سورة النجم من السور المكية وآياتها ثنتان وستون آية، وهي السورة التي ورد فيها ذكر ليلة المعراج التي رأى فيها رسول الله آيات ربه الكبرى.
أول سورة أعلن النبي بقراءتها
سورة النجم هي أول سورة أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقراءتها، حيث قرأها بالحرم والمشركون يسمعون.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة (والنجم) قال: فسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسجد من خلفه إلا رجلا، رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافرا، وهو أمية بن خلف.البخاري
مناسبة سورة النجم للطور
لما ختم الله سورة الطور بقوله: (وإدبار النجوم) افتتح الله سورة النجم بقوله: (والنجم).
وبداية سورة النجم تؤكد على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يبلغه عن ربه من الوحي الذي أوحاه الله إليه.
وكأن بداية السورة ترد على ما نسبه له المشركون من الشعر والكهانة والجنون وأنه يختلق القرآن من عند نفسه مما ورد في سورة الطور.
الله يقسم بالنجم
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١)
أقسم الله بالنجم إذا سقط، أو إذا انقض على الشياطين الذين يسترقون السمع، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، ولا يقسم الله بشيء إلا إذا كان عظيما، وأما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بالله.
والمراد بالنجم هنا جنس النجوم التي زين الله بها السماء، والتي يهتدي الناس بها في ظلمات البر والبحر.
وفي الآية إشارة إلى تغلب النبي -صلى الله عليه وسلم- على الكفار الذين يعاندونه كما تقضي النجوم على الشياطين التي تحاول استراق السمع.
أقسم الله على هداية نبيه
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢)
أقسم الله بالنجم على أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- لم يحد عن طريق الهداية، ولم يبعد عن الحق، وما اعتقد شيئا باطلا بل هو في غاية الرشاد.
والتعبير بلفظ: صاحبكم. هو خطاب لكفار قريش ليرشدهم إلى أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو صاحبهم الذين يعاشرونه ويعرفون تفاصيل حياته فلا يخفى عليهم من أمره شيء.
والتعبير بلفظ الماضي في قول الله: (ما ضل) (وما غوى) لينفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سابقة غواية وضلال منذ نشأته فقد نشأ بين أعين المشركين، ومنذ أن اختاره الله لرسالته،
فكيف بعد أن أكرمه الله بالنبوة وصار في غاية الرشاد تتهمونه بأنه يتكلم عن هوى نفسه، وكأن الله يطلب منهم أن يتأملوا في قوة منطقه ورجاحة عقله؛ ليدركوا أن الحقيقة على خلاف ما يقولون.
النبي لا ينطق إلا بالوحي
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)
وما يتكلم رسول الله من هوى نفسه ورأيه الشخصي، وإنما يتكلم بوحي أوحاه الله إليه، والتعبير بلفظ المضارع في قول الله: (وما ينطق) يعبر عن الحال والاستقبال أي أنه لا ينطق في الحال ولن ينطق في الاستقبال عن هوى نفسه.
تعليم جبريل للنبي
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)
إن الذي علم رسول الله الوحي وهو القرآن، ملك شديد القوة وهو جبريل -عليه السلام- ومما يدل على قوة جبريل أنه اقتلع قرى قوم لوط على طرف جناحه ثم صعد بها إلى السماء ثم قلبها، وغير ذلك مما أنزله بالأمم المحاربة لله ولرسله.
صفة جبريل
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦)
ذو حصافة في عقله ومتانة في دينه، حتى ائتمنه الله على الوحي، فاستوى على صورته الحقيقة التي التي خلقه الله عليها، وقد كان من عادة جبريل أنه يتمثل في صورة بشر وهو دحية الكلبي عندما يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ظهور جبريل على حقيقته
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧)
لما كان جبريل بأفق السماء من جهة المشرق ظهر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عند غار حراء على صورته الحقيقية سادا ما بين المشرق والمغرب، فخر رسول الله مغشيا عليه،
فتصور جبريل في صورة آدمي وظل يقترب منه حتى مسح التراب عن وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذه هي المرة الأولى التي رأى فيها النبي جبريل على صورته الحقيقية في الأرض.
وأما التي كانت في السماء فكانت عند سدرة المنتهي وهي التي ستأتي في الآيات بعد ذلك في قول الله: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى).
عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة ، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟
قالت: من زعم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه، فقد أعظم على الله الفرية،
قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله -عز وجل-: (ولقد رآه بالأفق المبين)، (ولقد رآه نزلة أخرى)،
فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض،
فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}
أولم تسمع أن الله يقول: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}؟
قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)
قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)[مسلم]
قرب جبريل من النبي
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)
ثم اقترب جبريل من النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان على مقربة منه كما يكون بين القوسين العربيتين، وهذا كناية عن شدة القرب.
تعظيم ما أوحي للنبي
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠)
فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أمره الله بتليغه لرسوله، ولم يبين الله ما أوحى به للتفخيم والتعظيم.
عن زر في قول تعالى: (فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى). قال: أخبرنا عبد الله بن مسعود: (أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رأى جبريل له ستمائة جناح)[البخاري]
ثبات قلب النبي
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)
ما كذب قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رآه من صورة جبريل على حقيقته، بل عرفه بقلبه كما عرفه ببصره.
مجادلة المشركين للنبي
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢)
أفتجادلون أيها المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما رآه من رؤيته لجبريل على حقيقته.
وقيل: أفتمارونه على ما رآه في ليلة الإسراء والمعراج، والآيات تشير إلى أن المرئي هو جبريل -عليه السلام- بدليل الإشارة إليه مرتين، فتكلم عن رؤيته أولا على حقيقته في الأرض، ثم قال: (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) أي في السماء.
رؤية جبريل على حقيقته في السماء
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤)
ولقد رآى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل على صورته الحقيقة مرة أخرى في السماء وكان هذا عند سدرة المنتهى التي في السماء السابعة قرب العرش، وسميت بسدرة المنتهى لأنها ينتهي عندها علم جميع الخلائق.
عن مالك بن صعصعه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (…ورفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل، فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات…)[البخاري]
جنة المأوى عند سدرة المنتهى
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦)
أي عند سدة المنتهى الجنة التي يأوي إليها الملائكة وأرواح الشهداء والصالحين والمتقين، وقد رآى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليه السلام- وقت ما يغشى السدرة من العجائب الدالة على عظمة الله وقدرته.
تأدب النبي في حضرة المقام
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)
ما جال بصر النبي -صلى الله عليه وسلم- حوله يمينا ويسارا في هذا المقام وما تجاوز حدود ما أبيح له رؤيته.
وهذا يبين أدب النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يتجول ببصره يمينا ويسارا في هذا المقام العظيم.
رؤية الآيات ليلة المعراج
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)
لقدر أى محمد -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج بعضا من آيات ربه الكبرى، فرأى سدرة المنتهى، ورأى جبريل على صورته الحقيقة في السماء وله ستمائة جناح، ورأى البيت المعمور، ورأى الجنة والنار، ورأى بعضا من مشاهد المنعمين والمعذبين.
وهذه الآيات الكبرى التي نبه الله عليها هنا، هي الآيات التي نبه الله عليها في سورة الإسراء في أول آية منها حيث قال الله: (لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).
فالمرئي هو آيات الله وليس هو الله، ولو كان قد رأى ربه لكان الله قد أخبر عن ذلك ولكان هذا هو أعظم مشاهده.
للاطلاع على المزيد: