اشتملت هذه الآيات من سورة الملك على توبيخ للكافرين وتذكير لهم بسوق الرزق لهم، وضرب الله مثلا للكافر والمؤمن، ثم ذكرهم الله بما وهبه لهم من نعم السمع والبصر والقلب، وذكرهم بالحشر وقيام الساعة.
توبيخ الكافرين
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠)
هنا وبخ الله المشركين على عبادتهم أصنام وأحجار لا تنفع ولا تضر، حيث قال لهم: من هذا الذي يستطيع أن ينصركم من الله إن أنزل الله بكم بأسه وعذابه،
فما هؤلاء المشركون في عبادتهم لتلك الآلهة المزعومة إلا في جهل عظيم وضلال مبين.
هل هناك رازق غير الله
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١)
ومن هذا الذي يقدر على أن يجلب لكم الرزق إن أراد الله منعه عنكم، بل تمادى هؤلاء المشركون في طغيانهم وأصروا على العصيان دون أن يستجيبوا لنداء العقل والإيمان.
مثل المؤمن والكافر
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)
هل من يمشي منكسا رأسه كالأعمى لا يبصر أمامه فتراه يتخبط في سيره، أهدى في الوصول لطريقه، أم من يمشي منتصب القامة مبصرا طريقه لا يتعثر في سيره.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر يعيش على غير منهج فمنهجه الذي يتبعه هو هواه، وأما المؤمن فيسير على منهج واضح وهو منهج الله الذي يعلم السر وأخفى.
تذكير المشركين بنعم الله
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٢٣)
هنا ذكر الله بنعمه الجليلة ليدرك المشركون قبح ما هم عليه من الكفر بالله، الذي وهبهم تلك النعم حيث أمر الله نبيه أن يذكرهم بأن الله هو الذي أوجدهم من العدم، وأنعم عليهم بنعم السمع والبصر والقلب الذي هو محل التعقل.
وخص الله هذه الجوارح بالذكر دون غيرها؛ لأنها أدوات الفهم والإدراك قلما يشكر هؤلاء المشركون ربهم على تلك النعم التي لا تعد ولا تحصى.
الله خلقنا وإليه مردنا
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
قل لهؤلاء المشركين يا محمد: الله هو الذي خلقكم وكثركم في الأرض وإلى الله وحده مرجعكم ومآلكم للحساب على قدمتموه في دنياكم.
استهزاء المشركين بيوم الحساب
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)
ويقول هؤلاء المشركون: متى يكون الحشر والجزاء على الأعمال الذي تعدوننا به؟ إن كنتم صادقين في أمر البعث والحساب، قال المشركون ذلك على سبيل الاستهزاء.
علم وقت الساعة عند الله
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦)
قل لهم يا محمد: علم وقت قيام الساعة، ووقت العذاب الذي سينزل بكم عند الله لا يعلمه غيره، وما أنا إلا رسول مرسل من الله أخوفكم من عذاب الله؛ لأن الله هو الذي أمرني أن أبلغكم حتى لا تكون لكم حجة على الله.
حال المشركين عند نزول العذاب عليهم
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧)
أخبر الله عن حال المشركون عند نزول العذاب عليهم، فأخبر بأنهم لما رأوا العذاب قريبا منهم وعاينوا أهوال القيامة ظهرت على وجوههم آثار الاستياء،
فظهر على وجوههم الكآبة والحزن والهم والغم، وعلاهم الذل والانكسار، وقالت لهم ملائكة العذاب موبخين لهم: هذا هو العذاب الذي كنتم تطلبونه في الدنيا وتستعجلون نزوله عليكم .
المشركون يتمنون موت النبي ومن معه
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٨)
قل يا محمد لهؤلاء المشركون: أخبروني إن أماتني الله، وأمات من معي من المؤمنين، أو رحمنا، بتأخير موتنا فمن الذي يحميكم أنتم من عذاب الله الأليم.
قال المفسرون : كان الكفار يتمنون هلاك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- والمسلمين، فأمره الله أن يقول لهم:
إِن أهلكني الله بالإِماتة وأهلك من معي، فأي راحةٍ وأي منفعة لكم فيه، ومن الذي يجيركم من عذاب الله إِذا نزل بكم؟ هل تظنون أن الأصنام تخلصكم وتنقذكم من العذاب الأليم؟
أمنا بالله وعليه توكلنا
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٩)
قل لهم يا محمد: هو الله الواحد الأحد آمنا به وعليه اعتمدنا في جميع أمورنا، فسوف تعلمون عن قريب من هو في الضلالة نحن أم أنتم.
من يخرج لكم الماء من الأرض؟
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)
قل لهم يا محمد: أخبروني إن أصبح الماء الذي تحتاجونه لشربكم وشرب دوابكم وزروعكم غائبا في أعماق الأرض بحيث لا تستطيعون إخراجه،
فمن الذي يقدر على إخراجه لكم ثانيا من الأرض ليعود جاريا على سطح الأرض لشربكم وشرب دوابكم وثماركم،
لا أحد يقدر على ذلك إلا الله، فلماذا تعبدون تلك الأصنام والأوثان التي لا تستطيع أن تجلب لنفسها نفعا، ولا أن تدفع عن نفسها ضرا.
للاطلاع على المزيد: