العلاج بالرقية الشرعية بالقرآن ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فتجوز الرقية بأي شيء من القرآن؛ لأن الله جعل فيه الشفاء فقال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).
الأمر بالاسترقاء من العين
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو: أمر، أن يسترقى من العين)[البخاري]
فهذا الحديث يستدل به على جواز أن يطلب الإنسان الرقية بسبب ما وقع له من العين.
ومما يدل على جواز الرقية من العين أيضا ما روي عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: (استرقوا لها، فإن بها النظرة) [البخاري]
فهذه الجارية الصغيرة كان بها صفرة وشحوب في لون وجهها فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بها النظرة أي أصابتها العين.
أي فإن بها إصابة عين من الجن، فالعين قد تكون من الجن وقد تكون من الإنس، وهذا الحديث فيه التصريح بأن من أصابته عين من الإنس أو الجن يستحب له أن يرقى عليه.
الرقية الشرعية من المس أو العين
الرقية الشرعية أحيانا تكون نافعة من المس أو من العين التي تصيب الإنسان، أو من الحمة وهي ما يصيب الإنسان من الهوام ذات السم كالحية والعقرب أو من النملة.
عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: (لا رقية إلا من عين أو حمة)[البخاري]
قال الإمام الخطابي: الحمة سم ذوات السموم وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور حمة؛ وذلك لأنها مجرى السم.
وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض والأوجاع؛ لأنه قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به.
وقال للشفاء علمي حفصة رقية النملة، وإنما معناه أنه لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم وهذا كما قيل: لا فتى إلاّ علي ولا سيف إلاّ ذو الفقار.
بعض الأجسام عرضة للإصابة بالعين أكثر من غيرها
عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال: (نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين)[الترمذي]
والحديث فيه دليل على جواز الرقية من مس الجن أو من إصابة العين، وأن الرقية تجوز بما في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتجوز بما ليس فيهما لكن بشرط ألا تكون الرقية فيها شيء مخالف لما في القرآن والسنة وصحيح الاعتقاد.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الرقية مما يستدفع بها البلاء إذا أذن الله بذلك.
فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: (رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل حزم في رقية الحية) وقال لأسماء بنت عميس: (ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة!)
قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم. قال: (ارقيهم). قالت: فعرضت عليه، فقال:(ارقيهم)[مسلم]
وهنا يتكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبناء جعفر وأن أجسامهم نحيفة فسأل هل هم في حاجة إلى الطعام والشراب، فأخبرته أسماء بنت عميس أنهم تصيبهم العين أسرع من غيرهم فأمرها أن ترقيهم.
وفي الحديث دليل على أن العين تؤثر في قوم أكثر من آخرين، لكن لابد وأن نعلم أن تأثير العين لا يكون إلا بأمر الله، وذلك لأن بعض الناس صاروا يبالغون في أمر الحسد ويخافون منه وكأن القدر مرتبط به فيخافون منه لذاته، وهذا خطأ فالمسلم ينبغي أن يعلم أن كل شيء لا يؤثر إلا بأمر الله، وأن يعلم أن التحصن بذكر الله هو الباب المنيع الذي يدفع عنه الشرور.
الرقية الشرعية للأطفال
عن ابن عباس رضي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يعوذ الحسن والحسين، ويقول:
(إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة)[البخاري]
التعويذ هو الالتجاء إلى الله والاستجارة به من شر كل ذي شر، والمراد بكلمات الله التامة أي الكاملة في فضلها وبركتها ونفعها.
والمراد بالهامة هي كل حشرة ذات سم، أو كل مخلوق يصل أذاه إلي.
والعين اللامة هي التي تصيب الإنسان بسوء وتجمع عليه الشرور.
الرقية الشرعية من الصرع
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال:
(إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك). فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.[البخاري].
فهذه المرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكي له أنها تصرع أي تسقط على الأرض فجأة وربما هذا يكون أمام الرجال فتنكشف سوءتها،
فخيرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أن يدعو لها أو أن تصبر ولها الجنة فاختارت أن تصبر، لكنها ذكرت أنها تتكشف أي أنها إذا أصابها الصرع ربما تسقط وتنشكف عورتها أمام الرجال وهي لا تشعر، فالمرأة العربية أعز شيء عندها شرفها، فطلبت أن يدعو لها ألا تتكشف فدعا لها رسول الله.
وهذه المرأة تسمى بأم زفر وكانت ماشطة لخديجة -رضي الله عنها- وكانت عجوزا تزور النبي -صلى الله عليه وسلم- في زمن خديجة، فكانت تأتي رسول الله بعد موت خديجة فيكرمها من أجل خديجة.
الصرع علة تصيب الإنسان وله سببان
أحدهما: احتباس الريح في منافذ الدماغ يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يستطيع الشخص أن ينتصب فيسقط على الأرض.
والسبب الثاني: قد يكون هذا الصرع بإيذاء من النفوس الخبيثة من الجن.
وهذا الحديث يستفاد منه أمور منها:
1 – الصبر على الابتلاء يورث الجنة.
2 – الأخذ بالأسباب أفضل لمن وجد في نفسه القدرة على ذلك.
3 – علاج بعض الأمراض قد يكون بالدعاء والتوجه إلى الله، فبعض الأمراض قد يؤثر فيها العلاج بالدعاء أكثر من العلاج بالعقاقير.