الصلاة

ما حكم تارك الصلاة؟

الصلاة نور، فكما أن النور يستضاء به، فكذلك الصلاة تهدي إلى الصواب، وتمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر.

الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

يقول الله سبحانه: (‌اتْلُ ‌مَا ‌أُوحِيَ ‌إِلَيْكَ ‌مِنَ ‌الْكِتَابِ ‌وَأَقِمِ ‌الصَّلَاةَ ‌إِنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ ‌الْفَحْشَاءِ ‌وَالْمُنْكَرِ ‌وَلَذِكْرُ ‌اللَّهِ ‌أَكْبَرُ ‌وَاللَّهُ ‌يَعْلَمُ ‌مَا ‌تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

والصلاة صلة بين العبد وربه الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، يجد فيها المسلم لذة مناجاة ربه، وبهذا يطمئن قلبه، وينشرح صدره.

وقد فرضها الله خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خففت فجعلها الله خمسا في العمل، وخمسين في الأجر، فضلا منه ورحمة، ولأهمية الصلاة ومكانتها عند الله تعالى، فهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

تعريف الصلاة

الصلاة في اللغة الدعاء، قال تعالى: (‌وَصَلِّ ‌عَلَيْهِمْ ‌إِنَّ ‌صَلَاتَكَ ‌سَكَنٌ ‌لَهُمْ) [التوبة: 103] أي: ادع لهم.

وفي اصطلاح الفقهاء هي: التعبد لله بأقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.

حكم الصلوات الخمس

الصلوات الخمس واجبة على كل مسلم ومسلمة في اليوم والليلة مهما كانت الأحوال، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، قال الله تعالى: (‌إِنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌كَانَتْ ‌عَلَى ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌كِتَابًا ‌مَوْقُوتًا) [النساء: 103]، أي فرضا محددا بوقت، والمحدد بوقت كما لا يصح قبله لا يصح بعده بلا عذر، وإلا لما كان لتحديد آخره فائدة.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌بُنِيَ ‌الْإِسْلَامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)[متفق عليه].

حكم تارك الصلاة

لا يجوز لمسلم عاقل بالغ أن يقصر في أداء الصلاة، لأن الله تعالى توعده بالعذاب الشديد قال تعالى: (‌فَوَيْلٌ ‌لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4-5].

ومن ترك الصلاة إنكارا لها وجحودا بها، أصبح كافرا، ومن تركها تكاسلا بدون عذر، فمن الفقهاء من قال أنه عاص فاسق، ومرتكب كبيرة، ولكنه ليس بكافر، ومنهم من قال بأنه كافر وخارج عن الملة، وتفصيل ذلك فيما يلي:

تارك الصلاة جحدا لوجوبها

الصلاة أحد الأركان الخمسة بعد الشهادتين، فمن تركها جاحدا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، واستدل هؤلاء بقوله تعالى: (‌فَخَلَفَ ‌مِنْ ‌بَعْدِهِمْ ‌خَلْفٌ ‌أَضَاعُوا ‌الصَّلَاةَ ‌وَاتَّبَعُوا ‌الشَّهَوَاتِ ‌فَسَوْفَ ‌يَلْقَوْنَ ‌غَيًّا) [مريم: 59]،

وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ‌مَا ‌سَلَكَكُمْ ‌فِي ‌سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر: 38-43].

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (‌بَيْنَ ‌الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)[أخرجه مسلم]،

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (‌العَهْدُ ‌الَّذِي ‌بَيْنَنَا ‌وَبَيْنَهُمُ ‌الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا

ترك الصلاة تكاسلا كفر أصغر ليس مخرجا من الملة، بل يكون فاسقا، مرتكبا لكبيرة من كبائر الذنوب، واستدل هؤلاء بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا ‌يَغْفِرُ ‌أَنْ ‌يُشْرَكَ ‌بِهِ ‌وَيَغْفِرُ ‌مَا ‌دُونَ ‌ذَلِكَ ‌لِمَنْ ‌يَشَاءُ) [النساء: 48].

وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)[أخرجه مسلم].

حكم من يصلي بعض الفرائض ويترك البعض

من يصلي أحيانا، ويتركها أحيانا، فليس بكافر، لكنه فاسق ومرتكب إثما عظيما، وجان على نفسه جناية كبيرة، وعاص لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.

قال الله تعالى: (‌وَمَنْ ‌يَعْصِ ‌اللَّهَ ‌وَرَسُولَهُ ‌وَيَتَعَدَّ ‌حُدُودَهُ ‌يُدْخِلْهُ ‌نَارًا ‌خَالِدًا ‌فِيهَا ‌وَلَهُ ‌عَذَابٌ ‌مُهِينٌ) [النساء: 14].

تارك الصلاة يحشر مع الكفرة الفجرة

عن عبد الله بن عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: ذكر الصلاة يوما فقال: (مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ ‌كَانَتْ ‌لَهُ ‌نُورًا، ‌وَبُرْهَانًا، ‌وَنَجَاةً ‌يَوْمَ ‌الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ)[رواه أحمد وإسناده حسن].

وهو يحشر مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إن ضيعها من أجل الرياسة، فقد شابه فرعون، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ضيع الصلاة من أجل الوزارة، شابه هامان وزير فرعون، فيحشر معه إلى النار يوم القيامة.

وإن ضيع الصلاة بأسباب الأموال والشهوات شابه قارون، الذي خسف الله به الأرض وبأهله، وإن ضيعها بأسباب المعاملات والتجارة شابه أبي بن خلف فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وكان أبي بن خلف من تجار أهل مكة قتل يوم أحد، قتله النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة.

هل تطبق أحكام الردة على تارك الصلاة

من قال بكفر تارك الصلاة فإنه يرى أنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد؛ فلا يرث ولا يورث ولا يناكح، ولا نعلم أحدا من أئمة الإسلام ممن يرى كفر تارك الصلاة، أجرى أحكام الردة من فسخ النكاح، ومنع التوارث، وترك التغسيل والتكفين، وصلاة الجنازة، والدفن في غير مقابر المسلمين على تارك الصلاة، فضلا عمن أخر صلاة عن وقتها.

فالمسلمون ‌يورثون ‌تارك الصلاة ويورثون عنه، فمن كان مظهرا للإسلام، فإنه ‌تجري ‌عليه ‌أحكام ‌الإسلام ‌الظاهرة: من نكاح وتوارث، ويجب تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك.

هل تصلى صلاة الجنازة على تارك الصلاة

المسلمون يغسلون ويصلون على المنافقين الذين يكتمون النفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام، كما كان المنافقون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،

فكثير من الناس؛ لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركوها بالجملة، بل يصلون أحيانا ويدعون أحيانا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام؛

فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض -كابن أُبَيّ وأمثاله من المنافقين- فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى.

كيف يقضي تارك الصلاة ما فاته

الرأي الأول: أن عليه قضاء ما فاته من الصلوات، مع كونه آثما ومذنبا ذنبا عظيما؛ لتركه لها وتأخيرها عن وقتها، فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له، فلا يشترط الترتيب فيها؛ لأن في ذلك نوعا من الحرج فيقضي حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت.

الرأي الثاني: أن تارك الصلاة عمدا كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة، وإذا عاد إلى الإسلام، فهو غير مطالب بقضائها، لأنه بمثابة داخل في الإسلام من جديد، والواجب عليه هو التوبة إلى الله عز وجل، والإكثار من الطاعات والنوافل والأعمال الصالحة؛ لعلها تكفر ما حصل منه.

توبة تارك الصلاة

يجب على تارك الصلاة أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى قبل أن يحال بينه وبينها، فقال سبحانه وتعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]،

وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم:8]، وقال سبحانه: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74].

فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب التوبة، ومهما أسرف الإنسان على نفسه في المعاصي، فعليه أن يتذكر قول الله تعالى: (‌قُلْ ‌يَا عِبَادِيَ ‌الَّذِينَ ‌أَسْرَفُوا ‌عَلَى ‌أَنْفُسِهِمْ ‌لَا ‌تَقْنَطُوا ‌مِنْ ‌رَحْمَةِ ‌اللَّهِ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌يَغْفِرُ ‌الذُّنُوبَ ‌جَمِيعًا ‌إِنَّهُ ‌هُوَ ‌الْغَفُورُ ‌الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

فمن تاب من ذنوبه توبة نصوحا غفر الله له ذنوبه جميعا، والتوبة النصوح هي التي اشتملت على ترك الذنوب، والحذر منها، والندم على ما سلف منها، والعزم الصادق على ألا يعود فيها تعظيما لله سبحانه ورغبة في ثوابه وحذرا من عقابه.

النصح الواجب لتارك الصلاة

الله تبارك وتعالى اختار من عباده ومن عليهم بجوده وكرمه وجعلهم من المصلين، ويجب على هؤلاء الموفقين للصلاة أن يجتهدوا في نصح تاركيها،

ولن تعدم وسيلة تدعو بها تاركي الصلاة، فأسهم في دعوة الناس لإقام الصلاة وشارك ولو باليسير: انشر كتابا، اطبع مطوية، ابن مصلى، أو ساهم في بناء مسجد، ابعث رسالة، اكتب نصيحة، أو حرر مقالا، حمل درسا وأرسله من هاتفك، استغل مواقع التواصل الاجتماعي.

استغل المواقف والأحداث التي يسهل فيها حدوث الاستجابة؛ كموت قريب؛ أو حصول حادث؛ أو إصابة بمرض، وإياك أن تكون من المنفرين عن الصلاة بتخذيل التائبين والاستهزاء بهم، والتنقيص من شأنهم، والطعن في توبتهم، فتكون مغلاقا للخير مفتاحا للشر، واحذر كل الحذر من نشر الأحاديث الضعيفة في عقوبة تارك الصلاة ففي الأحاديث الصحيحة ما يشفي العليل ويروي الغليل.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة