تعرف على أحكام القضاء وآدابه في الإسلام
القضاء هو فصل الخصومات بين الناس وقطع المنازعات التي تنشأ بينهم، ويكون ذلك بالحكم الشرعي الذي وضعه الله للعباد.
مشروعية القضاء
القضاء بين الناس بإعطاء الحق لصاحبه من خلال ما وضعه الله للناس من أحكام مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).
وخاطب الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار،
وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة)[الترمذي]
وهذا الحديث يبين فضيلة القاضي الذي يحكم بما أمر الله به، فأما القاضي الذي يقضي بغير الحق والذي يقضي بغير علم فهذان قد أهلكا أنفسهما بهذا القضاء حتى كانا من أهل النار.
حكم القضاء
القضاء فرض كفاية إذا قام به أحد الصالحين له العارفين بأحكامه رفع الإثم عن الباقين، أما إذا امتنع جميع الصالحين عن القيام به حملوا جميعا هذا الإثم؛
لأن القضاء يكون به رد الحقوق لأصحابها؛ ولأن الأصل في الناس أنهم مطبوعون على التظالم وأكل حقوق العباد.
فبهذا القضاء يكون نصر المظلوم ورد الحق لصاحبه، وقد أمرنا الله بإقامة العدل بين الناس فقال:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَوِ ٱلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَۚ).
الحكم بالصواب أجران وبالخطأ أجر
إذا حكم القاضي بين المتخاصمين وكان أهلا لهذا القضاء فاجتهد من أجل أن يصل للحق فأصاب الحق كان له أجران من الله، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)[البخاري]
أما القاضي الذي يحكم بين الناس وهو ليس أهلا لهذا الحكم والقضاء فإنه يكون آثما سواء أصاب أم اخطأ.
كل مجتهد مصيب
اختلف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم المصيب للحق واحد فقط، فذهب بعضهم إلى أن الحق واحد فمن وافق حكمه حكم الله كان مصيبا في حكمه.
ومن أخطأ بعد اجتهاده للوصول للصواب كان مخطئا ولا إثم عليه، فقد سمى الأول مصيبا والثاني مخطأ وهذا يدل على أن الحق واحد وليس الجميع يكون مصيبا للحق.
والفريق الثاني قال كل مجتهد مصيب لأنه قد جعل للمصيب أجران وجعل للمخطئ أجر وهذا لأنه أصاب.
لكن رد عليهم الآخرون بأنه حصل على هذا الأجر لتعبه في الاجتهاد وليس لأنه مصيب فيما ذهب إليه.
حكمة مشروعية القضاء
شرع الله القضاء من أجل أن يرفع الظلم بين العباد ولقطع الخصومات التي تنشأ بين الناس ولرد الحقوق لأصحابها ومن أجل إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الترغيب في القضاء
رغب الإسلام في تولي القضاء لمن كان أهلا له ولمن يؤدي هذا المنصب حقه برد المظالم لأصحابها.
فمن فعل ذلك فقد دخل في باب من أبواب القربات التي يتقرب بها إلى ربه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)[البخاري]
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)[مسلم]
الترهيب من القضاء
كما رغبنا الإسلام في تولي القضاء لمن كان أهلا كذلك رهبنا وحذرنا من تولي هذا القضاء لمن لم يكن أهلا له؛
لأن القاضي يكون في معية الله يعينه على حكمه ويسدد خطاه، فإذا سلك سبيل الهوى تخلى الله عنه ولازمه الشيطان.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان)[الترمذي]
طلب القضاء لمن كان أهلا له
إذا كان الإنسان أهلا للقضاء ولا يوجد من هو أصلح منه، وكان يبتغي بذلك إيصال الحق لأصحابه ورفع المظالم عن أهلها، جاز له أن يعرض نفسه على ولي الأمر ليجعله قاضيا بين الناس.
فقد أخبر نبي الله يوسف الملك عن نفسه وعرض عليه مؤهلاته التي تؤهله لحمل هذه الأمانة فأخبره أنه أمين على هذا المنصب فلن تكون هناك خيانة وعليم بأمور هذا المنصب فقال الله: (قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ).
لا يحكم القاضي وهو غضبان
من الأمور التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- القاضي عنها ألا يحكم بين الناس وهو غضبان حتى يخرج من حالة الغضب التي هو عليها؛
لأن الغضب يغلق العقل، ويحرم الإنسان السداد في الحكم، وهذا يشبه حالة الجوع المفرط الذي يكون عليه الإنسان فإنه يخرجه عن حالة الاعتدال التي تكون معينة له للإصابة في الحكم.
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه، وكان بسجستان، بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)[البخاري]
احتجاب القاضي عن الناس
لا يجوز للقاضي الذي ولاه أمر الناس وجعل حوائج الناس عنده أن يحتجب دونهم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم، وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته، وفقره)[أبو داود]
قبول القاضي الرشوة
الرشوة من الأمور التي حرمها الله على جميع العباد لكنها في حق القاضي وغيره ممن ولاهم الله أمر الناس تكون أعظم إثما.
وهذه الرشوة إن دفعها صاحبها من أجل أن يتوصل بها إلى باطل فحرام، وإن توصل بها إلى تحصيل حقه أو دفع ظلم عن نفسه فليست حرام.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)[أحمد]
التسوية بين المتخاصمين
من الآداب التي يجب على القاضي أن يلتزم بها أن يسوي بين الخصمين في الجلوس وفي الحديث معهما والإكرام لهما والنظر إليهما والاستماع لهما، وطلاقة الوجه معهما.