تابع قصة موسى والخضر من خلال سورة الكهف من آية 65 إلى 82

ذكرت الآيات هنا من سورة الكهف مقابلة نبي الله موسى للخضر وما كان من الحوادث الثلاث وعدم صبر موسى على ما رأى وكيف فسر الخضر لموسى ما رأى مما لم يصبر عليه.

لقاء موسى بالخضر

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)

فوجد موسى وفتاه عند الصخرة التي كانت عند مجمع البحرين عبدا صالحا من عباد الله، وتنكير لفظة العبد يفيد التعظيم، والإضافة في “عبادنا” تفيد التشريف.

أعطاه الله نعما عظيمة من عنده، منها علم الغيوب، واختصه بعلوم من عند الله وحده يهبها الله لمن يشاء من عباده.

وقيل: إن العلم الذي كان عند الخضر يسمى بعلم اللدني؛ وسمي بذلك لأنه من لدن الله، وهذا العلم يكون ثمرة الإخلاص والتقوى.

طلب موسى التعلم من الخضر

قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)

لما رأى موسى العبد الصالح سأله الصحبة بشرط أن يعلمه مما علمه الله، وهو خطاب رقيق فيه ملاطفة من نبي الله موسى، وهو أمر ينبغي أن يكون عليه المتعلم مع معلمه.

اعتذار الخضر لموسى

قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧)

قال الخضر لموسى -عليهما السلام- وأنى لك الصبر على ما تراه؛ لأن ما أعمله إنما هو من الغيوب التي يدق إدراك الحكمة من ورائها، فربما تندفع ولا تستطيع صبرا على ذلك.

عذر الخضر لموسى

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨)

وكيف تصبر على مصاحبتي وأنت ترى مني أمورا عجيبة تخالف شريعتك التي أرسلك الله بها في ظاهر أمرها، لكن لها أسرارا وأمورا باطنة توافق شريعتك، لكنك لا تحيط بها علما، ولن تستطيع السكوت عليها.

اشتراط موسى على نفسه الصبر

قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)

قال نبي الله موسى للخضر ستجدني صابرا مطيعا لأمرك لا أعترض على شيء مما تأمرني، وهنا قدم موسى -عليه السلام- المشيئة بقوله: “إن شاء الله” تأدبا مع الله، واستعانة به، فهو الذي يعينه على الصبر وعدم المخالفة.

اشتراط الخضر على موسى

قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠)

اشترط الخضر على موسى -عليهما السلام- من باب التوثيق، والاتفاق قبل البدء إذا أراد مصاحبته ألا يسأله عن أمر من الأمور العجيبة التي يراها تصدر منه،

والتي ربما يراها منكرة مخالفة للحق في ظاهر أمرها وكأنه يقول له: لا تعترض علي ولا تناقشني فيها حتى أبين لك حقيقتها في الوقت المناسب للبيان.

الحادث الأول هو خرق السفينة

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١)

كان الحادث الأول الذي رآه موسى من الخضر عندما انطلقا على ساحل أن وجدا سفينة، فحملهم أهلها وكانوا يعرفون الخضر.

فلما استقروا في السفينة ما كان من الخضر إلا أن قلع لوحا من ألواحها، فلما رأى نبي الله موسى ما رأى لم يستطع أن يتمالك نفسه فاعترض على فعل الخضر وقال:

أهذا هو جزاء إحسان الناس لنا، يحملونا معهم في سفينتهم دون مقابل، ثم تخرق سفينتهم لتغرق أهلها في البحر بتلك الصورة الشنيعة المؤلمة، لقد ارتكبت شيئا شنيعا.

معاتبة الخضر لموسى

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢)

لما اعترض موسى على الخضر؛ لأنه خرق السفينة قال الخضر له في لطف ولين حيث ذكره بما قاله له في أول لقائه:

ألم أقل لن تستطيع صبرا على مصاحبتي؛ لأنك سترى أمورا غريبة في ظاهرها، لكنها موافقة للحق في باطنها؛ لأنها من علم الغيوب.

اعتذار موسى للخضر

قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣)

تذكر موسى ما قاله له الخضر في أول اللقاء، وطلب منه أن يسامحه على تسرعه في الحكم على فعله، وألا يضيق عليه في الأمر؛ لأن هذا يحول بينه وبين الانتفاع منه.

وهنا نجد أن موسى -عليه السلام- قد اعتزم الصبر مع الخضر، والاستجابة لشروطه عند الكلام النظري، لكن عند الدرس العملي ورؤيته لما هو منكر في ظاهره لم يتمالك نفسه، وإنما اندفع مستنكرا على الخضر فعله.

وهذا يشبه فعل آدم -عليه السلام- حيث حذره الله من الشيطان وبين عداوته له، وعزم آدم على عدم الانصياع والاستجابة للشيطان، لكن عند الدرس العملي وقع آدم في إغواء الشيطان، وهذا يبين لنا الفارق ما بين الكلام والنظري والواقع العملي الذي يتعرض له الإنسان.

الحادث الثاني وهو قتل الغلام

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤)

فانطلق موسى والخضر بعد نزولهما من السفينة حتى مرا على صبيان يلعبون وإذا فيهم صبي وضيء فأخذه الخضر فاقتلع رأسه فقتله.

وهنا اعترض موسى على فعله ولم يكن ناسيا وإنما كان متذكرا لشرط الخضر معه، لكنه لم يستطع السكوت على قتل النفس البريئة التي لا تستحق القتل، والتي لم تفعل ما يوجب قتلها.

لذلك وصف هذا الفعل بالمنكر لقد جئت شيئا أشد في فظاعته من الأمر الأول.

معاتبة الخضر لموسى بشدة

✷ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥)

هنا يذّكر الخضر موسى -عليهما السلام- بالشرط الذي اشترطه عليه، واحتد فيه هذه المرة عن المرة الأولى حيث وجه الخطاب له في كاف الخطاب فقال: (ألم أقل لك إنك).

بينما في المرة الأولى لم يذكر كاف الخطاب فقال: (ألم أقل إنك) وذلك زيادة في التحديد والتذكير .

طلب موسى فرصة أخيرة

قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦)

وهنا يراجع نبي الله موسى نفسه مرة أخرى، ويتذكر شرط الخضر لأجل مصاحبته، فيبادر موسى إلى طلبه منه أن يعطيه فرصة أخيرة، فإن يصبر ولم يوف بما شرطه عليه فلا حرج عليه ألا يصاحبه فقال له: (فلا تصاحبني). فلا تجعلني لك صاحبا، فأنت بذلك تكون معذورا في عدم مصاحبتك لي.

الحادث الثالث بناء الجدار

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧)

فانطلق موسى والخضر يسيران حتى أتيا أهل قرية يقال: هي أنطاقية، وقيل: قرية من قرى الروم، وكان أهل هذه القرية لئاما لا يطعمون جائعا ولا يستضيفون ضيفا.

فنظر الخضر فوجد في القرية جدارا يوشك أن يقع فهدمه وبناه من جديد، وروي أنه مسحه فعاد كما كان، فتعجب موسى من صنيع الخضر هذا وقال له: لو طلبت منهم أجرا على بناء هذا الجدار نستعين به على شراء طعام لنا لكان أولى.

مفارقة الخضر لموسى

قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨)

لما اعترض موسى على صنيع الخضر، وكان موسى قد شرط على نفسه أنه إذا اعترض عليه في المرة الثالثة فله العذر في عدم مصاحبته له.

قال له الخضر: هذا هو وقت الفراق بيني وبينك، وسأخبرك بتفصيل المسائل الثلاث التي أنكرت فيها علي، ولم تستطع الصبر حتى أخبرك عن حكمتها في وقتها المناسب لها.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وددنا أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما) قال سفيان: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ الله موسى، لو كان صبر لقص علينا من أمرهما)البخاري

تفسير موقف خرق السفينة

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)

فصل الخضر لموسى الحوادث الثلاث وقال له: أما خرق السفينة الذي أنكرته علي، وظننت أني أردت بهذا الفعل أن أغرق أهلها.

إنما كان سببه أن السفينة كانت لأناس مساكين يعلمون في البحر، ينقلون الناس بسفينتهم، ويأخذون الأجر على ذلك،

وكان أمامهم ملك ظالم يأخذ كل سفينة صالحة غصبا من أصحابها، فأردت بهذا الخرق الذي أحدثته فيها أن أجعلها معيبة حتى لا يأخذها الملك الظالم منهم فأحدثت فيها ضررا ليتجنبوا ضررا أكبر.

تفسير موقف قتل الغلام

وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠)

وأما الغلام الذي قتلته واعترضت على قتله، ووصفت هذا الفعل بأنه منكر عظيم، فقد أعلمني الله أنه طبع هذا الغلام على الكفر، فخشينا إن بقي حيا أن يحمل والديه على الكفر؛ لأنهما كانا يجتهدان في إرضائه وكانا شديدا المحبة له.

فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)

فأردنا بقتله أن يبدلهما ربهما خيرا منه طهرا وصلاحا وقربا من الله، وأقرب في الرحمة بوالديه والعطف عليهما.

تفسير موقف بناء الجدار

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٨٢)

ثم فسر الخضر لموسى الحادث الثالث فقال له: أما الجدار المائل الذي كاد أن يقع، فكان لغلامين يتيمين في المدينة.

وكان تحت هذا الجدار كنز من ذهب وفضة، فلو وقع الجدار وهما لا يزالان صغيران لما أحسنا التصرف فيه، فأراد ربك أن يستخرجا كنزهما بعد أن يبلغا مبلغ الرجال حتى يحسنا التصرف فيه.

وسبب تلك الرحمة أن أباهما كان صالحا، وما أراده الله لهذين الغلامين كان رحمة من ربك بهما، وما فعلته من تلك الأحداث التي رأيتها يا موسى ليس من عندي ولا برأيي، وإنما فعلت ذلك بأمر من ربي.

وهذا الذي ذكرته لك من تأويل تلك الأحداث هو الذي لم تستطع عليه صبرا ولم تطق السكوت عليه.

لطائف من قصة موسى والخضر

وفي قول الخضر عند الكلام عن السفينة: (فأردت أن أعيبها). وعند الكلام على الجدار: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما).

نجد أن الخضر نسب الشر لنفسه، والخير لربه، مع أن الكل من عند الله، وهذا فيه نوع من تعليم الأدب مع الله، بأن ينسب الإنسان الشر لنفسه والخير لربه.

كما في سورة الجن حيث قال الله في الجن حكاية عن الجن: (وَأَنَّا لَا نَدْرِي ‌أَشَرٌّ ‌أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) فذكروا الشر بالمبني للمجهول، ونسب الرشد لله.

كرامات الأولياء

ذكر القرطبي في تفسيره: “فقال موسى للخضر: (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) أي طعاما نأكله، ففي هذا دليل على ‌كرامات الأولياء.

وكذلك ما وصف من أحوال الخضر -عليه السلام- في هذا الباب كلها أمور خارقة للعادة، هذا إذا تنزلنا على أنه ولي لا نبي.

وقول تعالى: (وما فعلته عن أمري) يدل علي نبوته وأنه يوحى إليه بالتكليف والأحكام، كما أوحي للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- غير أنه ليس برسول، والله أعلم

للاطلاع على المزيد:

Exit mobile version