الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية بالقرآن ج 2
من الشبه التي يثيرها خصوم الإسلام وجود أخطاء في القرآن كبعض الآيات التي جاء الفاعل فيها منصوبا، ومعلوم أن الأصل في الفاعل يكون مرفوعا.
وقالوا بورود خبر المؤنث مذكرا، وجمع الضمير العائد على المثنى، وكل ما قالوه يبين حقيقة جهلهم بلغة العرب التي نزل القرآن بها.
شبهة نصب الفاعل
قال الله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
ظنوا وجد خطإ في “الظالمين” وقالوا: الصواب أن يكون “الظالمون” لأنه جمع مذكر سالم مرفوع بالواو لأنه فاعل.
الرد على شبهة نصب الفاعل
منشأ الخطأ عندهم أنهم ظنوا أن معنى الآية: “لا ينال الظالمون عهدي” وهذا خطأ، وإنما نظم الآية “لا ينال أو لا يشمل أو لا ينفع عهدي الظالمين”.
فـ “عهدي” هو الفاعل بضمة مقدرة على آخره، و “الظالمين” مفعول به منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
لن ينال الله لحومها
قال الله : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
في هذه الآية التي في سورة الحج نجد أن الأمر جاء فيها على عكس ما ورد في آية البقرة السابقة، حيث جاء في سورة البقرة الفعل وبعده الفاعل وبعده المفعول.
لكن هنا جاء الفعل، وبعده لفظ الجلالة وهو مفعول، وبعده الفاعل وهو لحومها، وترتيب الكلام لن ينال لحومها الله.
والمعنى: لن يصل إلى الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم أي يصل ثوابها إلى الله ما كان خالصا لله.
شبهة تذكير خبر المؤنث
قال الله: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
قالوا: إن “قريب” خبر اسم إن وهو “رحمة” وهي مؤنثة، وكان الصواب أن يكون الخبر مؤنثا، فيكون “قريبة”، فإن من قواعد النحاة أن يكون الخبر مطابقا للمبتدأ في التذكر والتأنيث.
الرد على شبهة تذكير خبر المؤنث
ذكر العلماء بضعة عشر وجها في تعليل ورود قريب مذكرا وهي خبر لمؤنث وهو الرحمة منها:
- إن “رحمة الله” مثل “الغفران” و “الرضوان” فلذلك جاء الخبر مذكرا وهو “قريب”.
- قالوا إن قريب صفحة لمحذوف والتقدير إن رحمة الله أمر أو شيء قريب.
- كلمة الرحمة مؤنثة تأنيثا مجازيا، فجاز في خبرها التأنيث والتذكير؛ لأن الرحمة بمعنى الثواب وهو مذكر.
شبهة جمع الضمير العائد على المثنى
قال الله: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ).
ورد في الآية المثنى وهو “هذان” و “خصمان” لكن جاء الضمير العائد عليهما جمعا في قول الله: “اختصموا” والصواب أن يكون “اختصما”.
الرد على شبهة جمع الضمير العائد على المثنى
الخصمان اللذان وردا في الآية ليسا فردين، وإنما كل منهما فريقا من الناس، فلما كان الفريقان كذلك جاء الضمير بالجمع ليشير إلى أنهما ليسا فردين وإنما هما فريقان.
ومثل هذا قول الله تعالى: (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) فجاء الضمير هنا بالجمع مراعاة للمعنى.
شبهة الإتيان باسم الموصول العائد على الجمع مفردا
قال الله تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ
وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
قال إن قول الله: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) فيه خطأ حيث كان الصواب أن يكون نص الآية “وخضتم كالذين خاضوا” بالإتيان باسم الموصول جمعا؛ لأنه عائد على جمع.
الرد على الشبهة
وجه العلماء هذه الآية بعدة توجيهات منها:
- أن المعنى كالذين خاضوا فخذفت نونه للتخفيف، كما في قول الشاعر: إن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد.
- يجوز أن يكون “الذي” صفة لمفرد اللفظ مجموع المعنى، كالفوج والفريق، فلوحظ في الصفة اللفظ، وفي الضمير المعنى، أو هو صفة لمصدر محذوف أي: كالخوض الذي خاضوه.
- وقيل اسم الموصول مفرد عائد على المصدر المفهوم من الفعل الماضي “خضتم” فشبه الله خوض المنافقين بخوض الذين من قبلهم.
واختار الإمام الشوكانى أن المعنى: ” كالخوض الذى خاضوا “، ومن قبله قال الإمام الزمخشرى: ” وخاضوا فخضتم كالذى خاضوا “.
شبهة الضمير العائد على المفرد جمعا
قال الله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ).
قالوا قول الله: “كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا” ..”ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ” وقالوا كان الصواب أن يكون النظم “ذهب الله بنوره”.
الرد على الشبهة
الذي في الاستعمال اللغوي لها استعمالان الأول: أن يكون بمعنى المفرد وهو الكثير الغالب.
والثاني: أن تكون بمعنى الجمع، والقرائن هي التي تفرق بينهما.
فالذي في الآية هنا بمعنى الفريق أو الجمع فهي تصف حال المنافقين وهم جماعة لذلك جاء الضمير هنا بالجمع.
وقيل إن الذي يطلق أحيانا ويكون بمعنى الذين، أو أن الذي أريد به جنس المستوقد لا مستوقد معين، فصار في معنى الجمع، أي جماعة من المستوقدين، وبذلك صح أن يعود عليه ضمير الجمع.