شرح حديث احفظ الله يحفظك

كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يهتم بتعليم الأبناء الصغار، فهذا هو عبد الله بن عباس ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه رسول الله درسا في العقيدة وهو غلام صغيرا.

نص حديث احفظ الله يحفظك

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما، فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات، ‌احفظ ‌الله ‌يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك،

إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك،

ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)[الترمذي]

احفظ الله يحفظك

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا غلام إني أعلمك كلمات، ‌احفظ ‌الله ‌يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)

بدأ النبي بقوله لابن عباس: (احفظ الله يحفظك) وحفظ الله معناه: أن يحفظ الإنسان حدود الله بأن يفعل الأوامر التي أمره الله بها، وأن ينتهي عما نهاه الله عنه.

فمن فعل ذلك كان من الحافظين لحدود الله، وقد مدح الله هؤلاء الذين يحفظون حدوده فقال: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).

فمن الحدود التي أمرنا الله بحفظها الصلاة حيث قال الله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى).

وأمرنا الله بحفظ أيماننا بألا نطلق لأنفسنا العنان فنحلف بالله ولا نلتزم بما أقسمنا عليه ولا نكفر عن هذه الأيمان، فقال الله: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ). وهناك غير ذلك الكثير مما أمرنا الله بحفظه.

وهناك مما أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظه الوضوء لأن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة فلا تقبل الصلاة إلا به.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على ‌الوضوء إلا ‌مؤمن).

فالمسلم ينبغي عليه أن يحفظ كل جوارحه فيحفظ لسانه ويحفظ فرجه ويحفظ سمعه وبصره وبطنه عن المحرمات؛ لأن الله مطلع عليه لا يغيب عنه شيء، قال الله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ).

فإذا حفظ الإنسان حدود الله حفظه الله وأصلح له دنياه، فإن هذه الأوامر التي أمره الله بها وهذه النواهي التي نهاه الله عنها إنما غايتها أن تحفظ الإنسان وأن تجلب له النفع في دنياه وأخراه.

قال بعض السلف: من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه والله الغني عنه.

احفظ الله تجده تجاهك

إذا حفظ المسلم حدود الله، وأدى ما أوجبه الله عليه، وانتهى عما نهاه عنه، كان الله معه في كل أحواله بالنصر والتأييد له، واشتشعر معية الله، قال الله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

وهذه المعية هي المعية التي عبر عنها نبي الله موسى لما وجد العدو من ورائه، والبحر أمامه، وأيقن قومه بالهلاك حتى قالوا: (إنا لمدركون) استشعر موسى معية الله فقال: (قَالَ ‌كَلَّا ‌إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).

فمن عامل الله بالتقوى في الرخاء عامله الله باللطف والإعانة في شدته.

سؤال الله والاستعانة به

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)

السؤال فيه نوع من الذل والمسكنة والحاجة، وهذا أمر ينبغي على الإنسان أن يتنزه عنه مع المخلوقين، لكن يفعله مع الخالق؛

لأننا جميعا فقراء إلى الله وبحاجة إليه، وليس هناك من يلبي لنا مرادنا ولا يقدر عليه إلا الله، لذلك كان الإمام أحمد يدعو الله ويقول: “اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك”.

فليس هناك من يقدر على جلب النفع ودفع الضر إلا الله، قال الله تعالى: (وَإِنْ ‌يَمْسَسْكَ ‌اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

ولما كان الإنسان عاجزا عن أن يستقل بمصالح نفسه كان في حاجة للاستعانة بربه، فليس هناك من يقدر على إعانته إلا الله.

فالمعان هو من أعانه الله، والمخذول هو من خذله الله، فمن ترك الاستعانة بربه وكله الله إلى من استعان به فصار مخذولا.

من أجل ذلك أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاستعانة بالله في كل أمورنا فقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير،

احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ‌ولا ‌تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)[مسلم]

وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بسؤال الله والاستعانة به يتوافق مع قول الله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

فالسؤال معناه الدعاء وقد أمرنا الله بدعائه فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

لا يملك النفع والضر إلا الله

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.

ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)

اعلم أن مقادير الأمور كلها بيد الله وليست بيد أحد سواه، واعلم أن الله هو الذي يملك النفع وهو الذي يملك الضر وهو الذي يعطي وهو الذي يمنع.

وليس هناك من يتحكم في الكون إلا الله، وأن كل شيء يقع في كون الله إنما هو على مراد الله.

قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).

فتضرعوا إلى الله بالدعاء وتقديم طاعته على طاعة خلقه، وسؤاله والاستعانة به في حال رخائكم وشدتكم ولا تكونوا كهؤلاء المشركون الذين كانوا ينسون الله في الرخاء ويتذكرونه في الشدة فما نفعهم ذلك أبدا.

قال الله: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ‌لَئِنْ ‌أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)

رفعت الأقلام وجفت الصحف

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)

هذا القول من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه تأكيد على ما سبق من الكلام من أن مقادير الأمور كلها بيد الله.

وهذا تعبير يفيد أن الأقدار كلها مكتوبة عند الله في اللوح المحفوظ، وجفاف الصحف تعبير عن الفراغ من كتابة ما قدره الله على العباد كما يفرغ الكاتب من كتابته ولا يحتاج لتعديل في كتابه.

وما كتبه الله على العباد ليس فيه إلزام بفعل ما كتبه عليهم إنما هذا ما علمه الله من أن الإنسان إذا خلقه الله سيفعل هذا المكتوب عليه؛

لأن علم الله علم إحاطة وانكشاف ولا يتخلف أبدا، والأصل أن الإنسان يعمل ما أمره الله به، فلست تدري هل كتب الله عليك الشقاء أم السعادة، وإنما أعطاك الله العقل الذي تميز به بين الحق والباطل.

للاطلاع على المزيد:

Exit mobile version