القرآن الكريم

الرد على شبهة وجود أخطاء نحوية في القرآن ج 1

نظر خصوم القرآن في آياته فظنوا أن به أخطاء نحوية وادعوا أنه مخالف لبدهيات النحو، وما قالوا ذلك إلا لقصور علمهم وعدم إدراكهم أسرار هذه اللغة التي نزل بها القرآن.

بطلان شبهة وجود أخطاء نحوية في القرآن

لو كان القرآن فيه تلك الأخطاء البدهية كما يقولون، لاكتشف ذلك العرب الجاهليون، وهم أرباب اللغة والبيان.

والقرآن طالما تحدى هؤلاء العرب صباحا ومساء أن يأتوا بمثل أقصر سورة من القرآن ومع ذلك ثبت عجزهم أمام هذا التحدي.

لذلك سأذكر بعضا من تلك الآيات التي تعرضوا لها وأبين بالدليل صحتها.

شبهة رفع المعطوف على المنصوب

ورد في قول الله تعالى في سورة المائدة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ‌وَالَّذِينَ ‌هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)المائدة

ادعوا أن الآية هنا بها خطأ نحوي في “الصابئون” وقالوا الصواب أن تكون “الصابئين” لأنها معطوفة على المنصوب بـ “إن” فإن “الذين” منصوبة بإن، والصابئون معطوفة على الذين.

وكان الصواب أن تكون منصوبة لأن المعطوف على المنصوب يكون منصوبا، أو أن المعطوف يتبع المعطوف عليه في الرفع والنصب والجر.

الرد على الشبهة

النحاة لهم تسع توجيهات لهذه الآية منها:

1 – قول جمهور نحاة البصرة أن “الصابئون” مرفوع على أنه مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه خبر ما قبله وهو قوله: “إن الذين آمنوا” ، قالوا : والنية تأخير “الصابئون” لآخر الكلام، والتقدير على هذا:

إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك.

وهذا له الكثير من شواهد الشعر مثل:

نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأى مختلف.

أي نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض، لكن تم حذف راضون لدلالة راض الثاني عليه.

وقد أيد هذا الرأي الزمخشري لأنه مذهب علماء البصرة وشيخهم سيبويه.

واللفتة البلاغية في هذا الرأي على هذا الترتيب حيث رتب الطوائف التي وردت في الآية على هذا النحو:

  •  الذين آمنوا
  •  الذين هادوا
  •  النصارى
  •  الصابئون

فالطوائف الثلاث الأولى بينها رابط وهو أن كل طائفة منهم يؤمنون بالله ولهم رسول، لكن الصابئة لا نبي لهم ولا رسول فهم منفردون عن الآخرون.

2 – “إن”  التي وردت في الآية ليست هي إن الناسخة التي تنصب اسمها وترفع خبرها وإنما هي بمعنى نعم، فلا تعمل في الجملة الاسمية لا رفعا ولا نصبا.

وعلى هذا فما بعدها يكون مرفوعا محلا، فالذين والنصابئون والنصارى مرفوعات، لكن لم تظهر علاة الرفع على “الذين” لأنها مبنية، ولم تظهر على “النصارى” لأنها اسم مقصور لا تظهر عليه علامات الإعراب،

وأما “الصابئون” فظهرت عليها علامة الإعراب لأنها جمع مذكر سالم مرفوع بالواو.

خلاصة الشبهة

مما سبق يتبين لنا أن الآية ليس فيها خطأ نحوي كما ادعى هؤلاء الخصوم وإنما الآية في غاية الصحة والبلاغة.

شبهة نصب المعطوف على المرفوع

في قول الله تعالى: (لَكِنِ ‌الرَّاسِخُونَ ‌فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا)

أورد خصوم القرآن في هذه الآية شبهة في قول الله : (والمقيمين الصلاة) حيث قالوا: إن المعطوفات جاءت كلها مرفوعة في “الرسخون” و “المؤمنون” و “المؤتون” و “المؤمنون”،

ومعلوم أن المعطوف يتبع المعطوف عليه رفعا ونصبا وجرا، لكن جاء لفظ “المقيمين” من بين هذه المعطوفات منصوبا بالياء، وكان الصواب أن يأتي مرفوعا كبقية المعطوفات فيكون “والمقيمون”.

الرد على الشبهة

لقد أظهر هؤلاء الخصوم بتلك الشبه التي يثيرونها قلة علمهم بفنون تلك اللغة التي نزل بها القرآن، فإن ما ذكروه من أن المعطوف يتبع المعطوف عليه في كل الأحوال صحيح لكنه ليس هو كل شيء وإنما هذا جزء من القاعدة.

فهناك قواعد أخرى في باب العطف وهي الاختصاص أو القطع، ومعنى الاختصاص “هو مخالفة إعراب كلمة لإعراب ما قبلها بقصد المدح كما فى هذه الآية، أو الذم”

ومعنى هذا أنه إذا كانت هناك معطوفات كثيرة وأدرت أن تخص واحدا من بين هذه المعطوفات لمزيد فضل له على غيره جاز لك أن تنبصه على المدح، فتكون كل المعطوفات مرفوعة ويأتي هذا المعطوف من بينها منصوبا؛ لمزيد فضل له على غيره.

وهذا ما حدث في الآية حيث جاء لفظ المقيمين بالنصب على المدح لمزيد فضل المقيمين للصلاة على غيرهم، حيث اشتملت الصلاة على الطهارة والنطق بالشهاديتن والخشوع وغير ذلك من المعاني التي اشتملت عليها الصلاة دون غيرها.

ومن الاختصاص أو القطع الذي يراد به الذم ما ورد في قول الله: (وامرأته حمالةَ الحطب) حيث جاءت حمالة بالنصب بعد المرفوع وهو امرأته ويقصد بهذا الاختصاص الذم.

وعلى هذا فالآية ليس فيها خطأ كما ادعوا وإنما في الآية فنون متنوعة من فنون اللغة وأسرارها التي غابت عن هؤلاء الذين ادعوا وجود خطا في الآية.

مواضيع ذات صلة