حديث نبوي

شرح حديث حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة

عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يقول: ‌لبيك ‌عن ‌شبرمة، قال: (من شبرمة؟) قال: أخ لي – أو قريب لي – قال: (حججت عن نفسك؟) قال: لا، قال: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)[أبو داود]

من هو شبرمة

ورد في أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير في ترجمة شبرمة قال: غير منسوب، له صحبة، توفي في حياة رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الحج عن النفس أولا

لما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبي عن شبرمة سأله رسول الله هل حج عن نفسه أولا أم لا، فلما أخبره أنه لم يحج عن نفسه أمره أمر وجوب بأن يجعل هذه الحجة عن نفسه ثم يحج بعد ذلك عن شبرمة.

وتقع هذه الحجة منه على أنها حجة الإسلام الواجبة عليه، وظاهر هذا الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أولا أن يحج عن غيره فإذا حج عن نفسه جاز له الحج عن غيره.

قال المحب الطبري: في الحديث دلالة للشافعي على أنه لا يحج عن الغير من لم يحج عن نفسه.

فإن فعل انقلب إليه، ووجه الدلالة قوله: (ثم حج عن شبرمة) وثم للترتيب فاقتضى ذلك أن يكون حجه عن الغير بعد حجه عن نفسه.

وقال الأمير اليماني: الحديث دليل على أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، فإذا أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه؛

لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يجعله عن نفسه بعد أن لبى عن شبرمة، فدل على أنها لم تنعقد النية عن غيره وإلا لأوجب عليه المضي فيه،

وإن الإحرام ينعقد مع الصحة والفساد، وينعقد مطلقًا مجهولاً معلقًا، فجاز أن يقع عن غيره ويكون عن نفسه،

وهذا لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي، والنهي يقتضي الفساد، وبطلان صفة الإحرام لا يوجب بطلان أصله.

الحج عن الغير بعد الحج عن النفس

الحج من العبادات التي تدخلها النيابة، بمعنى أنه يجوز أن يؤديها أحد عن غيره لكن بشرط أن يكون قد أداها عن نفسه أولا.

ويؤيد هذا ما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر،

فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، ‌أفأحج ‌عنه. قال: (نعم). وذلك في حجة الوداع.[البخاري]

وعن ‌ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت:

إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، ‌أفأحج ‌عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)[البخاري]

رأي الحنفية في الحج عن الغير

للحنفية رأي آخر في مسأل الحج عن الغير لمن لم يحج عن نفسه أولا، فقالوا بجواز أن يحج الإنسان عن غيره قبل أن يحج عن نفسه،

وأجابوا على حديث شبرمة أنه يحمل على الاستحباب، وأما حديث ابن عباس في المرأة الجثعمية والمرأة التي من جهينة فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسألهما هل حجا عن نفسهما أولا أم لا،

وإنما أجابهما بجواز الحج عن غيرهما، فدل ذلك على جوزا الحج عن الغير قبل أن يحج المسلم عن نفسه أولا.

لكن ذهب كثير من العلماء إلى أن حديث شبرمة حديث خاص وحديث ابن عباس حديث عام فيقدم الخاص لأنه لا يتعارض مع العام، وعليه فلا يحج أحد عن أحد حتى يحج عن نفسه أولا.

الاستطاعة لأداء فريضة الحج

يشترط لأداء فريضة الحج الاستطاعة، وهذه الاستطاعة تتحق بملك الزاد والراحلة، مدة سفر الحاج لأداء هذه الفريضة، وأن يترك لأهله ما يعينهم على الحياة فترة غيابه عنهم.

وأما إذا كان عاجزا عن الحركة وقادرا على أن يستنيب غيره استنابه لأداء الفريضة عنه وهذا ما يدل عليه حديث ابن عباس في المرأة الخثعمية والمرأة التي من جهينة.

قال ابن حجر: واستدل به على أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكية فقال: من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب،

وأجابوا عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب.

العبادات التي تدخلها النيابة

العبادات التي لا تدخلها النيابة هي العبادات البدنية كالصلاة فلا نيابة فيها بمعنى لا يؤديها أحد عن أحد.

أما الزكاة مثلا فهي ابتلاء بنقص المال وهذا يكون بالنفس وبالغير.

لكن الحج بينت الأحاديث الصحيحة جوزا النيابة فيه، لكن المالكية ذهبوا إلى أنه لا تدخل النيابة في الحج،

ونقل الطبري وغيره … بأن قياس الحج على الصلاة لا يصح لأن عبادة الحج مالية بدنية معا فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة ولهذا قال المازري:

من غلب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة، ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة