المقصود بالإسراء هو السير ليلا، وقد بدأت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأما المعراج فمعناه الصعود حيث عرج برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفس الليلة إلى السماوات العلى.
سبب الإسراء والمعراج
في عام واحد فقد النبي -صلى الله عليه وسلم- أكبر نصيرين له هما: عمه أبو طالب، وكان نصيرا له بين قريش.
وزوجته خديجة، التي كانت تطمئنه وتسكن قلبه.
واشتد أذى المشركين له في مكة فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبحث عن أناس آخرين في أرض أخرى لعلهم يقبلون دين الله، فقلوب أهل مكة صارت أقسى من الحجارة.
فذهب إلى الطائف لكن أهلها كانوا أضل من أهل مكة، حيث أغروا به سفهاءهم، وعبيدهم، فأدموا عقب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ورجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهموما لم يستطع أن يدخل مكة إلا في جوار المطعم بن عدي، فلما رأى الله تنكر أهل الأرض لنبيه أراد الله أن يعوضه عن جفاء أهل الأرض فصنع له تلك الرحلة كتكريم لحق نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
متى كانت رحلة الإسراء والمعراج؟
ذهب الكثير من العلماء إلى أن رحلة الإسراء والمعراج كانت قبل الهجرة بسنة، وقيل : كانت قبل الهجرة بسنتين.
وأما الشهر الذي كانت فيه رحلة الإسراء والمعراج فالذي عليه المحققون من العلماء أنها كانت في شهر ربيع الأول.
وقيل : في ربيع الآخر، وقيل: في رجب وهذا هو المشهور بين الناس.
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية عن جابر وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا: “ولد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر”.
ثم قال: «وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته، وقد أورد هنا حديثا لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين منه والله أعلم». السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة
الدليل على رحلتي الإسراء والمعراج
ورد ذكر رحلة الإسراء في سورة الإسراء في قول الله: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وورد ذكر المعراج في سورة النجم في قول الله: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى).
والمرئي هنا في الآية هو جبريل -عليه السلام- فقد رآه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها مرتين:
الأولى: عقب انقطاع الوحي عنه فترة عندما كان نازلا من غار حراء حيث رآه على صورته وله ستمائة جناح،
والثانية: ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وهو المشار إليه في قول الله: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى).
حديث الإسراء والمعراج
أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان راكبا على البراق ومعه جبريل -عليه السلام- وصلى بالأنبياء هناك.
ثم عرج به في تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، ثم منها إلى سدرة المنتهى، وتفصيل ما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورد في الحديث الذي رواه البخاري
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ليلة أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مسجد الكعبة: أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة.
فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، -أي لم ير أولئك الذين أتوه قبل الوحي مدة طويلة، حتى جاؤوه ليلة الإسراء والمعراج، وكان من أمرهم ما كان- فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم،
فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه،
ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشي به صدره ولغاديده، يعني عروق حلقه، ثم أطبقه.
ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم،
فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان،
فقال: (ما هذان النهران يا جبريل). قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو أمسك أذفر، قال: (ما هذا يا جبريل). قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك،
ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا مرحبا به وأهلا،
ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية،
ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك،
ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا مثل ذلك،
ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك،
ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم،
فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله،
فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع علي أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى،
فأوحى الله فيما أوحى إليه: خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: (عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة).
قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت،
فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه: (يا رب خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا).
فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال:
يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك،
كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال:
(يا رب إن أمتي ضعفاء، أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا).
فقال الجبار: يا محمد، قال: (لبيك وسعديك). قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب،
قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟
فقال: (خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها). قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه). قال: فاهبط باسم الله، قال: واستيقظ وهو في مسجد الحرام.
الألفاظ المنكرة في حدث أنس
أنكر بعض العلماء بعض الألفاظ التي وردت في حديث أنس رضي الله عنه وقالوا بأن الخطأ كان من شريك بن عبد الله لأنه أحيانا ياتي بألفاظ منكرة.
قال الإمام الخطابي:
إنما سردنا هذه القصة بطولها، ولم نختصر موضع الحاجة منها لبشاعة ماوقع فيها من الكلام الذي لا يليق بصفة الله تعالى، ولا ينبغي لمسلم أن يعتقده على ظاهره،
وهو قوله: “ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى”، وذلك أن هذا يوجب تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما،
هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي يعلو من فوق إلى أسفل، فمن لم يبلغه من هذا الحديث إلا الفصل مقطوعا عن غيره ولم يعتبره بأول القصة وآخرها اشتبه عليه وجه الحديث ومعناه،
وكان قصاراه إما رد الحديث على وجهه، وإما حمله على أسوأ ما يكون من التأويل الذي هو عين التشبيه، وكلاهما خطتان مرغوب عنهما،
… ثم إن القصة بطولها إنما هي حكاية يحكيها أنس بن مالك ويخبر عنها من تلقاء نفسه لم يعزها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا رواها عنه ولا أضافها إلى قوله،
فحاصل الأمر في التدلي وإطلاق اللفظ على الوجه الذي تضمنه الخبر أنه رأي إما أنس بن مالك، وإما راويه شريك بن عبدالله بن أي نمر، فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ في مثل هذه الأحاديث إذا رواها من حيث لا يتابعه عليه سائر الرواة،
وأيهما صح هذا القول عنه وأضيف إليه فقد خالفه فيه عامة السلف المتقدمين والعلماء وأهل التفسير والتأويل منهم ومن المتأخرين. أعلام الحديث شرح صحيح البخاري
هل الإسراء بالروح أم بالجسد أم بهما معا؟
كان الإسراء والمعراج بالروج والجسد معا فلم يكن الإسراء رؤيا منامية رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نومه، ولم تكن بروحه فقط وإنما كانت بالروح والجسد معا.
ويوجد أدلة عديدة على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معا، وأول هذه الأدلة قول الله تعالى:
(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) فعبر بلفطة العبد، ولا تطلق لفظة العبد على الروح وحدها وإنما تطلق على الروح والجسد معا.
لو كانت رحلة الإسراء والمعراج مناما لما استنكر المشركون على النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رآه ولما ارتد بعض ضعاف الإيمان ولما ظهرت فضيلة أبي بكر عندما كان أول المصدقين إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال هذا القول؛
لأن الروح في المنام لا حدود لها فلا يستنكر على أحد أنه رأى في منامه شيئا مما كان عجيبا، لكن كل هذا يؤكد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يخبرهم عن شيء حدث له بروحه وجسده.
وهذا دفع المشركين ليطلبوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصف لهم هذا المسجد الأقصى وكانوا قد ذهبوا إليه قبل ذلك ليتأكدوا من صدقه فيما يقول.
عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لما كذبني قريش، قمت في الحجر، فجلا الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه)[البخاري]
حقيقة قول عائشة في الإسراء
أما ما ورد من قول عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما فقدت جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن أسري بروحه. فهذا لم يثبت صحته، ودليل ضعفه واضح ظاهر، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يدخل بعائشة إلا في المدينة ورحلة الإسراء والمعراج كانت بمكة.
القائلون بأن رحلة الإسراء كان مناما
هناك من استدل على أن رحلة الإسراء والمعراج كانت مناما بقول الله: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) فقالوا: الرؤيا تطلق على الرؤيا المنامية، وهذا يعني أنها كانت منامية.
والجواب على ذلك أن كلمة الرؤيا في لغة العرب تطلق على الرؤيا المنامية والبصرية معا كما في قول العرب:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده * وبشر قلبا كان جما بلابله
وفسر ابن عباس الرؤيا في الآية على أنها الرؤيا البصرية؛ ليؤكد على أن كل ما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المشاهد في تلك الرحلة إنما هي رؤيا حقيقية بالروح والجسد معا.
روى البخاري في صححيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس). قال: هي رؤيا عين، أريها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به إلى بيت المقدس. قال: (والشجرة الملعونة في القرآن). قال: هي شجرة الزقوم.
ما العجيب في الإسراء والمعراج
لا غرابة في رحلة الإسراء والمعراج؛ لأنها ليست من صنع النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هي من صنع الله لنبيه، فالأمر هنا ليس منسوبا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو منسوب لله، والأمر إذا نسب لله فلا غرابة في قدرته فالله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، حيث قال الله: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا).
للاطلاع على المزيد: