أعلى الإسلام منزلة العلم ورفع قدر العلماء، ورغب أبناءه في تحصيل العلم النافع الذي ينفع الإنسان في دنياه وأخراه، ولينالوا ما أعده الله للعلماء من الفضل ورفع القدر.
أهمية التعليم في الصغر
الطفل في صغره يكون خالي البال من شواغل الدنيا ومشاغلها، ويكون قلبه صافيا خاليا من أكدار الحياة، لذلك فإن مرحلة الطفولة هي أخصب المراحل للبناء فكريا وعلميا.
وهذا يجعل العلم أقوى ثباتا وأرسخ في الذاكرة، فعن الحسن قال: “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”.
وقال لقمان لابنه: “يا بني ما بلغت من حكمتك؟ قل : لا أتكلف ما لا يعنيني، قال: يا بني إنه قد بقي شيء آخر، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء”.
ربط الطفل بالقدوة العلمية
أول قدوة علمية يجب على المربي أن يربط طفله بها هي القدوة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله:
(لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا)؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو النور الذي نستضيء به، ومنه نستمد العلم والهدى والأخلاق.
حفظ القرآن والسنة للطفل
مما يجب أن يبدأ به الطفل حفظ ما تيسر من القرآن والسنة النبوية، فإن ذلك مما يقوي الذاكرة، ويعيد ترتيبها وتنظيمها،
ويقوي عندهم اللغة بحفظ أكبر قدر من مفرداتها، فيجعلهم أقدر على التعبير عن المعاني بألفاظ متعددة وتراكيب متنوعة.
كما يعطيهم القدرة على مواجهة الجمهور للتحدث إليهم والقدرة على الكتابة، بالإضافة إلى أن هذا يساهم في تكون الخلفية الثقافية المنضبطة بأخلاق وآداب الإسلام.
تأثير القصص على الأطفال
رواية القصص الهادفة التي تحمل قيم ومعاني مفيدة للطفل وتخلق عنده القدوة بالأشخاص النافعين في المجتمع من الأمور الهامة جدا في تكوين الطفل ثقافيا وعلميا.
فالقصة تشد انتباه الطفل وتحرك مشاعره، وتخلق عنده نوعا من اليقظة الفكرية وترابط الأحداث، كما أنها تكون ممتعة له فلا يشعر بشيء من الضيق والملل عند سماعها.
فالقصة تعتبر من الوسائل غير المباشرة التي من خلالها نستطيع أن نغرس في الطفل القيم النبيلة والأخلاق الحميدة وربطه بالأشخاص النابهين في المجتمع.
والإسلام مليء بتلك القصص التي تغذي الطفل ثقافيا وفكريا وأخلاقيا، من ذلك قصص القرآن، وقصص السنة، وقصص الأنبياء والصالحين، كل ذلك يعتبر كالزاد الذي يتزود به الطفل.
تعليم اللغة العربية للطفل
أنزل الله القرآن الكريم بلسان عربي مبين، فقال الله: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ).
وقال الله: (نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ)
وتحدى الله العرب وهم أرباب اللغة وأهل الفصاحة والبلاغة والبيان أن يأتو بمثل أقصر سورة منه فعجزوا، فقال الله:
(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ)
وعلى هذا فلا يمكن لنا أن نفهم القرآن ولا أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بتعلم اللغة العربية، فإذا جهلنا اللغة العربية جهلنا الإسلام وما استطعنا أن نفهم مراد الله من كلامه، لذلك نبه العلماء على أهمية تعليم الأبناء اللغة.
قال الماوردي: “فإذا بلغ التأديب والتعليم فالوجه أن يبدأ بتعليم القرآن مع اللغة العربية لأنها اللغة التي أنزل الله بها كتابه وخاطب بها في شرائع دينه وفرائض ملته وبها بلغ رسول الله سنته”.
ويتحدث ابن سينا في كتابه السياسة عما ينبغي تعليمه للطفل فقال: “فإذا اشتدت مفاصل الصبي واستوى لسانه وتهيأ التلقين ووعى سمعه أخذ في تعلم القرآن وصور له حروف الهجاء ولقن معالم الدين.
وينبغي أن يروي الصبي الرجز ثم القصيدة فإن رواية الرجز أسهل وحفظه أمكن؛ لأن بيوته أقصر ووزنه أخف.
ويبدأ من الشعر بما قيل في فضل الأدب ومدح العلم وذم الجهل وعيب السخف وما حث فيه على بر الوالدين واصطناع المعروف وقرى الضيف وغير ذلك من مكارم الأخلاق”
تعليم اللغات الأجنبية للطفل
مما ينبغي على الآباء الاهتمام به في تعليم أبنائهم أن يعلموهم لغات الآخرين، فتعلم اللغات الأخرى يطلع الإنسان على ثقافات الآخرين فيأخذ خيرهم ويترك شرهم ويأمن مكرهم.
كما يستطيع الرد عليهم إن كانوا يحرفون ويشوهون دينه، فمن تعلم لغة قوم أمن مكرهم، لذا حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يكون معه من الصحابة من يتعلم لغة الآخرين حتى يكون عنده من يكتب لهؤلاء القوم ويقرأ له رسائلهم.
عن خارجة بن زيد، أن أباه زيد بن ثابت أخبره: أنه لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، قال زيد: ذهب بي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعجب بي،
فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال:
(يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي) قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب)[أحمد]
تنمية الميول العلمية لدى الطفل
خلق الله كل إنسان بميول نحو شيء معين قد يكون هذا الميول فطري وقد يكون مكتسبا عن طريق التربية الناجحة للمربي الذي استطاع أن يخلق قدوة عند الطفل.
هذا جعله ينجذب لهذه القدوة سواء كانت قدوة علمية أو فكرية أو صناعية أو غير ذلك فينشأ الطفل وعنده ميول لهذا الاتجاه.
وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضع كل واحد من أصحابه في المكان المناسب له، فاختار زيد بن ثابت لتعلم لغات الآخرين ليكتب له ويقرأ رسائلهم، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يولي لقيادة الجيش من يكون متقنا لأمر الحروب والقيادة، ويثني على قراءة عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة الذين يتقنون قراءة القرآن.
عن مسروق قال: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث إليه، وقال ابن نمير عنده: فذكرنا يوما عبد الله بن مسعود فقال:
لقد ذكرتم رجلا لا أزال أحبه بعد شيء سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(خذوا القرآن من أربعة؛ من ابن أم عبد – فبدأ به – ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة)[مسلم]
للاطلاع على المزيد: