شرع الله النكاح وجعله آية من آياته ليجد الرجل والمرأة السكن والمودة، لكن إذا استحالت الحياة بين الزوجين وتنافرت الطباع حل لهما الانفصال بالطلاق.
تعريف الطلاق
الطلاق في اللغة معناه حل الوثاق ورفع القيد، وشرعا: حل عقدة الزواج وإزالة ملك النكاح، في الحال أو المآل بلفظ مخصوص.
حكم الطلاق
الطلاق مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ودليل ذلك قول الله: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
وعن عاصم بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلق حفصة بنت عمر بن الخطاب، ثم ارتجعها)[أحمد]
واتفق الفقهاء على مشروعية الطلاق واتفقوا على أن الطلاق من الأحكام التي تعتريها الأحكام الخمسة فقد يكون مباحا وقد يكون مندوبا أو واجبا أو مكروها أو محرما.
لكن اختلفوا في الأصل في الطلاق فذهب البعض إلى أن الأصل في الطلاق الإباحة، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الحظر.
حكمة مشروعية الطلاق
الزواج جعله الله سكنا ومودة فقال: (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ).
ولا يتحقق هذا إلا بالزوجة صاحبة الدين والخلق التي حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)[البخاري]
لكن قد يجتهد الإنسان ولا يصل لمراده من السعادة والسكن والمودة ويحدث التنافر والشقاق والخلاف بين الزوجين، وتتحول الحياة لجحيم لا يطاق، بعد فعل كل ما يمكن فعله من أجل الإصلاح بين الزوجين.
ففي هذه الحالة الإسلام يبيح أمر الطلاق ليكون نهاية الخلاف والشقاق بين الزوجين وليبدأ كل واحد منهما حياته الجديدة التي يريدها، قال الله: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمً).
حق الطلاق
حق الطلاق يكون للرجل بعبارته إذا أراد إنهاء العلاقة بينه وبين زوجته، وذلك إذا كان عاقلا بالغا مختارا؛ لأنه أحرص الناس على بقاء تلك الحياة التي بناها بجهده وتعبه، وهو أكثر تريثا وأكثر حكمة، لكن المرأة سريعة الغضب سريعة التقلب.
وكذلك المرأة لها الحق في فسخ النكاح لكن ذلك لا يكون بقولها وإنما يكون بحكم القاضي وذلك في الخلع.
هل يُسأل الزوج عن سبب الطلاق؟
لا يسأل الزوج عن سبب طلاقه لزوجته لأسباب منها:
1 – حفظ الأسرار الزوجية.
2 – حفظ كرامة المرأة.
3 – قرار الطلاق ليس بالأمر السهل الهين على الرجل لأنه يكلفه الكثير من المال من مهر مؤجل، ونفقة ومتعة، وأجرة الأولاد، وعلى ذلك فإنه لن يأخذ قرار الطلاق بدون سبب قوي قاهر.
أركان الطلاق
للطلاق أركان منها:
1 – من يقوم بالطلاق وهو الرجل.
2 – وصيغة وهي ما يعبر عنه بالطلاق كالكلام وقد ينوب عن الكلام الكتابة أو الإشارة.
3 – وولاية بأن تكون له ولاية الزواج على المرأة التي يطلقها.
4 – وقصد بأن يقصد طلاقها.
من يصح طلاقهم ومن لا يصح
يقع الطلاق من كل زوج عاقل، فإذا طلق المجنون فلا يقع طلاقه.
ويقع الطلاق من البالغ فإذا طلق الصبي الصغير فلا يقع طلاقه.
ويقع الطلاق من المختار فإذا أكره أحد على الطلاق لا يقع طلاقه لأنه مكره وليس مختارا.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر)[أبو داود]
وكذلك الغضبان الذي اشتد غضبه حتى أغلق عليه عقله فلا يدري ما يقول لا يقع طلاقه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا طلاق، ولا عتاق في إغلاق)[ابن ماجه]
فإذا لم يتغير عقله فإنه يقع طلاقه لأنه ما من أحد ينطق بالطلاق إلا ويكون في حالة غضب.
وأما طلاق الهازل فإنه يقع كالجاد لأن الطلاق ليس محل مزاح، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة)[أبو داود]
صيغ الطلاق
الطلاق ينقسم إلى قسمين:
1 – طلاق صريح وهو الذي لا يفهم منه غير الطلاق عند التلفظ به، ومثل هذا الطلاق لا يحتاج لنية، كأن يقول الرجل لزوجته أنت طالق.
2 – الطلاق الكنائي كأن يقول الزوج لفظا يحتمل الطلاق وغيره فيحتاج للنية التي تدل على قصده كأن يقول لزوجته ألحقي بأهلك.
الطلاق الرجعي والبائن
الطلاق الرجعي هو ما يجوز للزوج معه رد زوجته إذا كانت لا تزال في عدتها من غير عقد جديد.
والطلاق البائن هو الطلاق الذي رفع به قيد النكاح في الحال وينقسم إلى قسمين:
1 – بائن بينونة صغرى وهي التي طلقت طلقة أو طلقتين واتقضت عدتها فيحل لزوجها أو لغيره إذا تقدموا لخطبتها والزواج بها، أن تتخير ما تشاء الزواج به.
2 – وبائن بينونة كبرى وهي التي طلقت ثلاث طلقات فلا يحل لزوجها الزواج بها إلا بعد أن تنقضي عدتها، وتتزوج بغيره فإن طلقها الزوج الثاني حل للأول الزواج بها.
الطلاق السني والبدعي
الطلاق السني هو ما وافق السنة في طريقة إيقاعه، وهو أن يطلق الرجل زوجته في طهر لم يجامعها فيه، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وعدتها ثلاثة قروء أي حيض إذا كانت من ذوات الحيض، أو ثلاثة أشهر إذا لم تكن من ذوات الحيض.
فإذا انقضت العدة ولم يراجعها طلقت ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدن وإن راجعها في العدة فهي زوجته.
الطلاق البدعي هو ما خالف السنة في طريقة إيقاعه وهو أن يطلق الرجل زوجته في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه، وهذا الطلاق حرام ويقع فاعله في الإثم وعليه أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء.
عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:
(مره فليراجعها، ثم ليدعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها، أو يمسكها، فإنها العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء).
قال عبيد الله: قلت لنافع: ما صنعت التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها)[مسلم]
عدد الطلقات
للرجل ثلاث طلقات قال الله: (ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ)
قال ابن كَثير : “هذه الآية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإِسلام، من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته، وإنْ طلّقها مائة مرّة ما دامت في العدّة، فلمّا كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصَرهم الله -عزّ وجلّ- إِلى ثلاث طلقات، وأباح الرجعة في المرّة والثنتين، وأبانها بالكلية في الثالثة”.
هل يقع الطلاق الثلاث في مجلس واحد؟
تكرار الطلاق ثلاثا في مجلس واحد يقصد بذلك إيقاع الطلاق ثلاثا يقع ثلاثا عند الأئمة الأربعة ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
لكن إن كرر الزوج الطلاق من أجل تأكيد الطلاق أو للإسماع، فمنهم من أوقعه ثلاث طلقات.
وعند بعض أهل الظاهر يقع طلقة واحدة واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس قال:
(كان الطلاق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة.
فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)[مسلم]
للاطلاع على المزيد: