قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام الجزء الرابع
في قصة يعقوب ويوسف -عليهما السلام- تحكي لنا الأحداث أثناء رجوع الأبناء بقميص أخيهم يوسف –عليه السلام- هاجت الريح وهم في طريقهم إلى أبيهم فجاءت بريح قميص يوسف ليعقوب.
وصف القرآن لريح قميص يوسف
عبر عن عن ريح قميص يوسف فقال الله: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أي لولا أن تنسبوني إلى فساد الرأي وضعف العقل.
مدة الفراق ورجوع بصر يعقوب
مدة الفراق بين يوسف وأبيه يعقوب –عليهما السلام- كانت كبيرة فقيل: اثنى عشر عاما، وقيل: أربعين، وبالرغم من طول المدة إلا أن يعقوب شم ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.
فلما أن جاء البشير وألقى القميص على وجه يعقوب رجع بصره من فوره بعد ما كان ضريرا وقال لبنيه: ألم أخبركم أن الله سيجمع شملي بيوسف وستقر عيني به، وسيريني فيه ما يسرني، وعند ذلك طلبوا من أبيهم أن يستغفر الله لهم عما فعلوا،
ولما كان في نيتهم التوبة وفقهم الله للاستغفار، فأجابهم أبوهم بأنه سيطلب من الله المغفرة لهم، قال الله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
يعقوب يرتحل بأبنائه إلى مصر
ارتحل يعقوب ومعه بنوه وأحفاده الذين بلغوا سبعين نفسا ليلقى يوسف الذي فقده سنين طويلة، ويلقى يوسف أباه في احتفال مهيب.
لما اقترب قدوم نبي الله يعقوب ووصل إلى أرض “جاشر” وهي “بلبيس” حاليا خرج الملك وجنوده مع يوسف خدمة لنبي الله يوسف وتعظيما لنبي بني إسرائيل، فلقي يوسف أباه وإخوته،
فلما اقتربوا من باب مصر قال ما حكاه القرىن الكريم: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ).
يوسف يرفع أبويه على العرش
رفع يوسف أبويه على العرش أي أجلسهما معه على سرير الملك الذي يجلس عليه، وسجد له الأبوان والإخوة الأحد عشر تعظيما وتكريما، وكان هذا مشروعا لهم.
والمعروف أن أم يوسف ماتت بعد ولادة أخيه بنيامين وهم في طريقهم من حران إلى أرض كنعان لكن القرآن عبر عن خالته ليا وهي الأخت الكبرى لأم يوسف بالأم؛ لأن الخالة بمنزلة الأم، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (الخالة بمنزلة الأم)[البخاري].
رؤيا يوسف تتحقق
تحققت رؤيا يوسف -عليه السلام- التي رآها وهو غلام لم يحتلم، ثم قال لأبيه بعد أن تحققت: هذا تعبير ما كنت قصصته عليك من قبل وأمرتني بكتمانها عن إخوتي.
وهذا هو ما ذكره الله في كتابه حيث قال: (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
لقد ذكر يوسف –عليه السلام- نعمة ربه عليه بأن أحسن الله إليه إذ أخرجه من السجن والهم والضيق، وجعله حاكما نافذ الكلمة في الديار المصرية، وجاء بأهله من البادية، لقد كان من سمات يوسف -عليه السلام- أنه لا يشبع في سنوات الجدب حتى لا ينسى الجيعان،
وكان يأكل أكلة واحدة نصف النهار، فلما رأى يوسف -عليه السلام- تمام النعمة بجمع شمله وتجاوز محنة سنوات الجدب، وليس بعد التمام إلا النقصان، دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بالصالحين من عباده.
فقال الله تعالى: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
موت يعقوب عليه السلام
بقي يعقوب -عليه السلام- مع ولده يوسف وأسرته في أرض مصر سبع عشرة سنة ثم توفي وسنه 147، وأوصى أن يُدْفَن عند أبويه إسحاق وإبراهيم –عليهما السلام-.
لكن قبل أن يموت يعقوب –عليه السلام- أوصى بنيه واحدا واحد وأخبرهم بما يكون من أمرهم، فقال الله: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
فلما مات يعقوب –عليه السلام- بكى عليه أهل مصر سبعين يوما، وأمر يوسف –عليه السلام- الأطباء فطيبوه بطيب، واستأذن ملك مصر في الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فأذن له،
وخرج معه أكابر مصر وشيوخها، ونفذ يوسف –عليه السلام- وصية أبيه وذهب به إلى بلاد الشام فدفنه بالمغارة عند أبيه إسحاق وجده الخليل إبراهيم -عليهما السلام- بمدينة الخليل، وعزَّى إخوة يوسف أخاهم يوسف في أبيه فرق لهم وأكرمهم وأحسن منقلبهم إلى مصر.
موت يوسف ووصيته قبل موته
مات يوسف –عليه السلام- عن عمر مائة وعشر سنين وقيل: مائة وعشرين، وأوصى بني إسرائيل أن يحملوه معهم إذا خرجوا من مصر ويدفنوه عند آبائه يعقوب وإسحاق وإبراهيم –عليهم السلام-.
فلما مات يوسف حنطوه ووضعوه في تابوت وظل بمصر حتى كان زمن موسى –عليه السلام- وخروجه من مصر ببني إسرائيل،
فأخرج موسى جثمان يوسف -عليه السلام- ودفنه عند آبائه، وبذلك دخل بنو إسرائيل مصر في عهد يوسف وكانوا سبعين نفسا وقيل أكثر من ذلك، وخرجوا منها مع موسى وقد بلغ عددهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل،
والمدة بين يوسف وموسى -عليهما السلام- كانت قريبا من مائة عام، فاسم موسى هو موسى بن عمران بن لاوي بن يعقوب.
قصة عجوز بني إسرائيل
عَنْ أَبِي مُوسَى –رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَابِيًّا فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: (ائْتِنَا) فَأَتَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَلْ حَاجَتَكَ) فَقَالَ: نَاقَةً نَرْكَبُهَا، وَأَعْنُزًا يَحْلُبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟)
قَالَ: (إِنَّ مُوسَى لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا.
قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ، قَالَ: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قَالَتْ: حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَالَ: مَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا.
فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ: مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ، فَقَالَتْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ، فَأَنْضَبُوا، قَالَتِ: احْتَفِرُوا وَاسْتَخْرِجُوا عِظَامَ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الْأَرْضِ إِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ)[مسند أبي يعلى].