خطبة الجمعة فضلها وأهميتها وفضيلة يوم الجمعة
يوم الجمعة له منزلة عالية في الإسلام، فقد وردت أحاديث صحيحة تدل على تميزه واختصاصه بخصائص عديدة.
نحن الآخرون السابقون يوم القيامة
ورد في صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ؛ الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ)(رواه البخاري ومسلم).
في هذا الحديث يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض فضائل أمته على الأمم السابقة، فيخبر أنه وأمته هم الآخرون في الزمان؛ ولكنهم السابقون في الفضل والفضيلة يوم القيامة على الأمم السابقة من أهل الكتاب، بحيث يكونون بعدها في الحساب والقضاء ودخول الجنة.
ثم يشير -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بأنهم أوتوا التوراة والإنجيل من قبلنا، وأننا أوتينا القرآن الكريم من بعدهم.
ثم أشار -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الجمعة، وأن هذا اليوم اختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا، حيث عظمت اليهود السبت للفراغ من الخلق، وظنت ذلك فضيلة توجب عظم اليوم، وعظمت النصارى الأحد؛ لما كان ابتداء الخلق فيه، فهدانا الله إلى يوم الجمعة.
أهمية خطبة الجمعة
خطبة الجمعة من أجلِّ وأسمى وأهم مجالات الدعوة إلى الله -عز وجل- فحضورها والإنصات لها واجب، ويحضرها من لا يحضر الدروس والمحاضرات، ويحضرها من لا يقرأ الكتاب، ولا يسمع الشريط، بل يحضرها من قد لا يصلي الصلوات الخمس مع الجماعة، فأهم جمهور، وأهم المستمعين لقضايا الدعوة هم المصلون يوم الجمعة.
وليس خافيا على أحد أفضلية يوم الجمعة، واختصاص هذه الأمة به، وانتظار الناس للخطيب، والتطلع للخطبة، وتبدو أهمية الخطبة لعدة أمور منها:
1 -أن المسلم مأمور بالسعي لصلاة الجمعة، وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه الإنصات للخطيب، ولا يجوز الكلام أثناء الخطبة.
2 – ومن أهمية خطبة الجمعة تكرارها كل أسبوع، مما يدل على أهميتها، وضرورة العناية بها من قبل الخطيب والسامعين.
3 – يجتمع للخطباء قطاع عريض من الناس، واجتماعهم ومخاطبتهم فرصة لا يتوفر سماعهم وإنصاتهم في غيرها.
4 – خطبة الجمعة أسبوعية، ولذا ينبغي أن يتوفر لها من الصدق والتأثير ما يكون زادا للمخاطبين حتى الخطبة التي تليها، والخطيب متحدث باسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتلك مهمة عظيمة تعاظم من مسؤولية الخطيب.
عوامل تأثير الخطبة في السامعين
لا شك أن توفيق الخطيب ونجاحه في خطبته فضل كبير من الله تعالى، ويمكن أن تلمس عوامل تأثير الخطبة في السامعين في الصدق في القول، والإخلاص في العمل، واختيار الموضوع المناسب، وأسلوب الإلقاء، واختيار العبارات المؤثرة، وسعة ثقافة الخطيب، واطلاعه المستمر على كل جديد.
خطبة الجمعة في القرآن الكريم
في كتاب الله عز وجل سورة تسمى سورة الجمعة، وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ثلاث آيات تدور حول الجمعة، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9].
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا نادى المؤذن للصلاة في يوم الجمعة، فامضوا إلى سماع الخطبة وأداء الصلاة، واتركوا البيع، وكذلك الشراء وجميع ما يشغلكم عنها، ذلك الذي أمرتم به خير لكم؛ لما فيه من غفران ذنوبكم ومثوبة الله لكم، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم فافعلوا ذلك، وفي الآية دليل على وجوب حضور الجمعة واستماع الخطبة. [التفسير الميسر: 554].
ويقول تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10]
فإذا سمعتم الخطبة، وأدَّيتم الصلاة، فانتشروا في الأرض، واطلبوا من رزق الله بسعيكم، واذكروا الله كثيرا في جميع أحوالكم؛ لعلكم تفوزون بخيري الدنيا والآخرة. [التفسير الميسر: 554].
ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجمعة:11].
إذا رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها تفرقوا إليها، وتركوك أيها النبي قائما على المنبر تخطب، قل لهم أيها النبي: ما عند الله من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة، والله وحده خير مَن رزق وأعطى، فاطلبوا منه، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة. [التفسير الميسر: 554].
أول جمعة في المدينة
أول جمعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، كانت عندما هاجر إلى المدنية، أقام بقباء من يوم الإثنين إلى يوم الخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم، قد اتخذ القوم في ذلك الوادي مسجدا، فجمع بهم وخطب، وهي أول خطبة خطبها في المدينة.
صفة خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم-
اختص النبي -صلى الله عليه وسلم- بجوامع الكلم، فكانت أحاديثه وخطبه تمتاز بسهولة الألفاظ، وبالعبارات القليلة، التي تجمع المعاني العظيمة، وكانت خطبه تتسم بالقصر دون الطول،
فَقِصَر الخطبة علامة على فقه الرجل؛ لكونه مطلعا على جوامع الألفاظ، فهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك هو الاعتدال في خطبته، بين التطويل الممل، والتقصير المخل،
قال -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَأقْصِرُوا الخُطْبَةَ، فَإِنَّ مِنَ البَيانِ سِحْرًا)(رواه مسلم)،
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-، قال: (كُنْتُ أصَلِّي مَعَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَوَاتِ، فَكَانتْ صَلاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) (رواه مسلم).
وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في إلقاء الخطبة، أنه إذا اعتلا المنبر استقبل الناس وسلم عليهم، ثم يجلس، ويقوم ويفتتح خطبته بالحمد والثناء على الله سبحانه والتشهد، ثم يذكر الناس بنعم الله عليهم.
وكان ينتقي في خطبه جوامع الكلم، فيعلم أصحابه قواعد الإسلام، وكان يوصيهم بما يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى ما أعده لهم من النعيم المقيم في جنته، وينهاهم عما يقربهم من سخطه وناره، وكانت خطبه عليه الصلاة والسلام لا تخلو من الآيات القرآنية، وكان دائما يضمن خطبه آيات التقوى، وصح عنه أنه كان يخطب بالقرآن الكريم، حتى قرأ ذات مرة سورة (ق) كاملة على المنبر.
عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ: (مَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ. إِذَا خَطَبَ النَّاسَ) (رواه مسلم).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- يراعي أحوال الناس في خطبته، فتارة يقصر في الخطبة وهو الغالب، وتارة أخرى يطيل الخطبة عند حاجة الناس.
وكان من كمال هديه -صلى الله عليه وسلم- أثناء الخطبة، أنه ربما قطعها لحاجة، كإرشاد لأمر معين، أو توجيه أو نصح لمخالف، ثم إن من هديه -صلى الله عليه وسلم- في خطبه أنه كان يخطب بخطبتين يجلس بينهما، ولا يتكلم في هذا الجلوس.
وكان إذا انتهى من الخطبة دعا للمؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، ثم ينهي خطبته بالاستغفار.
وكان عليه الصلاة والسلام لا يقتصر على إلقاء الخطبة في يوم الجمعة، بل كانت له خطب في يومي العيدين والاستسقاء، وربما خطب الناس في غير تلك المواطن بحسب الحاجة والمصلحة.
الاستماع إلى خطبة الجمعة
لأهمية خطبة الجمعة شرع الإنصات لها، وورد النهي عن الكلام والعبث أثناء خطبة الجمعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً،
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) [متفق عليه].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ، فَقَدْ لَغَوْتَ) [متفق عليه]، واللغو: ما لا يحسن من الكلام، ولغوت: أي أبطلت فضيلة جمعتك.
تخطي رقاب الناس والإمام يخطب
نظرا لما تحمله الخطبة من أهمية، فقد ورد النهي في السنة المطهرة عن تخطي رقاب الناس والإمام يخطب؛ لما فيه من إشغال الناس بتخطي رقابهم، مما يصرفهم عن الاستماع والاستفادة والاتعاظ.
فعن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: (جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ)[رواه أبو داود] وصححه الألباني.
النوم حال الاستماع لخطبة الخطبة
بعض المسلمين قد يأتيه النوم وقت الخطبة، ومما لا شك فيه أن ذلك من الشيطان؛ لأنه حريص على إبعاد المسلم عن الاستفادة، ومن الأفضل أن يتحرك المسلم من مكانه،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ)[رواه أبو داود والترمذي].
تحية المسجد حال الخطبة أو الأذان
السنة عند دخول المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ولو كان الإمام يخطب؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) [متفق عليه].
وتحية المسجد واجبة، وهذا الحكم يشمل الداخل أثناء الخطبة.
فالخلاصة أن خطبة الجمعة لا تمنع الداخل من أداء تحية المسجد، ولكن لتكن خفيفة، ولو دخل أثناء الآذان فليركع التحية.
هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب
السنة أن من يتولى الخطبة يتولى الصلاة كذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتولاهما بنفسه، وكذلك خلفاؤه من بعده، وإن خطب رجل وصلى آخر لعذر، جاز ذلك.
سجود التلاوة والإمام يخطب الجمعة
قال العلماء إن شاء سجد، وإن ترك السجود فلا حرج، فعله عمر وترك، على أن سجود التلاوة ليس بواجب في الأصل.
الشعر في خطبة الجمعة
إنشاء الشعر الحق الطيب في الخطب، والمواعظ والمحاضرات، وخطب الجمعة والأعياد، مما يحث على مكارم الأخلاق، والجهاد في سبيل الله، أمر مشروع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً)[رواه البخاري]،
وَعَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى اغْبَرَّ بَطْنُهُ ، يَقُولُ:
وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا | وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا | |
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا | وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا | |
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا | إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا |
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا أَبَيْنَا)) [متفق عليه].
ترجمة الخطبة باللغة التي يعرفها المصلون
يجوز ترجمة الخطب، إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظرا للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية، ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها.
للاطلاع على المزيد: