الفقه

أحكام النذر في الإسلام

النذر إلزام الإنسان نفسه شيئا لم يوجبه الشرع عليه، فكأنه أوجبه وفرضه على نفسه فكان واجبا عليه الوفاء به.

الدليل على جواز النذر من القرآن

اتفق الفقهاء على جوزا النذر ووجوب الوفاء به، فقد قال الله: (ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ ‌وَلۡيُوفُواْ ‌نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ)

أي ليؤدوا ما أوجبوه على أنفسهم، وقد مدح الله عباده المؤمنين بأنهم كانوا من الموفين لنذرهم، فقال الله: (‌يُوفُونَ ‌بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا).

دليل مشروعية النذر من السنة

ورد عدد من الأحاديث التي تبين أن النذر من الأمور المشروعة، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌من ‌نذر ‌أن ‌يطيع ‌الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)[البخاري]

وعن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه قال: يا رسول الله، إني ‌نذرت ‌في ‌الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟.

فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أوف نذرك). فاعتكف ليلة.[البخاري]

حكم النذر

ذهب بعض الققهاء إلى أن النذر مستحب لأنه نوع من القربة إلى الله تعالى؛ ولأن الله مدح الموفين بنذرهم، وهذا يترتب عليه الدرجات العلى في الآخرة لأنه زيادة في القربات.

وذهب البعض الآخر من الفقهاء إلى أن النذر مكروه كأن ينذر الإنسان على نفسه نذرا مكررا بأن يصوم في كل خميس لأنه قد يثقل عليه فلا يستطيع الوفاء به.

وقال القرطبي المالكي: إن النذر محرم في حق من يخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض عاجل،

أو أن الله تعالى يفعل ذلك الغرض لأجل النذر، فإقدام من اعتقد ذلك على النذر محرم. وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك.

حديث النهي عن النذر

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر، قال: (إنه لا يرد شيئا، وإنما ‌يستخرج ‌به ‌من ‌البخيل)[البخاري]

والمعنى أن النذر لا يجر للناذر نفعا ولا يدفع عنه شرا، وسبب النهي هنا حصول فساد في الاعتقاد بأن يعتقد الشخص أن ما ينزل به إنما يكون بسبب هذا النذر.

قال القرطبي: الذي يظهر لي هو التحريم في حق من يخاف عليه اعتقاد أن النذر يوجب حصول غرض معجل،

أو أن الله يفعل ذلك الغرض لأجل النذر فيكون الإقدام على النذر -والحالة هذه- محرما. وتكون الكراهة في حق من لم يعتقد ذلك.

كفارة النذر

كفارة النذر هي كفارة اليمين فمن عجز عن الوفاء بنذره كفر عن يمينه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌كفارة ‌النذر، كفارة اليمين)[مسلم]

فمن نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية فيكفر عن يمينه ومن نذر نذرا لا يطيقه يكفر عن يمينه، ومن نذر نذرا يطيقه فليف به.

وكفارة اليمين وردت في قول الله: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَيۡمَٰنَۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ ‌إِطۡعَامُ ‌عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنۡ أَوۡسَطِ مَا تُطۡعِمُونَ أَهۡلِيكُمۡ أَوۡ كِسۡوَتُهُمۡ أَوۡ تَحۡرِيرُ رَقَبَةٖۖ

فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيۡمَٰنِكُمۡ إِذَا حَلَفۡتُمۡۚ وَٱحۡفَظُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ).

النذر بما لا يطاق

عن عقبة بن عامر قال: ‌نذرت ‌أختي أن تمشي إلى بيت الله، وأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيته، فقال عليه السلام: (لتمش ولتركب). قال: وكان أبو الخير لا يفارق عقبة.[البخاري]

فهنا النذر بما فيه مشقة وبما لا يطاق لا يجب على الإنسان الوفاء به وإنما يكفر عن يمينه لأن الله غني عن تعذيب الناس أنفسهم.

وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث أن رسول الله قال: (إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنه)،

وقال أيضا: (إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتحج راكبة وتكفر عن يمينها)

وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ‌شيخا ‌يهادى بين ابنيه، قال: (ما بال هذا).

قالوا: نذر أن يمشي. قال: (إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني). وأمره أن يركب.[البخاري]

من مات قبل الوفاء بنذره

من نذر طاعة لله ثم مات قبل أن يوفي بنذره كمن نذر الحج فمات قبل الوفاء بنذره فهو في هذه الحالة بين أمرين:

الأول: أن يموت قبل تمكنه من أداء الحج. فهنا قال بعض العلماء أنه لا يجب عليه شيء لأنه مات قبل أن يتمكن من الأداء.

ويرى فريق آخر من الفقهاء أنه يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله ما يحج به أحد عنه إذا لم يوجد من يتطوع بالحج عنه.

واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن ‌أختي ‌نذرت ‌أن ‌تحج، وإنها ماتت،

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان عليها دين أكنت قاضيه). قال: نعم، قال: (فاقض الله، فهو أحق بالقضاء).

والثاني: أن يموت بعد تمكنه من الحج ولم يؤده، فاختلف فيه على رأيين: الأول: يجب القضاء عنه من تركته ولا يسقط هذا النذر عنه بالموت.

والثاني: يرى هذا الفريق أن مات قبل الأداء وبعد تمكنه أنه يسقط عنه إلا إذا أوصى بأداء هذ النذر عنه.

للمزيد:

مواضيع ذات صلة