للتبكير لصلاة الجمعة فضائل كثيرة منها أن من حضر في الساعة الأولى كان كمن تصدق بناقة من الجمال، ومن بكر كتب الملائكة اسمه في صحائفهم.
التبكير لصلاة للجمعة
يستحب للمسلم أن يبكر بالذهاب لأداء صلاة الجمعة حتى ينال فضيلة التبكير، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً،
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)[البخاري]
ما معنى الساعة
اختلف العلماء في المراد من الساعة المذكورة في الحديث فمنهم من قسم الساعات قبل الخطبة إلى خمس ساعات، ومنهم من اعتبر لفظ الساعة وقت لطيف يبدأ من الزوال.
قال الشوكاني: ” قيل: المراد بالساعات بيان مراتب التبكير من أول النهار إلى الزوال، وأنها تنقسم إلى خمس، وتجاسر الغزالي فقسمها برأيه فقال:
الأولى: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والثانية: إلى ارتفاعها، والثالثة: إلى انبساطها، والرابعة: إلى أن ترمض الأقدام، والخامسة: إلى الزوال.
واعترضه ابن دقيق العيد بأن الرد إلى الساعات المعروفة أولى وإلا لم يكن لتخصيص هذا العدد بالذكر معنى؛ لأن المراتب متفاوتة جدًا.
وقيل: المراد بالساعات: خمس لحظات لطيفة: أولها: زوال الشمس، وآخرها قعود الخطيب على المنبر، روي ذلك عن المالكية “نيل الأوطار
معنى حديث بكر وابتكر
قال رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا)[أبو داود]
قال الإمام الخطابي: ” قوله: (غسل واغتسل وبكر وابتكر) اختلف الناس في معناهما فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المظاهر الذي يراد به التوكيد، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين،
وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: (ومشى ولم يركب) ومعناهما واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد .
وقال بعضهم: قوله: (غسل) معناه: غسل الرأس خاصة وذلك لأن العرب لهم لِمم وشعور، وفي غسلها مؤونة فأفرد ذكر غسل الرأس من أجل ذلك. وإلى هذا ذهب مكحول .
وقوله: (واغتسل) معناه: غسل سائر الجسد …
وقوله: (بكر وابتكر) زعم بعضهم أن معنى بكر أدرك باكورة الخطبة وهي أولها، ومعنى وابتكر قدم في الوقت …
قوله: (راح إلى الجمعة) معناه: قصدها وتوجه إليها مبكرًا قبل الزوال، وإنما تأولناه على هذا المعنى ؛ لأنه لا يجوز أن يبقى عليه بعد الزوال من وقت الجمعة خمس ساعات، وهذا جائز في الكلام أن يقال: راح لكذا، ولأن يفعل كذا.
بمعنى أنه قصد إيقاع فعله وقت الرواح كما يقال للقاصدين إلى الحج حجاج ولما يحجوا بعد … فأما حقيقة الرواح فإنما هي بعد الزوال “[معالم السنن]
كتابة الملائكة لأسماء المبكرين
من فضائل التبكير لحضور صلاة الجمعة أن الملائكة يكتبون أسماء المبكرين، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَقَفَتِ المَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ المُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً،
ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)[البخاري]
قال ابن بطال: “(فإذا خرج الإمام طويت الصحف) فدل على أنه من أتى والإمام في الخطبة أن أجره أقل من أجر من أتى قبله؛ لأن الملائكة لم تكتبه في صحفها، وإنما يكون له أجر من أدرك الصلاة لا أجر المسارع “[شرح صحيح البخاري لابن بطال]
من عجر عن الخروج لصلاة الجمعة
إذا عجز المرء عن الخروج لصلاة الجمعة بسبب عذر حدث له جاز له الصلاة في بيته لكن يصليها ظهرا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلاَ تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: ” صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ “، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ:
” فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمْعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ)[البخاري]
قال ابن بطال: ” اختلف العلماء في التخلف عن الجمعة للمطر، فممن كان يتخلف عنها لذلك: ابن سيرين، وعبد الرحمن بن سمرة، وهو قول أحمد، وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث.
وقالت طائفة: لا يتخلف عن الجمعة للمطر.
روى ابن نافع قال: قيل لمالك: أيتخلف عن الجمعة في اليوم المطير، قال: ما سمعت، قيل له: فالحديث: (ألا صلوا في الرحال)، قال: ذلك في السفر.
وقد رخص في ترك الجمعة لأعذار أخر غير المطر، …
وقال عطاء: إذا استصرخ على أبيك يوم الجمعة والإمام يخطب فقم إليه واترك الجمعة . وقال الحسن: يرخص في الجمعة للخائف.
وقال مالك في الواضحة: ليس على المريض والصحيح الفاني جمعة . وقال أبو مجلز: إذا اشتكى بطنه لا يأتي الجمعة.
وقال ابن حبيب: أرخص النبي -عليه السلام- في التخلف عن الجمعة لمن شهد الفطر والأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة لما في رجوعهم من المشقة لما أصابهم من شغل العيد “[شرح البخاري لابن بطال]
وقال النووي: ” هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة “[شرح النووي على مسلم]
صلاة الجمعة للمسافر
المسافر الذي بلغ سفره مسافة القصر أو يزيد مخير بين أن يصلي الجمعة أو لا يصلي.
روى البخاري حديث معلقا فقال: كَانَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ، وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ ]موضع بينه وبين البصرة فرسخان[.
قال ابن الملقن: ” قوله: (كان أنس أحيانًا يجمع) يعني: أحيانًا يأتي المصر وأحيانًا لا يأتي؛ لأن فرسخين كثير، فإذا أراد الفضل أتى، وإن ترك كان في سعة “[التوضيح لشرح الجامع الصحيح]
وقال ابن رجب: ” إن كان مسافراً يباح له القصر، فأكثر العلماء على أنه لا يلزمه الجمعة مع أهل القرية، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر لا جمعةٍ عليه “[فتح الباري لابن رجب]
للاطلاع على المزيد: