الفقه

ترتيب الأولويات في التشريع الإسلامي

الشريعة الإسلامية ليست كلها على درجة واحدة بل هي مراتب بعضها أعلى من بعض، وبعضها أولى بالتقديم من البعض الآخر.

أقسام الشريعة الإسلامية

تنقسم الشريعة الإسلامية كما قرر الفقهاء إلى ثلاثة أقسام:

الضروريات

وهي ما لا يصلح أمر البلاد والعباد إلا به، فإذا فقدت هذه الضروريات أدى ذلك إلى الهلاك والفساد.

من هذه الضروريات التي يحتاج إليها العباد ليستقيم لهم أمر دنياهم هو الضروريات الخمس وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.

الحاجيات

هي الأمور التي يحتاج إليها العباد حتى لا يقعوا في الحرج، فإذا فقدت هذه الحاجيات وقع الناس في الضيق والحرج.

فالله أمر بالصيام وجعله واجبا وهو صيام رمضان، لكن هناك من يكون مريضا لا يقوى على الصيام فإما أن يصو ويعرض نفسه للهلاك، وإما أن يترك الصيام فيعرض نفسه للعقاب.

فكان أمثال هؤلاء في حاجة لتلك الرخص التي وضعها الله لأصحاب الأعذار فأباح لهم الفطر حتى لا يعرضوا أنفسهم للهلاك، وأمرهم بأن يطعموا عن اليوم الذي أفطروه.

التحسينيات

هي الأمور التي تتعلق بمحاسن العادات ومكارم الاخلاق كستر العورات وإزالة النجاسات وأخذ الزينة.

أيهما أولى بالتقديم من مراتب الشريعة

إذا كان المسلم مخيرا بين مراتب التشريع أيهما يقدم، يجب عليه أن يقدم أولا الضروريات لأنها رأس الهرم.

لكن من يقدم الحاجيات أو التحسينيات يكون بذلك قد قلب أولويات الإسلام وسار على عكس منهج الإسلام.

لقد حرم الله علينا أكل الميتة تحريما صريحا قاطعا، لكن إذا كان هذا التحريم يتعارض مع شيء من الضروريات يلغى هذا الحكم ونحفظ الضرورة.

كأن يحتاج الإنسان لأكل الميتة لأنه لا يوجد ما يأكله وإن لم يأكل سيعرض نفسه للهلاك هنا أباح الشرع له أكل الميتة وهو حكم تحسيني من أجل حفظ النفس التي هي من الضروريات.

قال الله: (‌حُرِّمَتۡ ‌عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ

وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ

ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).

مراعاة المصالح

من الأمور التي راعتها الشريعة الإسلامية هي مراعاة المصالح، فتقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والمصلحة المتيقنة على المصلحة المظنونة، والمصالح الجوهرية عل المصالح الشكلية.

كان هذا واضحا في صلح الحديبية وذلك لما جاء سهيل بن عمرو وأرادوا أن يكتبوا كتاب صلح قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكاتبه اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.

اعترض سهيل بن عمرو وقال: ما ادري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم. فاعترض المسلمون فأمر النبي بكتابة ما أراد حتى يتم أمر الصلح فإن إتمام الصلح أهم من تلك الشكليات.

ولما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لكاتبه اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله.

قال سهيل: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فوافقه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

من موقف الحديبية هذا نتعلم أن هناك مصالح وموازنات ينبغي أن يراعيها المسلم وأن يقدم الأهم فالمهم.

ارتكاب أخف الضررين

هذه القاعدة ورد في معانيها قواعد أخرى منها: يدفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما. إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر الأكبر. ويدفع شر الشرين.

ومعنى هذه القاعدة أن الضرر ليس كله على درجة واحدة وإنما يتفاوت في ذاته وفي آثاره وهذا الضرر ينبغي أن يرفع لقاعدة الضرر يزال.

لكن إذا لم يستطع الإنسان إزالة الضرر بالكلية وكان بعضه أشد من بعض وكان لابد من الوقوع في أحد الضررين تاتي هذه القاعدة لتقول الضرر الأشد يزال ونبقي الضرر الأقل.

وذلك لأن الأول أعظم ضررا من الثاني كمن خير بين إرتكاب معصية يختص بها وحده أو ارتكاب معصية مع غيره، ارتكب المعصية التي تخصه وحده ويتجنب المعصية التي يرتكبها مع غيره.

لا ضرر ولا ضرار

من القواعد التي قررها الفقهاء هي قاعدة لا ضرر ولا ضرار وليس معنى القاعدة أنه لا يوجد ضرر أصلا فالضرر موجود لكن المقصود ألا يبدا الإنسان بالضرر لغيره، لأن الضرر ظلم والظلم ممنوع في كل الديانات.

درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة

من القواعد التي قررها الفقهاء وهي تشير إلى مسألة الأولويات في الشريعة الإسلامية أن دفع المفاسد أولى من جلب المصالح، يقول الله:

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ).

هنا نهى الله الصحابة عن سب آلهة المشركون مع أنها آلهة باطلة تستحق الذم وهو أمر ممدوح ودليل على عدم الإيمان بها لكن مع ذلك منع الله من سبها؛ لأن هذا سيجلب مفسدة أعظم وهي أنهم سيسبوا الله.

فإن كان في سب آلهة المشركين مصلحة فإن عدم سبها دفع لمفسدة أعظم وهي سب الله.

مواضيع ذات صلة