنيا؛
لأن كل جوارحهم ستشهد عليهم فتشهد الألسنة بما قالوه، وتشهد الأجل بما سعوا فيه من باطل.
قال الزمخشري : ” لو فلَّيت القرآن كله وفتشت عما أوعد به العصاة لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة -رضوان الله تعالى عليها-،
ولا أنزل آية من الآيات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك واستفظاع ما أقدم عليه ما أنزل فيه عن طرق مختلفة وأساليب مفتنة كل واحد منها كافٍ في بابه،
ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة،
وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله.
الجزاء الحق
قال الله: (يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ ٢٥)
في يوم القيامة وبعد أن تشهد الجوارح على الإنسان بما كان منه في الدنيا يكون الجزاء الحق على ما فعلوه من أقوال ظالمة ومن أفعال باطلة.
وفي هذا اليوم يعلمون أن ما عملوه كان باطلا وأن الله هو الحق الذي لا يعبد سواه، وهو المبين أي المظهر لما أبطنته النفوس وخباته الضمائر.
ختام آيات الإفك
قال الله: (ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ)
ختم الله الآيات التي تحدثت عن حادثة الإفك التي رميت بها عائشة -رضي الله عنها- بهذا التقرير الإلهي بأن كل شيء منجذب لشبيهه،
وأن الأراوح تتآلف لما يماثلها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف)البخاري
فالخبيثات من النساء تألف وتميل إلى الخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال لا يميلون إلا إلى الخبيثات من النساء.
والطيبات من النساء يميلون للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال يميلون للطيبات من النساء.
وهكذا الطيور على أشكالها تقع، وكل شكل من الناس يألف ما يشابهه، وإذا كان رسول الله أطيب الطيبين بل هو رأس الطيبين فلا يمكن إلا أن تكون زوجاته أطيب الطيبات وعلى رأسهن أحب زوجاته إليه وابنة أحب الرجال إليه.
شهادة البراءة لعائشة
قال الله: (أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٢٦)
هذه شهادة من الله صريحة وواضحة على براءة عائشة -رضي الله عنها- مما رماها به المنافقون من الإفك والزور والبهتان.
فالطيبون والطيبات وعلى رأسهم رسول الله وأهل بيته مبرؤون مما رماهم به المنافقون، لهم من الله المغفرة العظيمة، ولهم الرزق الكريم وهو جنة عرضها السماوات والأرض جزاء إيمانهم وصبرهم.
يستفاد من آيات حادثة الإفك
1 – غيرة الله لعرض نبيه -صلى الله عليه وسلم- عندما رماها المنافقون بالإفك والبهتان.
2 – رد الله لكيد المنافقون حيث رد عليهم وبين زور قولهم وافترائهم على العفيفات الطاهرات.
3 – إنزال الله البراءة لآل بيت النبي مما رماها به المنافقون صيانة لحرمة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
4 – تسلية الله لعباده المؤمنين الذين أصابهم هم وغم بسبب ما نزل بآل بيت نبيهم عندما رددت الأسنة هذا الحديث مدة شهر وانتشر في جنبات المدينة قرابة شهر فأحق الله الحق وأبطل الباطل.
5 – بيان الله لعباده أن الخير قد يكمن في الشر الذي يتعرض له الإنسان، وقد كانت هذه المحنة التي ظاهرها الشر يكمن فيها الخير حيث أظهرت مكانة عائشة وطهارتها في آيات تتلى إلى يوم القيامة.
6 – ذكر الزمخشري من مظاهر تسلية الله للمؤمنين: هو تعظيم لشأن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتسلية له.
وتنزيه لأم المؤمنين- رضوان الله عليها- وتطهير لأهل البيت، وتهويل لمن تكلم في ذلك، أو سمع به فلم تمجه أذناه، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها.
7 – الإشارة إلى أن أنفع الأساليب لمحاربة الشائعات هو أن يظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا.
8 – بيان جانب من مظاهر رحمة الله بعباده بأنه لم ينزل بهم العذاب على ما قالوه وما ظنوه من سوء وإنما أمهلهم ليتوب من يتوب وليطهر من ذنبه بالحد من يطهر.
9 – التحذير للمؤمنين من الوقوع في هذا الذنب مرة أخرى.
10 – تكريم عائشة -رضي الله عنها- بهذا التكريم والتشريف بإنزال البراءة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض وهذا تكريم يظل ملازما لها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها طالما بقي القرآن.
ما ورد في محبة النبي لعائشة
ورد في فضل عائشة ما يدل على أنها كانت أحب الزوجات لقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن أباها كان أحب الرجال لقلب النبي.
فعن عمرو بن العاص أنه، قال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: (عائشة). قال: من الرجال؟ قال: (أبوها)[الترمذي]
وعن عائشة قالت: (أول ما اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها وأذن له).
قالت: فخرج ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر وهو يخط برجليه في الأرض.[مسلم]