تحدثت الآيات من سورة مريم عن معاندة الكافرين ومجادلتهم لأنبيائهم وادعائهم أنهم سيكونون في الآخرة أحسن حالا من المؤمنين كما أنهم أحسن حالا في الدنيا من حيث كثرة المال والولد.
تفاخر المشركين بدنياهم
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣)
وإذا تتلى آيات الله الواضحات البينات التي عجزوا عن الإتيان بمثل أقصر سورة منها وأقروا بعجزهم عن الإتيان بمثله،
قال هؤلاء الكافرون وهم يتفاخرون بما لهم في هذه الدنيا من ترف العيش وكثرة الأموال والأولاد، وكثرة المؤيدين لهم في منتدياتهم ومجالسهم، أي الفريقين منا ومن المؤمنين خير من الآخر.
يتفاخرون بذلك على هؤلاء المؤمنين الفقراء، فهم لقصور عقولهم ظنوا أن من ملك حظوظ الدنيا سيكون هو الأحق بأن يملك حظوظ الآخرة.
هلاك الأمم السابقة
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)
رد الله على هؤلاء المشركين الذين تفاخروا بما لهم من حظوظ الدنيا أن الله أعطى من قبلهم من الأمم السابقة أكثر مما أعطاهم فكانوا أكثر مالا وأجمل صورة لكن مع ذلك لم تمنع حظوظ الدنيا التي كانوا يملكونها عنهم عذاب الله.
وإنما أهلكهم الله ونصر غيرهم من المؤمنين ممن كانوا أقل منهم في حظوظ الدنيا، فكما أهلك الله السابقين يهلك اللاحقين.
حال المؤمنين والكافرين عند رؤية العذاب
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (٧٥)
قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كان منا أو منكم على الضلالة فليمهله الرحمن وليدعه في ضلاله حتى يأتيهم ما يوعدون إما العذاب في الدنيا بالقتل والأسر وإما العذاب في الآخرة.
ففي وقت معاينتهم للعذاب ساعتها سيعرفون من هو شر منزلة عند الله وأقل أنصارا، هل المؤمنون أم الكافرون؟
الله يزيد المؤمنين هداية
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)
ويزيد الله عباده المؤمنين هداية وبصيرة واطمئنانا والأعمال الصالحة هي التي تبقى للإنسان في الآخرة وهي خير له من كل أموال الدنيا وكنوزها.
فالآخرة هي الشيء الذي ينفع الإنسان في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، وهي خير رجوعا إلى الله، فنعيم الآخرة دائم لا يزول ونعيم الدنيا زائل.
ظن الكافر أنه سينال خير في الآخرة
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)
نزلت هذ الآية وما بعدها في العاص بن وائل حيث قال الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- تعجب يا محمد فالاستفهام هنا للتعجب والإنكار، تعجب من حال هذا الكافر الذي كفر بالله واستهزأ بالبعث والنشور وادعى أنه سيكون في الآخرة صاحب مال كثير وأولاد.
عن خباب قال: كنت قينا في الجاهلية، وكان لي على العاص ابن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، قال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
فقلت: لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتى مالا وولدا فأقضيك.
فنزلت: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا. أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا)البخاري
رد الله على الكافرين
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨)
هل اطلع هذا الكافر على علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله فادعى أنه سيكون أكثر الناس مالا وولدا في الآخرة أم أن الله أعطاه عهدا بذلك من أجل ذلك هو يتكلم بثقة ويقين.
الكذب على الله سيزيد الكافر عذابا
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (٧٩)
الآية هنا رد على هذا الادعاء الذي ادعاه هذا الكافر وأمثاله وأسلوبها أسلوب ردع وزجر أي ليس الأمر كما سبق فلم يطلع على الغيب، ولم يعطه الله عهدا بأنه سيكون أكثر الناس مالا وولدا.
بل سيسجل الله عليه ضلاله هذا، وسيحاسبه عليه بالعذاب في نار جهنم، وسيطيل الله مكثه فيها جزاء على كذبه وافترائه على الله.
كل منا يأتي ربه فردا
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (٨٠)
ونرث هذا الكافر وما يتركه وراءه من مال وولد ويلقى الله فردا لا شفيع له ولا نصير ينصره من دون الله.
اتخاذا آلهة من دون الله
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)
واتخذ هؤلاء المشركون آلهة لهم من دون الله صنعوها بأيديهم يعتقدون أنها ستكون مصدر عز ولهم وشرف وقوة في الدنيا.
عداء الآلهة الباطلة لمن عبدوهم
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)
رد الله على هؤلاء الذين ظنوا أن هذه الآلهة ستكون لهم عزا وبين هنا في الآية بأسلوب الزجر والإنكار أن هذه الآلهة ستكون مصدر عداء لهم لأنها ستتبرأ من الألوهية التي ادعوها لهم، كما في قول الله: (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ).
إغواء الشاطين للكافرين
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)
ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على هؤلاء الكافرين توسوس وتزين لهم الكفر وتغريهم إغراء من باب الابتلاء لهم فاستجابوا لوسوستهم وانجرفوا وراءهم.
وهذا هو جزاء كل من يغمض عينه عن رؤية الحقائق الدالة على قدرة الله وعظمته، قال الله: (وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ).
مصير أهل الكفر
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)
فلا تتعجل يا محمد على هلاكهم بسبب كرهم وتماديهم في باطلهم إنما نعد لهم الأيام والأنفاس الباقية لهم في الدنيا ثم نأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
للاطلاع على المزيد:
- سورة مريم كاملة مكتوبة بالتشكيل
- سورة مريم نزولها وسبب تسميتها وموضوعاتها
- قصة مريم والمسيح عيسى ابن مريم من سورة مريم
- تابع قصة السيدة مريم ومواجهتها قومها بمولودها عيسى
- دعوة نبي الله إبراهيم لأبيه وقومه سورة مريم
- قصة موسى وإسماعيل وإدريس من سورة مريم
- حال المتقين والمجرمين في الآخرة، ومناقشة من يدعون لله ولدا
- تعرف على وصف الله لحال المؤمنين ومناقشة المنكرين للبعث
- قصة نبي الله زكريا ويحيى عليهما السلام من خلال سورة مريم
- موضوعات الجزء السادس عشر في سورة الكهف ومريم وطه