كتاب رياض الصالحين للإمام النووي الجزء الثاني

‌‌هذا عرض كتاب رياض الصالحين تأليف الإمام النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) الجزء الثاني

16-‌‌ باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ،وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4،3] ،

وَقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ،وَقالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] ،

وَقالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] ،وقال الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ العلماء: معناه إِلَى الكتاب والسُنّة.

وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وَقالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] ، وَقالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ،وَقالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] والآيات في الباب كثيرة.
وَأَما الأحاديث:

1/156- فالأَوَّلُ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “دَعُونِي مَا تَرَكتُكُمْ: إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبْلكُم كَثْرةُ سُؤَالِهمْ، وَاخْتِلافُهُمْ عَلَى أَنْبيائِهمْ، فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عنْ شَيْءٍ فاجْتَنِبُوهُ، وَإِذا أَمَرْتُكُمْ بأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ” متفقٌ عَلَيهِ.

2/157- الثَّاني: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة رضي اللَّه عنه قَالَ: وَعَظَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يَا رَسولَ اللَّه كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وإِنْ تَأَمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيٌ، وَأَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرى اخْتِلافاً كثِيرا. فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلُفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وإِيَّاكُمْ ومُحْدثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ “رواه أَبُو داود، والترمذِي وَقالَ حديث حسن صحيح.
“النَّواجِذُ”بالذال المعجمةِ: الأَنْيَابُ، وقيلَ: الأَضْرَاسُ.

3/158- الثَّالِثُ: عَنْ أَبِي هريرةَ رضي اللَّه عنه أَن رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: “كُلُّ أُمَّتِي يدْخُلُونَ الْجنَّةَ إِلَاّ مَنْ أَبِي”. قِيلَ وَمَنْ يَأَبى يَا رَسُول اللَّه؟ قالَ:”منْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجنَّةَ، ومنْ عصَانِي فَقَدْ أَبِي” رواه البخاري

4/159- الرَّابعُ: عن أَبِي مسلمٍ، وقيلَ: أَبِي إِيَاسٍ سلَمةَ بْنِ عَمْرو بنِ الأَكْوَعِ رضي اللَّه عنه، أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشِمَالِهِ فقالَ: “كُلْ بِيمِينكَ”قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ قالَ:”لا استطعَت” مَا منعَهُ إِلَاّ الْكِبْرُ فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ، رواه مسلم.

5/160-الْخامِسُ: عنْ أَبِي عبدِ اللَّه النُّعْمَانِ بْنِ بَشيِرٍ رَضيَ اللَّه عنهما، قالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بَيْنَ وُجُوهِكمْ” متفقٌ عَلَيهِ
وفي روايةٍ لِمْسلمٍ: كَانَ رسولُ اللُّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُسَوِّي صُفُوفَنَآ حَتَّى كأَنَّمَا يُسَوي بِهَا الْقِداحَ حَتَّى إِذَا رأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوماً، فقامَ حتَّى كَادَ أَنْ يكبِّرَ، فَرأَى رجُلا بادِياً صدْرُهُ فقالَ: ” عِبادَ اللَّه لَتُسوُّنَّ صُفوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّه بيْن وُجُوهِكُمْ”.

6/161-السَّادِسُ: عن أَبِي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشَأْنِهمْ قَالَ: “إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ” متَّفقٌ عَلَيهِ.

7/162- السَّابِعُ: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضاً فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بِهَا النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةٌ مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه، وَنَفَعَه بمَا بعَثَنِي اللَّه بِهِ، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْساً وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ” متفقٌ عَلَيهِ.”فقُهَ”بِضم الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وقيلَ: بكَسْرِهَا، أَيْ: صارَ فَقِيهاً.

8/163-الثَّامِنُ: عن جابرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي “رواه مسلمٌ.
“الْجَنَادبُ”: نَحْوُ الجَراد والْفرَاشِ، هَذَا هُوَ المَعْرُوفُ الَّذِي يَقعُ في النَّار.”والْحُجَزُ”: جَمْعُ حُجْزَةٍ، وهِي معْقِدُ الإِزَار والسَّراويلِ.

9/164- التَّاسعُ: عَنْهُ أَنْ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَمَر بِلَعْقِ الأَصابِعِ وَالصحْفةِ وَقَالَ: “إِنَّكُم لا تَدْرُونَ في أَيِّهَا الْبَرَكَةَ” رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: “إِذَا وَقَعتْ لُقْمةُ أَحدِكُمْ. فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لَلشَّيْطانِ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمَندِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعهُ، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ الْبَركَةَ “.
وفي رواية لَهُ: “إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَان بِهَا منْ أَذًى، فَلْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ”.

10/165-الْعَاشِرُ: عن ابن عباس، رضيَ اللَّه عنهما، قَالَ: قَامَ فينَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَوْعِظَةٍ فقال: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ محشورونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى حُفَاةَ عُرَاةً غُرْلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَلا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبراهيم صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَلا وإِنَّهُ سَيُجَاء بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمال فأَقُولُ: يارَبِّ أَصْحَابِي،

فيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول كَما قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قولِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:117، 118] فَيُقَالُ لِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مرْتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِمْ مُنذُ فارَقْتَهُمْ” متفقٌ عليه.
“غُرْلاً”أَيْ: غَيْرَ مَخْتُونِينَ.

11/166- الْحَادِي عَشَرَ: عَنْ أَبِي سعيدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: نَهَى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، عَن الخَذْفِ وقالَ: “إِنَّهُ لَا يقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، ويَكْسِرُ السِّنَّ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: أَنَّ قَريباً لابْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، فَنَهَاهُ وَقالَ: إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عَن الخَذْفِ وقَالَ: “إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْداً”ثُمَّ عادَ فقالَ: أُحَدِّثُكَ أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ،؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبداً.

12/167- وعنْ عابسِ بن ربيعةَ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بنَ الخطاب، رضي اللَّه عنه، يُقَبِّلُ الْحَجَرَ يَعْنِي الأَسْوَدَ ويَقُولُ: إِني أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، ولَوْلا أنِّي رأَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.. متفقٌ عليه

17-‌‌ باب في وجوب الانقياد لحكم الله تعالى وما يقوله من دُعي إِلَى ذلِكَ، وأُمِرَ بمعروف أَوْ نُهِيَ عن منكر
قَالَ الله تعالي: {فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] ،وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51] .
وفيه من الأحاديث حديث أَبي هريرة المذكور في أول الباب قبله، وغيره من الأحاديث فيه.

1/168- عن أَبِي هريرةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]

اشْتَدَّ ذلكَ عَلَى أَصْحابِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فأَتوْا رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثُمَّ برَكُوا عَلَى الرُّكَب فَقالُوا: أَيْ رسولَ اللَّه كُلِّفَنَا مِنَ الأَعمالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ وَالْجِهادَ وَالصِّيام وَالصَّدقةَ، وَقَدَ أُنْزلتْ عليْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا.

قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” أَتُريدُونَ أَنْ تَقُولوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتابَين مِنْ قَبْلكُمْ: سَمِعْنَا وَعصينَا؟ بَلْ قُولوا: سمِعْنا وَأَطَعْنَا غُفْرانَك رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمصِيرُ “فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَومُ، وَذَلّتْ بِهَا أَلْسِنتهُمْ،

أَنَزلَ اللَّه تَعَالَى في إِثْرهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فَلَمَّا فعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللَّه تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}

قَالَ: نَعَمْ {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَالَ: نعَمْ {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} .قَالَ: نَعَمْ {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قَالَ: نعَمْ. رواه مسلم

18-‌‌ باب النَّهي عن البِدَع ومُحدثات الأمور

قَالَ الله تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلالُ} [يونس: 32] وَقالَ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وَقالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] أيِ: الكتاب والسنة.

وَقالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وَقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] وَالآياتُ في البَابِ كَثيرةٌ مَعلُومَةٌ.
وَأَمَّا اَلأحادِيثُ فَكَثيرَةٌ جداً وَهيَ مَشْهُورَةٌ فَنَقْتَصِرُ عَلَى طَرَفٍ مِنْهَا

1/169- عن عائشةَ، رَضِي اللَّه عنها، قَالَتْ قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلمٍ: “مَنْ عَمِلَ عمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ”.

2/170- وعن جابرٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، إِذَا خَطَب احْمرَّتْ عيْنَاهُ، وعَلا صوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبهُ، حتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ:”صَبَّحَكُمْ ومَسَّاكُمْ”وَيقُولُ:

“بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعةُ كَهَاتيْن”وَيَقْرنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، السبَابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: “أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيرَ الْحَديثَ كِتَابُ اللَّه، وخَيْرَ الْهَدْى هدْيُ مُحمِّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدثَاتُهَا وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ”ثُمَّ يقُولُ:”أَنَا أَوْلَى بُكُلِّ مُؤْمِن مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَك مَالا فَلأهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً، فَإِليَّ وعَلَيَّ “رواه مسلم.
وعنِ الْعِرْبَاض بن سَارِيَةَ، رضي اللَّه عنه، حَدِيثُهُ السَّابِقُ في بابِ الْمُحَافَظةِ عَلَى السُّنَّةِ

19-‌‌ باب في مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسنة أَوْ سيئة

قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] وقال تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73]

1/171- عَنْ أَبَي عَمروٍجَرير بنِ عبدِ اللَّه، رضي اللَّه عنه، قال: كُنَّا في صَدْر النَّهارِ عِنْد رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَجاءهُ قوْمٌ عُرَاةٌ مُجْتابي النِّمار أَو الْعَباءِ. مُتَقلِّدي السُّيوفِ عامَّتُهمْ من مضر، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضرَ، فَتمعَّر وجهُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، لِما رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقة، فدخلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمر بِلالاً فَأَذَّن وأَقَامَ، فَصلَّى ثُمَّ خَطبَ، فَقالَ:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إِلَى آخِرِ الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ،وَالآيةُ الأُخْرَى الَّتِي في آخر الْحشْرِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} تَصدٍََّق رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاع بُرِّه مِنْ صَاعِ تَمرِه حَتَّى قَالَ: وَلوْ بِشقِّ تَمْرةٍ”

فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كادتْ كَفُّهُ تَعجزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجزتْ، ثُمَّ تَتابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْميْنِ مِنْ طَعامٍ وَثيابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وجْهَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يَتهلَّلُ كَأَنَّهُ مذْهَبَةٌ،

فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ سَنَّ في الإِسْلام سُنةً حَسنةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وأَجْرُ منْ عَملَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ مِنْ أُجُورهِمْ شَيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإِسْلامِ سُنَّةً سيَّئةً كَانَ عَليه وِزْرها وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعْده مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزارهمْ شَيْءٌ” رواه مسلم.
قولُهُ:”مُجْتَابي النَّمارِ”هُو بالجِيمِ وبعد الأَلِفِ باءٌ مُوَحَّدَةٌ. والنِّمَارُ: جمْعُ نَمِرَة، وَهِيَ: كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّط.

وَمَعْنَى”مُجْتابيها”أَي: لابِسِيهَا قدْ خَرَقُوهَا في رؤوسهم.”والْجَوْبُ”: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أَيْ: نَحَتُوهُ وَقَطَعُوهُ. وَقَوْلهُ”تَمَعَّرَ”هُوَ بالعين المهملة، أَيْ: تَغَيرَ. وَقَوْلهُ:”رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ”بفتح الكافِ وضمِّها، أَيْ: صَبْرتَيْنِ.

وَقَوْلُهُ:”كَأَنَّه مَذْهَبَةٌ”هُوَ بالذال المعجمةِ، وفتح الهاءِ والباءِ الموحَّدةِ، قَالَهُ الْقَاضي عِيَاضٌ وغَيْرُهُ. وصَحَّفَه بَعْضُهُمْ فَقَالَ:”مُدْهُنَةٌ”بِدَال مهملةٍ وَضَمِّ الهاءِ وبالنونِ، وَكَذَا ضَبَطَهُ الْحُمَيْدِيُّ، والصَّحيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الأَوَّلُ. وَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: الصَّفَاءُ وَالاسْتِنَارُة.

2/172-وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَيْسَ مِنْ نفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلَاّ كَانَ عَلَى ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دمِهَا لأَنَّهُ كَان أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ” متفقٌ عَلَيهِ

20-‌‌ باب في الدلالة على خيروالدعاء إلى هدى أو ضلال

قَالَ تَعَالَى: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [القصص: 87] وَقالَ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] وَقالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]

وَقالَ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104] .

1/173- وعن أَبِي مسعودٍ عُقبَةَ بْن عمْرٍو الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلهُ مثلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” رواه مسلم.

2/174- وعن أَبِي هُريرةَ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: “منْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ منْ تَبِعَهُ لَا ينْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئاً، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا ينقُصُ ذلكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً” رواه مسلم.

3/175- وعن أَبي العباسِ سهل بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: “لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ، يُحبُّ اللَّه ورسُولَهُ، وَيُحبُّهُ اللَّه وَرَسُولُهُ”فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أصبحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: كُلُّهُمْ يَرجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فقال:

“أَيْنَ عليُّ بنُ أَبي طالب؟ “فَقيلَ: يَا رسولَ اللَّه هُو يَشْتَكي عَيْنَيْه قَالَ:”فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ”فَأُتِي بِهِ، فَبَصقَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في عيْنيْهِ، وَدعا لَهُ، فَبَرأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجعٌ، فأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. فقَالَ عليٌّ رضي اللَّه عنه: يَا رَسُول اللَّه أُقاتِلُهمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟

فَقَالَ:”انْفُذْ عَلَى رِسلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَخْبرْهُمْ بِمَا يجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حقِّ اللَّه تَعَالَى فِيهِ، فَواللَّه لأَنْ يَهْدِيَ اللَّه بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمَ” متفقٌ عَلَيهِ.
قوله:”يَدُوكُونَ”: أَيْ يخُوضُونَ ويتحدَّثون، قوْلُهُ:”رِسْلِكَ”بكسر الراءِ وبفَتحِهَا لُغَتَانِ، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ.

4/176- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَنْ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رسُولَ اللَّه إِنِّي أُرِيد الْغَزْوَ ولَيْس مَعِي مَا أَتجهَّزُ بِهِ؟ قَالَ: “ائْتِ فُلاناً فإِنه قَدْ كانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ”فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُقْرئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: أَعْطِني الَّذِي تجَهَّزْتَ بِهِ، فَقَالَ: يَا فُلانَةُ أَعْطِيهِ الَّذِي تجَهَّزْتُ بِهِ، وَلا تحْبِسِي مِنْهُ شَيْئاً، فَواللَّه لَا تَحْبِسِينَ مِنْهُ شَيْئاً فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ. رواه مسلم

21-‌‌ باب التعاون عَلَى البر والتقوى

قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْر. ِإِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْر. ٍإِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} [العصر:1،3] .

قَالَ الإمام الشافعي رَحِمَهُ الله كلاماً معناه: إن الناس أوأكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة.

1/177-عن أَبي عبدِ الرحمن زيدِ بن خالدٍ الْجُهَنيِّ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَنْ جهَّزَ غَازِياً في سَبِيلِ اللَّه فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً في أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا “متفقٌ عَلَيهِ.

2/178- وعن أَبِي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، بَعَثَ بَعْثاً إِلى بَني لِحيانَ مِنْ هُذَيْلٍ فقالَ: “لِيَنْبعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا” رواه مسلم.

3/179-وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَقِيَ ركْباً بالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: “مَنِ الْقوْمُ؟ “قالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ:”رسولُ اللَّه”فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلَهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ:”نَعمْ وَلَكِ أَجْرٌ” رواه مسلم.

4/180- وَعَنْ أَبِي موسى الأَشْعَرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: “الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنَفِّذُ مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلاً مَوفَّراً، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: “الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ”وضَبطُوا”المُتَصدِّقَيْنِ” بفتح القاف مَعَ كسر النون عَلَى التَّثْنِيَةِ، وعَكْسُهُ عَلَى الجمْعِ وكلاهُمَا صَحِيحٌ

22-‌‌ باب النصيحة

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وَقالَ تَعَالَى إخباراً عن نوحٍ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: 62] وعن هود صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [لأعراف: 68] .
وأما الأحاديث:

1/181- فَالأَوَّلُ: عن أَبِي رُقيَّةَ تَميمِ بنِ أَوْس الدَّارِيِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ”قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ”للَّه وَلِكِتَابِهِ ولِرسُولِهِ وَلأَئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ “رواه مُسْلم.

2/182- الثَّاني: عَنْ جرير بْنِ عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنه قَالَ: بَايَعْتُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى: إِقَامِ الصَّلَاةِ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكلِّ مُسْلِمٍ. متفقٌ عَلَيهِ

3/183- الثَّالثُ: عَنْ أَنَس رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” متفقٌ عليه

23-‌‌ باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر

قَالَ الله تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]

وَقالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] وَقالَ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]

وَقالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] وَقالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78،79]

وَقالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] وَقالَ تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] وقال تعالى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون} [الأعراف: 165] . وَالآيات في البابِ كثيرة معلومة.
وأما الأحاديث:

1/184- فالأَوَّلُ: عن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي اللَّه عنه قالَ: سمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “مَنْ رَأَى مِنْكُم مُنْكراً فَلْيغيِّرْهُ بِيَدهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطعْ فبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلبهِ وَذَلَكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ “رواه مسلم.

2/185- الثَّاني: عن ابنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا مِنَ نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَاّ كَانَ لَه مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَأْخذون بِسُنَّتِهِ ويقْتدُون بأَمْرِه، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالَا يفْعلُونَ، ويفْعَلُون مَالَا يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ” رواه مسلم.

3/186- الثالثُ: عن أَبي الوليدِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي اللَّه عنه قَالَ: “بَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وَعلى أَثَرَةٍ عَليْنَا، وعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدكُمْ مِنَ اللَّه تعالَى فِيهِ بُرهانٌ، وَعَلَى أنْ نَقُولَ بالحقِّ أينَما كُنَّا لَا نخافُ في اللَّه لَوْمةَ لائمٍ”متفقٌ عَلَيهِ.
“المنْشَط والمَكْره”بِفَتْحِ مِيميهما: أَيْ: في السَّهْلِ والصَّعْبِ.”والأَثَرةُ: الاخْتِصاصُ بالمُشْتَرك، وقَدْ سبقَ بيَانُها.”بوَاحاً”بفَتْح الْبَاءِ المُوَحَّدة بعْدَهَا وَاوثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ حاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ ظَاهِراً لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً.

4/187- الرَّابع: عن النعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ فصارَ بعضُهم أعلاهَا وبعضُهم أسفلَها وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصَيبِنا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجوْا ونجوْا جَمِيعاً”. رواهُ البخاري.
القَائمُ في حُدودِ اللَّه تعَالى”مَعْنَاهُ: المُنْكِرُ لَهَا، القَائمُ في دفعِهَا وإِزالَتِهَا والمُرادُ بِالحُدودِ: مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ:” اسْتَهَمُوا”: اقْتَرعُوا.

5/188-الخامِسُ: عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَة هِنْدٍ بنتِ أَبِي أُمَيَّةَ حُذيْفَةَ رضي اللَّه عنها، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنَّه قَالَ: “إِنَّهُ يُسْتَعْملُ عَليْكُمْ أُمَراءُ فَتَعْرِفُونَ وتنُكِرُونَ فَمِنْ كَرِه فقَدْ بَرِىءَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ منْ رَضِيَ وَتَابَعَ”قَالوا: يَا رَسُولَ اللَّه أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ:”لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ” رواه مسلم.
مَعْنَاهُ: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَسْتطِعْ إنْكَاراً بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الإِثمِ وَأَدَّى وَظِيفَتَهُ، ومَنْ أَنْكَرَ بَحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ المعصيةِ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهمْ وَتَابَعَهُمْ، فَهُوَ العَاصي

6/189- السَّادسُ: عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جحْشٍ رَضِي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزعاً يقُولُ: “لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه، ويْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتربَ، فُتحَ الْيَوْمَ مِن ردْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ”وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحُونَ؟ قَالَ:”نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ” متفقٌ عليه.

7/190- السَّابعُ: عنْ أَبِي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطرُقاتِ”فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه مَالَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَاّ الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ”قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ:”غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرَ” متفقٌ عَلَيهِ.

8/191- الثَّامنُْ: عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رأى خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَد رَجُلٍ، فَنَزعَهُ فطَرحَهُ وقَال: “يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيجْعلهَا في يَدِهِ، “فَقِيل لِلرَّجُل بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: خُذْ خَاتمَكَ، انتَفعْ بِهِ. قَالَ: لا واللَّه لا آخُذُهُ أَبَداً وقَدْ طَرحهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. رواه مسلم.

9/192- التَّاسِعُ: عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البصْرِي أَنَّ عَائِذَ بن عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بنيَّ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقولُ: “إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ “فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيرِهِمْ، رواه مسلم.

10/193- الْعاشرُ: عَنْ حذيفةَ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمعرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعثَ عَلَيْكمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجابُ لَكُمْ “رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ

6/189- السَّادسُ: عن أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جحْشٍ رَضِي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزعاً يقُولُ: “لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه، ويْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتربَ، فُتحَ الْيَوْمَ مِن ردْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ”وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحُونَ؟ قَالَ:”نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ” متفقٌ عليه.

7/190- السَّابعُ: عنْ أَبِي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطرُقاتِ”فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه مَالَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَاّ الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ”قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ:”غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرَ” متفقٌ عَلَيهِ.

8/191- الثَّامنُْ: عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رأى خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَد رَجُلٍ، فَنَزعَهُ فطَرحَهُ وقَال: “يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيجْعلهَا في يَدِهِ، “فَقِيل لِلرَّجُل بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: خُذْ خَاتمَكَ، انتَفعْ بِهِ. قَالَ: لا واللَّه لا آخُذُهُ أَبَداً وقَدْ طَرحهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. رواه مسلم.

9/192- التَّاسِعُ: عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البصْرِي أَنَّ عَائِذَ بن عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بنيَّ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقولُ: “إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ “فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيرِهِمْ، رواه مسلم.

10/193- الْعاشرُ: عَنْ حذيفةَ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمعرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعثَ عَلَيْكمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجابُ لَكُمْ “رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ

قوله:”تَأطِرُوهم”أي: تعطفوهم.”ولتقْصُرُنَّهُ”أي: لتحبِسُنَّه.

14/197- الرَّابعَ عَشَر: عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق، رضي اللَّه عنه. قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تقرءونَ هَذِهِ الآيةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ” رواه أَبُو داود، والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة

24-‌‌ باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أَوْ نهى عن منكر وخالف قولُه فِعله

قَالَ الله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2،3] وَقالَ تَعَالَى إخباراً عن شعيب صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88] .

1/198- وعن أَبي زيدٍ أُسامة بْنِ زيد بن حَارثَةَ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامةِ فَيُلْقَى في النَّار، فَتَنْدلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحا، فَيجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّار فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ مَالَكَ؟ أَلَمْ تَكُن تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بالمَعْرُوفِ وَلَا آتِيه، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآَتِيهِ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قولُهُ:”تَنْدلِقُ”هُوَ بالدَّالِ المهملةِ، وَمَعْنَاهُ تَخْرُجُ. وَ”الأَقْتابُ”: الأَمْعَاءُ، واحِدُهَا قِتْبٌ

25-‌‌ باب الأمر بأداء الأمانة

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وقال تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]

1/199- عن أَبي هريرة، رضي اللَّه عنه، أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا آؤْتُمِنَ خَانَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: “وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ “.

2/200- وعن حُذيْفَة بنِ الْيمانِ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، حَديثْين قَدْ رَأَيْتُ أَحدهُمَا، وَأَنَا أَنْتظرُ الآخَرَ: حدَّثَنا أَنَّ الأَمَانَة نَزلتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرآنُ فَعلموا مِنَ الْقُرْآن، وَعلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثنا عَنْ رَفْعِ الأَمانَةِ فَقال:

“يَنَامُ الرَّجل النَّوْمةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ ينامُ النَّوْمَةَ فَتُقبضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيظَلُّ أَثَرُهَا مِثْل أثرِ الْمَجْلِ، كجَمْرٍ دَحْرجْتَهُ عَلَى رِجْلكَ، فَنفطَ فتَراه مُنْتبراً وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ”ثُمَّ أَخذَ حَصَاةً فَدَحْرجَهَا عَلَى رِجْلِهِ، فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتبايَعونَ، فَلا يَكادُ أَحَدٌ يُؤدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فَلانٍ رَجُلاً أَمِيناً، حَتَّى يُقَالَ لِلَّرجلِ: مَا أَجْلدهُ مَا أَظْرَفهُ، مَا أَعْقلَهُ، وَمَا في قلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ إِيمانٍ.

وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بايعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلماً ليردُنَّهُ عَليَّ دِينُه، ولَئِنْ كَانَ نَصْرانياً أَوْ يَهُوديًّا لَيُرُدنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيه، وأَمَّا الْيَوْمَ فَما كُنْتُ أُبايُعُ مِنْكمْ إِلَاّ فُلاناً وَفلاناً “متفقٌ عَلَيهِ.

قوله:”جَذْرُ”بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: وَهُوَ أصل الشيء. وَ”الوكت”بالتاء المثناة من فوق: الأثر اليسير.”والمجل”بفتح الميم وإسكان الجيم، وَهُوَ تَنَفُّطٌ في اليدِ ونحوها من أثرِ عمل وغيرِهِ. قوله:”مُنْتَبراً”: مرتفِعاً. قوله:”ساعِيهِ”: الوالي عَلَيهِ.

3/201- وعن حُذَيْفَةَ، وَأَبي هريرة، رضي اللَّه عنهما، قالا: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَجْمعُ اللَّه، تَباركَ وَتَعَالَى، النَّاسَ فَيُقُومُ الْمُؤمِنُونَ حَتَّى تَزْلفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِ، فَيَقُولُون: يَا أَبَانَا اسْتفْتحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيقُولُ: وهَلْ أَخْرجكُمْ مِنْ الْجنَّةِ إِلَاّ خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ، لَسْتُ بصاحبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيل اللَّه،

قَالَ: فَيأتُونَ إبْرَاهِيمَ، فيقُولُ إبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بصَاحِبِ ذَلِك إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وراءَ، اعْمَدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمهُ اللَّه تَكْلِيماً، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فيقُولُ: لسْتُ بِصَاحِب ذلكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسى كَلِمَةِ اللَّه ورُوحِهِ فَيقُولُ عيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمانَةُ والرَّحِمُ فَيَقُومَان جنْبَتَي الصراطِ يَمِيناً وشِمالاً، فيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ”

قُلْتُ: بأَبِي وَأُمِّي، أَيُّ شَيءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ:”أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ يمُرُّ ويَرْجعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الريحِ ثُمَّ كَمرِّ الطَّيْرِ؟ وَأَشَدُّ الرِّجالِ تَجْرِي بهمْ أَعْمَالُهُمْ، ونَبيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصرِّاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعَبَادِ، حَتَّى يَجئَ الرَّجُلُ لا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلَاّ زَحْفاً، وفِي حافَتَي الصرِّاطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ وَمُكَرْدَسٌ في النَّارِ” وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهنَّم لَسبْعُونَ خَريفاً. رواه مسلم.

قوله:”ورَاءَ وَرَاءَ”هُو بالْفَتْحِ فِيهمَا. وَقيل: بِالضَّمِّ بِلا تَنْوينٍ، وَمَعْنَاهُ: لسْتُ بتلْكَ الدَّرَجَةِ الرَّفيعَةِ، وهِي كَلِمةٌ تُذْكَرُ عَلَى سبِيل التَّواضُعِ. وَقَدْ بسِطْتُ مَعْنَاهَا في شَرْحِ صحيح مسلمٍ، واللَّه أعلم.

4/202- وعن أَبِي خُبَيْبٍ بضم الخاءِ المعجمة عبد اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، رضي اللَّه عنهما قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَاّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وإِنِّي لاأُرَنِي إِلَاّ سَأُقْتَلُ الْيَومَ مَظْلُوماً، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَينْيِ أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقى مِنْ مالِنا شَيْئاً؟

ثُمَّ قَالَ: يا بني بعْ مَالَنَا واقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بالثُّلُثِ، وَثُلُثِهُ لِبَنِيهِ، يَعْنِي لبَنِي عَبْدِ اللَّه بن الزبير ثُلُثُ الثُّلُث. قَالَ: فَإِن فَضلِ مِنْ مالِنَا بعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيءٌ فثُلُثُهُ لِبَنِيك، قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازى بَعْضَ بَني الزبَيْرِ خُبيبٍ وَعَبَّادٍ، وَلَهُ يَوْمَئذٍ تَسْعَةُ بَنينَ وتِسعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَجَعَل يُوصِينِي بديْنِهِ وَيَقُول: يَا بُنَيَّ إِنْ عَجزْتَ عنْ شَيءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بموْلايَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَريْتُ مَا أرادَ حَتَّى قُلْتُ يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلَاكَ؟

قَالَ: اللَّه. قَالَ: فَواللَّهِ مَا وَقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَاّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيَهُ. قَالَ: فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً إِلَاّ أَرَضِينَ، مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشَرَةَ دَاراً بالْمَدِينَةِ. وداريْن بالْبَصْرَةِ، وَدَارَاً بالْكُوفَة وَدَاراً بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الذي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتَيهِ بِالمالِ، فَيَسْتَودِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبيْرُ: لا وَلَكنْ هُوَ سَلَفٌ إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعةَ. وَمَا ولِي إَمَارَةً قَطُّ وَلا جِبَايةً ولا خَراجاً وَلَا شَيْئاً إِلَاّ أَنْ يَكُونَ في غَزْوٍ مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّه عنهم، قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَسَبْتُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمائَتَيْ أَلْفٍ، فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبدَ اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ:

يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمْتُهُ وَقُلْتُ: مِائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ: حَكيمٌ: وَاللَّه مَا أَرى أَمْوَالَكُمْ تَسعُ هَذِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَي أَلْفٍ؟ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أَرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَىْء مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي. قَالَ: وكَانَ الزُّبَيْرُ قدِ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ ومِائَة أَلْف، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأْلف ألفٍ وسِتِّمِائَةِ أَلْفَ، ثُمَّ قَامَ فَقالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ شَيْء فَلْيُوافِنَا بِالْغَابَةِ، فأَتَاهُ عبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعفر، وكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبعُمِائةِ أَلْفٍ،

فَقَالَ لعَبْدِ اللَّه: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ فَإِنْ شِئْتُمْ جعَلْتُمْوهَا فِيمَا تُؤخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، قَالَ عبْدُ اللَّه: لَكَ مِنْ هاهُنا إِلَى هاهُنَا. فَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْهَا فَقَضَى عَنْهُ دَيْنَه، وَوَفَّاهُ وَبَقِيَ منْهَا أَرْبَعةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدم عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبيْرِ، وَابْن زَمْعَةَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قَوَّمَتِ الْغَابَةُ؟ قال: كُلُّ سَهْمٍ بِمائَةِ أَلْفٍ قَالَ: كَمْ بَقِي مِنْهَا؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ، فَقَالَ الْمُنْذرُ بْنُ الزَّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمائَةِ أَلْفٍ، وقال عَمْرُو بنُ عُثْمان: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ.

وَقالَ ابْن زمْعَةَ: قَدُ أَخَذْتُ سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيةُ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَ: سَهْمٌ ونصْفُ سَهْمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمسينَ ومائَةِ ألْف. قَالَ: وبَاعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ نصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرغَ ابنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قََضاءِ ديْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبْيرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيراثَنَا. قَالَ: وَاللَّهِ لا أَقْسِمُ بيْنَكُمْ حَتَّى أَنَادِيَ بالمَوْسم أَرْبَع سِنِين: أَلا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيَّرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. فَجَعَلَ كُلُّ سَنَةٍ يُنَادِي في الْمَوسمِ، فَلَمَّا مَضى أَرْبَعُ سِنينَ قَسم بَيْنَهُمْ ودَفَعَ الثُلث وكَان للزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوةٍ، فَأَصاب كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْف أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْف. رواه البخاري.

26- باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم

قَالَ الله تَعَالَى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ} [غافر: 18] {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج: 71] .
وأمّا الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة.

1/203- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حملَهُمْ عَلَى أَنْ سفَكَوا دِماءَهُمْ واسْتَحلُّوا مَحارِمَهُمْ “رواه مسلم

2/204- وعن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقيامَةِ حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاء مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاء” رواه مسلم.

3/205- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كُنَّا نَتحدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْن أَظْهُرِنَا، وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوداع، حَتَّى حمِدَ اللَّه رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَأَثْنَى عَليْهِ ثُمَّ ذَكَر الْمسِيحَ الدَّجَالَ فَأَطْنَبَ في ذِكْرِهِ، وَقَالَ: “مَا بَعَثَ اللَّه مِنْ نَبيٍّ إلَاّ أَنْذَرَهُ أُمَّتهُ:

أَنْذَرَهُ نوحٌ وَالنَّبِيُّون مِنْ بَعْدِهِ، وَإنَّهُ إنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ فَما خفِيَ عَليْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفِي عَلَيْكُمْ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيس بأَعْورَ، وَإِنَّهُ أَعورُ عَيْن الْيُمْنَى، كَأَنَّ عيْنَهُ عِنبَةٌ طَافِيَةٌ. ألا إنَّ اللَّه حرَّم علَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوالكُمْ، كَحُرْمَةِ يوْمكُمْ هَذَا، في بلدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُم هَذَا ألَا هَلْ بلَّغْتُ؟ “قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:”اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثاً ويْلَكُمْ أَوْ: ويحكُمْ، انظُرُوا: لا ترْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ “رواه البخاري، وروى مسلم بعضه.

4/206- وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ منْ سَبْعِ أَرَضِينَ ” متفقٌ عليه.

5/207- وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

6/208- وعن مُعاذٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: بعَثَنِي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “إنَّكَ تَأْتِي قوْماً مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب، فادْعُهُمْ إِلَى شََهَادة أَنْ لا إِلَهَ إلَاّ اللَّه، وأَنِّي رَسُول اللَّه فإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فَأَعلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْتَرَضَ عَلَيهمْ صدَقَةً تُؤْخذُ مِنْ أَغنيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِمَ أَمْوالِهم. واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْس بَيْنَها وبيْنَ اللَّه حِجَابٌ “متفقٌ عليه.

7/209-وعن أَبِي حُميْد عبْدِ الرَّحْمن بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: اسْتعْملَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلاً مِن الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهدِيَ إِلَيَّ فَقَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى الْمِنبرِ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:

“أَمَّا بعْدُ فَإِنِّي أَسْتعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعمَلِ مِمَّا ولَاّنِي اللَّه، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَت إِلَيَّ، أَفَلا جَلَسَ في بيتِ أَبيهِ أَوْ أُمِّهِ حتَّى تأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، واللَّه لا يأْخُذُ أَحدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حقِّهِ إلَاّ لَقِيَ اللَّه تَعالَى، يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، فَلا أَعْرفَنَّ أَحداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّه يَحْمِلُ بعِيراً لَهُ رغَاءٌ، أَوْ بَقرة لَهَا خُوارٌ، أَوْ شَاةً تيْعَرُ ثُمَّ رفَعَ يَديْهِ حتَّى رُؤِيَ بَياضُ إبْطيْهِ فَقَالَ:”اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ” ثلاثاً، متفقٌ عليه.

8/210- وعن أَبي هُرِيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ، فَلْيتَحَلَّلْه ِمنْه الْيوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَملٌ صَالحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقدْرِ مظْلمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ” رواه البخاري.

9/211- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن الْعاص رضي اللَّه عنهما عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ ويَدِهِ، والْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

10/212- وعنه رضي اللَّه عنه قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَل النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرةُ، فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “هُوَ في النَّارِ” فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فوَجَدُوا عَبَاءَة قَدْ غَلَّهَا. رواه البخاري.

11/213- وعن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ رضيَ اللَّه عنهُ عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّمواتِ والأَرْضَ: السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة وَذو الْحِجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب الَّذِي بَيْنَ جُمادَي وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ “قلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلَم، فَسكَتَ حَتَّى ظنَنَّا أَنَّهُ سَيُسمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَليْس ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بلَى: قَالَ:

“فأَيُّ بلَدٍ هَذَا؟ “قُلْنَا: اللَّه وَرسُولُهُ أَعلمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سيُسمِّيهِ بغَيْر اسْمِهِ. قَالَ:”أَلَيْسَ الْبلْدةَ؟ “قُلْنا: بلَى. قَالَ:”فَأَيُّ يَومٍ هذَا؟ “قُلْنَا: اللَّه ورسُولُهُ أَعْلمُ، فَسكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سيُسمِّيهِ بِغيْر اسمِهِ. قَالَ:”أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْر؟ “قُلْنَا: بَلَى. قَالَ:”فإِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذا في شَهْرِكم هَذَا، وَسَتَلْقَوْن ربَّكُم فَيَسْأْلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلا فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فلَعلَّ بعْض مَنْ يبْلغُه أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَه مِن بَعْضِ مَنْ سَمِعه”ثُمَّ قال:”أَلا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلا هَلْ بلَّغْتُ؟ “قُلْنا: نَعَمْ، قَالَ:”اللَّهُمْ اشْهدْ “متفقٌ عَلَيهِ.

12/214- وعن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْريءٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقدْ أَوْجَبَ اللَّه لَه النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”فَقَالَ رجُلٌ: وإِنْ كَانَ شَيْئاً يسِيراً يَا رسولَ اللَّه؟ فَقَالَ:”وإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ “رواه مسلم.

13/215- وعن عَدِي بن عُمَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه يَقُول: “مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولا يَأْتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ”فقَام إَلْيهِ رجُلٌ أَسْودُ مِنَ الأَنْصَارِ، كأَنِّي أَنْظرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه اقْبل عني عملَكَ قال:”ومالكَ؟ “قَالَ: سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا، قَالَ:”وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه، فمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِِى عَنْهُ انْتَهَى” رواه مسلم.

14/216- وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عنه قَالَ: لمَّا كَانَ يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شهِيدٌ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهِيد. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كلَاّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها أَوْ عبَاءَةٍ” رواه مسلم.

15/217-وعن أَبي قَتَادَةَ الْحارثِ بنِ ربعي رضي اللَّه عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قَام فِيهمْ، فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهادَ فِي سبِيلِ اللَّه، وَالإِيمانَ بِاللَّه أَفْضلُ الأَعْمالِ، فَقَامَ رَجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أَرَأَيْت إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّه، تُكَفِّرُ عنِي خَطَايَاىَ؟

فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “نعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه وأَنْتَ صَابر مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غيْرَ مُدْبرٍ” ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”كيْف قُلْتَ؟ “قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيل اللَّه، أَتُكَفرُ عَنّي خَطَاياي؟ فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”نَعمْ وأَنْت صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقبِلٌ غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلَاّ الدَّيْن فَإِنَّ جِبْرِيلَ قال لِي ذلِكَ “رواه مسلم.

16/218- وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ؟ “قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ:”إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ” رواه مُسلم.

17/219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها، أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض، فأَقْضِي لَهُ بِنحْو مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.”أَلْحَنَ”أَيْ: أَعْلَم.

18/220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَالَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً “رواه البخاري.

19/221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه وعنها، قَالَتْ سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ” رواه البخاري

27-‌‌ باب تعظيم حُرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ { [الحج:30] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]

وَقالَ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] .

1/222- وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً” وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِه. متفق عليه.

2/223- وعنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَن مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا، أَوْ أَسْوَاقِنَا، ومَعَه نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصالِهَا بِكفِّهِ أَنْ يُصِيب أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ” مُتَّفَقٌ عليه.

3/224- وعن النُّعْمَانِ بنِ بشِيرٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى” متفقٌ عليه

4/225- وعن أَبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قبَّل النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الْحسنَ ابن عَليٍّ رضي اللَّه عنهما، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحداً فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقَالَ: “مَن لا يَرْحمْ لَا يُرْحَمْ” متفقٌ عَلَيهِ.

5/226- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقالوا: أَتُقبِّلونَ صِبيْانَكُمْ؟ فَقَالَ:”نَعَمْ”قالوا: لَكِنَّا واللَّه مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُمْ الرَّحمَةَ” متفقٌ عَلَيْهِ.

6/227- وعن جريرِ بنِ عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ لَا يرْحَم النَّاس لَا يرْحمْهُ اللَّه” متفقٌ عَلَيهِ.

7/228- وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذا صَلَّى أَحدُكُمْ للنَّاسِ فلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسقيمَ والْكَبِيرَ. وإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيطَوِّل مَا شَاءَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ:”وذَا الْحاجَةِ”.

8/229- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: إِنْ كَان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيدعُ الْعَمَلَ، وهُوَ يحِبُّ أَنَ يَعْملَ بِهِ، خَشْيةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ”متفقٌ عَلَيهِ.

9/230-وعنْهَا رضي اللَّه عنها قالَتْ: نَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَن الْوِصال رَحْمةً لهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُواصلُ؟ قَالَ: “إِنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُني رَبِّي ويَسْقِيني” متفقٌ عَلَيهِ مَعناهُ: يجعَلُ فيَّ قُوَّةَ مَنْ أَكَلَ وَشَرَبَ.

10/231- وعن أَبي قَتادَةَ الْحارِثِ بنِ ربْعي رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ، وَأُرِيدُ أَنْ أُطَوِّل فِيها، فَأَسْمعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجوَّزَ فِي صلاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ” رواه البخاري.

11/232- وعن جُنْدِبِ بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ فَهُوَ فِي ذِمةِ اللَّه فَلا يطْلُبنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ منْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدرِكْه، ثُمَّ يكُبُّهُ عَلَى وجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّم” رواه مسلم.

12/233- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لا يظْلِمُه، وَلَا يُسْلِمهُ، منْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّج عنْ مُسْلِمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يوْمَ الْقِيامَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرهُ اللَّهُ يَوْم الْقِيَامَةِ” متفقٌ عَلَيهِ.

13/234- وعن أَبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لَا يخُونُه وَلَا يكْذِبُهُ وَلَا يخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ عِرْضُهُ ومالُه ودمُهُ التَّقْوَى هَاهُنا، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخاهُ المُسْلِم” رواه الترمذيُّ وَقالَ: حديث حسن.

14/235- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا تَحاسدُوا وَلَا تناجشُوا وَلَا تَباغَضُوا وَلَا تَدابرُوا وَلَا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْواناً. المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم لَا يَظلِمُه وَلا يَحْقِرُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ. التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امْرِيءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ. كُلَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ” رواه مسلم.

“النَّجَش”أَنْ يزِيدَ فِي ثَمنِ سلْعةٍ يُنَادِي عَلَيْهَا فِي السُّوقِ ونحْوهِ، وَلَا رَغْبةَ لَه فِي شِرائهَا بَلْ يقْصِد أَنْ يَغُرَّ غَيْرهُ، وهَذا حرامٌ.”والتَّدابُرُ”: أَنْ يُعرِض عنِ الإِنْسانِ ويهْجُرَهُ ويجعلَهُ كَالشَّيءِ الَّذِي وراءَ الظهْر والدُّبُرِ

15/236- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” متفقٌ عليه.

16/237- وعنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً”فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُول اللَّه أَنْصرهُ إِذَا كَانَ مَظلُوماً أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:”تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذلِك نَصْرُهْ” رواه البخاري.

17/238- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول الَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “حقُّ الْمُسْلمِِ عَلَى الْمُسْلِمِ خمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمرِيضَ، واتِّبَاعُ الْجنَائِزِ، وإِجابة الدَّعوةِ، وتَشمِيت العْاطِسِ “مُتَّفَقٌ عليه.

وفي رواية لمسلمٍ: “حق الْمُسْلمِ سِتٌّ: إِذا لقِيتَهُ فسلِّم عليْهِ، وإِذَا دَعاكَ فَأَجبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصحْ لهُ، وإِذا عطَس فحمِد اللَّه فَشَمِّتْهُ. وَإِذَا مرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا ماتَ فاتْبعهُ “.

18/239- وعن أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ: أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنازةِ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ، ونَصْرِ المظْلُومِ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ. وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ أَوْ تَختُّمٍ بالذَّهبِ، وَعنْ شُرْبٍ بالفَضَّةِ، وعَنِ المياثِرِ الحُمْرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ. مُتَّفَقٌ عليه.

وفي روايةٍ: وإِنْشَادِ الضَّالةِ فِي السَّبْعِ الأُولِ.
“المياثِرِ”بيَاء مُثَنَّاةٍ قبْلَ الأَلِفِ، وَثَاء مُثَلَّثَة بعْدَهَا، وَهِيَ جمْعُ مَيْثِرةٍ، وَهِي شَيْءٌ يتَّخَذُ مِنْ حرِيرٍ وَيُحْشَى قُطْناً أَوْ غَيْرَهُ ويُجْعلُ فِي السُّرُجِ وكُورِ الْبعِيرِ يجْلِسُ عَلَيْهِ الرَّاكِبُ”والقَسيُّ”بفتحِ القاف وكسر السينِ المهملة المشدَّدةِ: وَهِيَ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ حَرِيرٍ وكَتَّانٍ مُخْتَلِطَيْنِ.”وإِنْشَادُ الضَّالَّةِ”: تَعرْيفُهَا

28-‌‌ باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور:19] .

1/240-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يسْتُرُ عَبْدٌ عبْداً فِي الدُّنْيَا إِلَاّ سَتَرهُ اللَّه يَوْمَ الْقيامَةِ “رواه مسلم.

2/241-وعنه قَالَ: سمِعت رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “كُلُّ أَمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ المُجاهرينَ، وإِنَّ مِن المُجاهرةِ أَن يعمَلَ الرَّجُلُ بالليلِ عمَلاً، ثُمَّ يُصْبحَ وَقَدْ سَتَرهُ اللَّه عَلَيْهِ فَيقُولُ: يَا فلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْترهُ ربُّهُ، ويُصْبحُ يَكْشفُ سِتْرَ اللَّه “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

3/242-وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا زَنَتِ الأَمةُ فَتبينَ زِناهَا فَليجلدْها الحدَّ، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّانية فَلْيجلدْها الحدَّ وَلا يُثرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنتِ الثَّالثةَ فَلْيبعَها ولوْ بِحبْلٍ مِنْ شعرٍ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.”التَّثْرِيبُ”: التَّوْبيخُ.

4/243-وعنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِرجلٍ قَدْ شرِب خَمْراً قَالَ: “اضْربُوهُ” قَالَ أَبُو هُرَيْرةَ: فمِنَّا الضَّارِبُ بِيدهِ والضَارِبُ بِنَعْله، والضَّارِبُ بِثوبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَال بعْضُ الْقَومِ: أَخْزاكَ اللَّه، قَالَ: لا تقُولُوا هَكَذا لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطان” رواه البخاري

29-‌‌ باب قضاء حوائج المسلمين

قَالَ الله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] .

1/244- وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “المسلمُ أَخو المسلم لا يَظلِمُه ولا يُسْلِمُهُ. ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومنْ فَرَّجَ عنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يومَ القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

2/245- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنهُ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا، نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومنْ سَتَر مُسْلِماً سَترهُ اللَّه فِي الدنْيا وَالآخِرَةِ، واللَّه فِي عوْنِ العبْد مَا كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ،

ومنْ سَلَكَ طَريقاً يلْتَمسُ فيهِ عِلْماً سهَّل اللَّه لهُ به طَريقاً إِلَى الجنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلَاّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. ومنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ” رواه مسلم

30-‌‌ باب الشفاعة

قَالَ الله تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] .

1/246- وعن أَبي موسى الأَشعري رضي اللَّه عنه قَالَ: كَانَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا أَتَاهُ طالِبُ حاجةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلسائِهِ فَقَالَ: “اشْفَعُوا تُؤجَرُوا ويَقْضِي اللَّه عَلَى لِسان نَبِيِّهِ مَا أَحبَّ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية:”مَا شَاءَ”.

2/247- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قِصَّة برِيرَةَ وزَوْجِها. قَالَ: قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَوْ راجَعْتِهِ؟ “قَالتَ: يَا رَسُولَ اللَّه تأْمُرُنِي؟ قَالَ:”إِنَّما أَشفعُ” قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. رواه البخاري

31-‌‌باب الإصلاح بَيْنَ الناس

قَالَ الله تَعَالَى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] وَقالَ تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]

وَقالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1] وقال تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] .

1/248-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كُلُّ سُلامى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بيْن الاثْنَيْنِ صَدقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعهُ صَدقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيبةُ صدقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
“ومعنى تَعْدِلُ بَيْنَهُمَا”تُصْلحُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ.

2/249- وعن أُمِّ كُلْثُومٍ بنتِ عُقْبَةَ بن أَبي مُعَيْطٍ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمي خَيْراً، أَوْ يَقُولُ خَيْراً “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وفي رواية مسلمٍ زيادة، قَالَتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ إِلَاّ في ثَلاثٍ، تَعْنِي: الحَرْبَ، وَالإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَديثَ المَرْأَةِ زَوْجَهَ.

3/250- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: سمِع رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم صَوْتَ خُصُومٍ بالْبَابِ عَالِيةٍ أَصْواتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شيءٍ، وَهُوَ يَقُولُ: واللَّهِ لا أَفعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّه لَا يَفْعَلُ المَعْرُوفَ؟ “فَقَالَ: أَنَا يَا رسولَ اللَّهِ، فَلهُ أَيُّ ذلِكَ أَحَبَّ. متفقٌ عليه

معنى”يَسْتَوْضِعُهُ”: يَسْأَلهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ دينِهِ.”وَيَسْتَرفقُهُ”: يَسْأَلَهُ الرِّفْقَ”والْمُتأَلي”: الحَالِفُ.

4/251-وعن أَبي العباس سهلِ بنِ سعدٍ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّهُ عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بلَغهُ أَنَّ بَني عَمْرِو بن عوْفٍ كَانَ بيْنهُمْ شَرٌّ، فَخَرَجَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُصْلِحُ بَيْنَهمْ فِي أُنَاسٍ مَعَه، فَحُبِسَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلالٌ إِلَى أَبي بَكْرٍ رضي اللَّه عنهما فَقَالَ:

يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ حُبِسَ، وَحَانَتِ الصَّلاةُ، فَهَلْ لكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاس؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلالٌ الصَّلاةَ، وَتقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وكبَّرَ النَّاسُ، وَجَاءَ رَسُول اللَّه يمْشِي في الصُّفوفِ حتَّى قامَ في الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وكَانَ أَبُو بَكْر رضي اللَّه عنه لا يَلْتَفِتُ فِي صلاتِهِ، فَلَمَّا أَكَثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ،

فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَشَار إِلَيْهِ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَرَفَعَ أَبْو بَكْر رضي اللَّه عنه يدَهُ فَحمِد اللَّه، وَرَجَعَ القَهْقَرَى وَراءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقدَّمَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَصَلَّى للنَّاسِ، فَلَمَّا فرغَ أَقْبلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:

” أَيُّهَا النَّاسُ مالَكُمْ حِين نَابَكُمْ شَيْءٌ في الصَّلَاةِ أَخذْتمْ فِي التَّصْفِيقِ؟، إِنَّما التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ. منْ نَابُهُ شيءٌ فِي صلاتِهِ فَلْيَقلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ؟

فَإِنَّهُ لَا يَسْمعُهُ أَحدٌ حِينَ يَقُولُ: سُبْحانَ اللَّهِ، إِلَاّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْرٍ: مَا منعَك أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ حِينَ أَشرْتُ إِلَيْكَ؟ “فَقَالَ أَبُو بكْر: مَا كَانَ ينبَغِي لابْنِ أَبي قُحافَةَ أَنْ يُصلِّيَ بِالنَّاسِ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. متفقٌ عَلَيهِ.
معنى”حُبِس”: أَمْسكُوهُ لِيُضيِّفُوه

32-‌‌باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف:28]

1/252- عن حَارِثَة بْنِ وهْب رضي اللَّه عنه قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجنَّةِ؟ كُلُّ ضَعيفٍ مُتَضَعّفٍ لَوْ أَقْسَم عَلَى اللَّه لأبرَّه، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بَأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ”. متفقٌ عَلَيهِ.
“الْعُتُلُّ”: الْغَلِيظُ الجافِي.”والجوَّاظُ”بفتح الجيم وتشدِيدِ الواو وبِالظاءِ المعجمة وَهُو الجمُوعُ المنُوعُ، وَقِيلَ: الضَّخْمُ المُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وقيلَ: الْقَصِيرُ الْبَطِينُ.

2/253- وعن أَبي العباسِ سهلِ بنِ سعدٍ الساعِدِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: مرَّ رجُلٌ عَلَى النَبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لرجُلٍ عِنْدهُ جالسٍ: “مَا رَأَيُكَ فِي هَذَا؟ “فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَريٌّ إِنْ خَطَب أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَع أَنْ يُشَفَّعَ. فَسَكَتَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخرُ،

فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”مَا رأُيُكَ فِي هَذَا؟ “فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هذَا حريٌّ إِنْ خطَب أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَع أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمع لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”هَذَا خَيْرٌ منْ مِلءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا “متفقٌ عَلَيهِ.
قوله:”حَرِيُّ”هُوَ بفتحِ الحاءِ وكسر الراءِ وتشديد الياءِ: أَيْ حقِيقٌ. وقوله:”شَفَعَ”بفتح الفاءِ.

3/254- وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “احْتجَّتِ الجنَّةُ والنَّارُ فقالتِ النَّارُ: فيَّ الجبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقَالتِ الجَنَّةُ: فيَّ ضُعفَاءُ النَّاسِ ومسَاكِينُهُم فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُما: إِنَّك الجنَّةُ رحْمتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذابِي أُعذِّب بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيكُمَا عَلَيَّ مِلؤُها “رواه مسلم.

4/255-وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّهُ لَيأتِي الرَّجُلُ السَّمِينُ العْظِيمُ يَوْمَ الْقِيامةِ لَا يزنُ عِنْد اللَّه جنَاحَ بعُوضَةٍ” متفقٌ عَلَيه

5/256- وعنه أَنَّ امْرأَةً سوْداءَ كَانَتَ تَقُمُّ المسْجِد، أَوْ شَابّاً، فَفقَدَهَا، أَوْ فَقَدَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عنْهُ، فقالوا: مَاتَ. قَالَ: “أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي”فَكَأَنَّهُمْ صغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ”فدلُّوهُ فَصلَّى عَلَيه، ثُمَّ قَالَ:”إِنَّ هَذِهِ الْقُبُور مملُوءَةٌ ظُلْمةً عَلَى أَهْلِهَا، وإِنَّ اللَّه تعالى يُنَوِّرهَا لَهُمْ بصَلاتِي عَلَيْهِمْ” متفقٌ عَلَيهِ.
قوله:”تَقُمُّ”هُوَ بفتحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ: أَيْ تَكنُسُ.”وَالْقُمَامةُ”: الْكُنَاسَةُ.”وَآذَنْتُمونِي”بِمدِّ الهَمْزَةِ: أَيْ: أَعْلَمتُمُونِي.

6/257- وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”رُبَّ أَشْعثَ أغبرَ مدْفُوعٍ بالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّهُ”رواه مسلم.
7/258- وعن أُسامَة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “قُمْتُ عَلَى بابِ الْجنَّةِ، فَإِذَا عامَّةُ مَنْ دخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وأَصْحابُ الجَدِّ محْبُوسُونَ غيْر أَنَّ أَصْحاب النَّارِ قَدْ أُمِر بِهِمْ إِلَى النَّارِ. وقُمْتُ عَلَى بابِ النَّارِ فَإِذَا عامَّةُ منْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ” متفقٌ عَلَيهِ.
“وَالجَدُّ”بفتحِ الجيم: الحظُّ والْغِني. وَقوله:”محْبُوسُونَ”أَيْ: لَمْ يُؤذَنْ لهُمْ بَعْدُ فِي دُخُول الجَنَّةِ.

8/259- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي المَهْدِ إِلَاّ ثَلاثَةٌ: عِيسى ابْنُ مرْيَمَ، وصَاحِب جُرَيْجٍ، وكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً، فَاتَّخَذَ صَوْمَعةً فكانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهَو يُصلي فَقَالَتْ: يا جُرَيْجُ، فقال: يَارَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي فَأَقْبلَ عَلَى صلاتِهِ فَانْصرفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وهُو يُصَلِّي،

فقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَد أَتَتْهُ وَهُو يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْه حَتَّى ينْظُرَ إِلَى وُجُوه المومِسَاتِ. فَتَذَاكَّرَ بَنُو إِسْرائِيلَ جُريْجاً وَعِبَادَتهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا،

فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ، فتعرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتتْ رَاعِياً كَانَ يَأَوي إِلَى صوْمعَتِهِ، فَأَمْكنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوقَع علَيْهَا. فَحملَتْ، فَلَمَّا وَلدتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٌ، فَأَتَوْهُ فاسْتنزلُوه وهدَمُوا صوْمعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهذِهِ الْبغِيِّ فَولَدتْ مِنْك. قال: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟

فَجاءَوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي فَصلىَّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعنَ فِي بطْنِهِ وقالَ: يَا غُلامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلانٌ الرَّاعِي، فَأَقْبلُوا علَى جُرَيْجُ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ: لَا، أَعيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا. وَبيْنَا صَبِيٌّ يرْضعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارةٍ حَسَنَةٍ فَقالت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَل ابْنِي مثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ:

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلهُ، ثُمَّ أَقَبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعْلَ يَرْتَضِعُ” فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُوَ يحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِأُصْبُعِه السَّبَّابةِ فِي فِيهِ، فَجَعلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: “وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، وَهِي تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوكِيلُ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَركَ الرِّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنالِكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثِ فقالَت: مَرَّ رَجُلٌ حَسنُ الهَيْئَةِ فَقُلْتُ:

اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُم يَضْربُونَهُا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجعَلْنِي مِثْلَهَا؟، قَالَ: إِنَّ ذلِكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّاراً فَقُلت: اللَّهُمَّ لا تجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لها زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرقْت، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا “متفق عليه.

“والمُومِسَاتُ”: بضَمِّ الميمِ الأُولَى، وإِسكان الواو وكسر الميم الثانيةِ وبالسين المهملَةِ وهُنَّ الزَّوانِي. والمُومِسةُ: الزَّانِيَةُ. وقوله:”دابَّةً فَارِهَة”بِالْفَاءِ: أَي حاذِقَةٌ نَفِيسةٌ.”الشَّارَةُ”بِالشِّينِ المعْجمةِ وتَخْفيفِ الرَّاءِ: وَهِي الجمالُ الظَّاهِرُ فِي الهيْئَةِ والملْبسِ. ومعْنى”ترَاجعا الحدِيث”أَيْ: حدَّثَتِ الصَّبِي وحدَّثَهَا، واللَّه أعلم

33-‌‌ باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمنكسرين والإِحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88] وَقالَ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28]

وَقالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10،9] وَقالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الما عون:1،3]

1/260- عن سعد بن أَبي وَقَّاص رضي اللَّه عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سِتَّةَ نفَر، فَقَالَ المُشْرِكُونَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: اطْرُدْ هُؤُلاءِ لا يَجْتَرِئُون عليْنا، وكُنْتُ أَنا وابْنُ مسْعُودٍ ورجُل مِنْ هُذَيْلِ وبِلال ورجلانِ لَستُ أُسمِّيهِما، فَوقَعَ في نَفْسِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَا شاءَ اللَّه أَن يقعَ فَحَدَّثَ نفْسهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُون رَبَّهُمْ بالْغَداةِ والعَشِيِّ يُريدُونَ وجْهَهُ} [الأنعام: 52] رواه مسلم.

2/261- وعن أَبي هُبيْرةَ عائِذِ بن عمْرو المزَنِيِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بيْعةِ الرِّضوانِ رضي اللَّه عنه، أَنَّ أَبا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سلْمَانَ وصُهَيْب وبلالٍ في نفَرٍ فقالوا: مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّه مِنْ عدُوِّ اللَّه مَأْخَذَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي اللَّه عنه: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُريْشٍ وَسيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَخْبرهُ فَقَالَ: يَا أَبا بَكْر لَعلَّكَ أَغْضَبتَهُم؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبتَ رَبَّكَ؟ فأَتَاهُمْ فَقَالَ: يَا إِخْوتَاهُ آغْضَبْتُكُمْ؟ قالوا: لَا، يغْفِرُ اللَّه لَكَ يَا أُخَيَّ. رواه مسلم.

قولُهُ”مَأْخَذَهَا”أَيْ: لَمْ تَسْتَوفِ حقَّهَا مِنْهُ. وقولُهُ:”يَا أُخيَّ”رُوِي بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الخاءِ وتخفيفِ الياءِ، ورُوِي بضم الهمزة وفتحِ الخاءِ وتشديد الياءِ.

3/262- وعن سهلِ بن سعدٍ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنَا وكافلُ الْيتِيمِ في الجنَّةِ هَكَذَا”وأَشَار بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وفَرَّجَ بَيْنَهُمَا”. رواه البخاري.
و”كَافِلُ الْيتِيم”: الْقَائِمُ بِأُمُورِهِ.

4/263- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كَافِل الْيتيمِ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ. أَنَا وهُوَ كهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ” وَأَشَارَ الرَّاوي وهُو مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالسَّبَّابةِ والْوُسْطى. رواه مسلم.
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الْيَتِيمُ لَه أَوْ لِغَيرهِ” معناهُ: قَرِيبهُ، أَوْ الأَجنَبِيُّ مِنْهُ، فَالْقرِيبُ مِثلُ أَنْ تَكْفُلَه أُمُّه أَوْ جدُّهُ أَو أخُوهُ أَوْ غَيْرُهُمْ مِنْ قَرَابتِهِ، واللَّه أَعْلَم.

5/264-وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرةُ وَالتَّمْرتَانِ، وَلا اللُّقْمةُ واللُّقْمتانِ إِنَّمَا المِسْكِينُ الذي يتَعَفَّفُ” متفقٌ عليه.
وفي رواية في”الصحيحين”: “لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ علَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمةُ واللُّقْمتَان، وَالتَّمْرةُ وَالتَّمْرتَانِ، ولَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغنْيِه، وَلا يُفْطَنُ بِهِ فيُتصدَّقَ عَلَيهِ، وَلا يَقُومُ فَيسْأَلَ النَّاسَ “.

6/265- وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “السَّاعِي علَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجاهِدِ في سبيلِ اللَّه”وأَحْسُبهُ قَالَ:”وَكَالْقائِمِ لا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرِ” متفقٌ عَلَيهِ.

7/266- وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “شَرُّ الطَّعَام طَعَامُ الْوليمةِ، يُمْنَعُها مَنْ يأْتِيهَا، ويُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوةَ فَقَدْ عَصَى اللَّه ورَسُولُهُ” رواه مسلم.
وفي رواية في الصحيحين عن أَبي هريرةَ من قوله: “بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ”.

8/267- وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ” وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه مسلم.
“جَارِيَتَيْنِ”أَيْ: بِنْتَيْنِ.

9/268-وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: دَخَلَتَ عليَّ امْرَأَةٌ ومعهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَم تَجِدْ عِنْدِى شَيْئاً غَيْرَ تَمْرةٍ واحِدةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمتْهَا بَيْنَ ابنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قامتْ فَخَرَجتْ فَدخلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَيْنَا، فَأَخْبرتُهُ فَقَالَ: “مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ” متفقٌ عَلَيهِ.

10/269-وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: جَاءَتنى مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنْتَيْن لَهَا، فَأَطعمتهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعطتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرفعتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأَكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبنى شَأْنَها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَو أَعْتقَها بِهَا مَن النَّارِ” رواه مسلم.

11/270-وعن أَبي شُريْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْروٍ الخُزاعِيِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعيفينِ الْيَتِيمِ والمرْأَةِ” حديث حسن صحيح رواه النسائي بإِسناد جيدٍ.
ومعنى”أُحَرِّجُ”: أُلحقُ الحَرَجَ، وَهُوَ الإِثْمُ بِمَنْ ضَيَّعَ حَقَّهُما، وَأُحَذِّرُ منْ ذلكَ تَحْذيراً بَلِيغاً، وَأَزْجُرُ عَنْهُ زَجْراً أَكيداً.

12/271-وعن مُصْعبِ بنِ سعدِ بنِ أَبي وقَّاصٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: رأَى سعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلاً علَى مَنْ دُونهُ، فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “هَل تُنْصرُونَ وتُرزقُونَ إِلَاّ بِضُعفائِكُم” رواه البخاري هَكَذا مُرسلاً، فَإِن مصعَب بن سعد تَابِعِيُّ، ورواه الحافِظُ أَبو بكر الْبَرْقَانِى في صحيحِهِ مُتَّصلاً عن مصعب عن أَبيه رضي اللَّه عنه.

13/272- وعن أَبي الدَّرْداءِ عُوَيْمرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “ابْغونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُنْصرُونَ، وتُرْزقون بضُعفائِكُمْ” رواه أَبو داود بإسناد جيد

34-‌‌ باب الوصية بالنساء

قَالَ الله تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وَقالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:129]

1/273-وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول ُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اسْتوْصُوا بِالنِّساءِ خيْراً، فإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوجَ مَا في الضِّلعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهبتَ تُقِيمُهُ كَسرْتَهُ، وإِنْ تركتَهُ، لمْ يزلْ أَعوجَ، فاستوْصُوا بِالنِّسَاءِ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية في الصحيحين: “المرْأَةُ كالضلعِ إِنْ أَقَمْتَهاكسرْتَهَا، وإِنِ استَمتعْت بِهَا، اسْتَمتعْت وفِيها عَوجٌ “.

وفي رواية لمسلمٍ: “إِنَّ المرْأَةَ خُلِقتْ مِن ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتقِيمَ لكَ علَى طريقةٍ، فَإِنْ استمتعْت بِهَا، اسْتَمتَعْتَ بِهَا وفِيها عَوجٌ، وإِنْ ذَهَبْتَ تُقيمُها كسرتَهَا، وَكَسْرُهَا طلاقُها “.
قولُهُ:”عوجٌ”هُوَ بفتح العينِ والواوِ.

2/274-وعن عبد اللَّه بن زَمْعَةَ رضي اللَّهُ عنه، أَنه سمعَ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يخْطُبُ، وذكَر النَّاقَةَ والَّذِى عقَرهَا، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {إِذِ انْبعث أَشْقَاهَا} انْبعثَ لَها رَجُلٌ عزِيزٌ، عارِمٌ منِيعٌ في رهْطِهِ” ثُمَّ ذكَرَ النِّساءَ، فَوعظَ فِيهنَّ، فَقالَ:”يعْمِدُ أَحَدكُمْ فيجْلِدُ امْرأَتَهُ جلْد الْعَبْدِ فلَعلَّهُ يُضاجعُهَا مِنْ آخِر يومِهِ” ثُمَّ وَعَظهُمْ في ضحكهِمْ مِن الضَّرْطَةِ وَقالَ: “لِمَ يضحكُ أَحَدَكُمْ مِمَّا يفعلُ؟ ” متفق عليه

“وَالْعارِمُ”بالعين المهملة والراءِ: هُو الشِّرِّيرُ المُفْسِد، وقولُه:”انبعثَ”، أَيْ: قَامَ بسرعة.

3/275-وعن أَبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِه مِنها خُلقاً رضِيَ مِنْها آخَرَ” أَوْ قَالَ:”غيْرَهُ”رواه مسلم.
وقولُهُ:”يفْركْ”هُوَ بفتحِ الياءِ وإِسكانِ الفاءِ وفتح الراءِ معناه: يُبغضُ، يقَالُ: فَركَتِ المرْأَةُ زَوْجَهَا، وفَرِكَهَا زَوْجُها، بكسر الراءِ، يفركُها بفتحهَا: أَيْ: أَبغضهَا، واللَّه أعلم.

4/276-وعن عَمْرو بنِ الأَحْوَصِ الجُشميِّ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ سمِعَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في حَجِّةِ الْوَداع يقُولُ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه تَعَالَى، وَأَثنَى علَيْهِ وذكَّر ووعظَ، ثُمَّ قَالَ:

“أَلا واسْتَوْصوا بِالنِّساءِ خَيْراً، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوانٍ عَنْدَكُمْ لَيْس تمْلكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غيْرَ ذلِكَ إِلَاّ أَنْ يأْتِينَ بِفَاحشةٍ مُبيِّنةٍ، فإِنْ فَعلْنَ فَاهْجُروهُنَّ في المضَاجعِ، واضْربُوهنَّ ضَرْباً غيْر مُبرِّحٍ، فإِنْ أَطعنَكُمْ فَلا تبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبيلاً، أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسائِكُمْ حَقًّا، ولِنِسائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً، فَحَقُّكُمْ عَلَيْهنَّ أَن لا يُوطِئْنَ فُرُشكمْ منْ تَكْرهونَ، وَلا يأْذَنَّ في بُيُوتكمْ لِمن تكْرهونَ، أَلا وحقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَن تُحْسنُوا إِليْهنَّ في كِسْوتِهِنَّ وَطعامهنَّ”.
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيحٌ.

قوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم”عوانٍ”أَيْ: أَسِيرَاتٌ، جمْعُ عانِيةٍ، بِالْعَيْنِ المُهْمَلَةِ، وَهِيَ الأَسِيرَةُ، والْعانِي: الأَسِيرُ. شَبَّهَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المرْأَةَ في دُخُولَهَا تحْتَ حُكْم الزَّوْجِ بالأَسيرِ”والضرْبُ المُبرِّحُ”: هُوَ الشَّاقُّ الشديدُ، وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً”أَيْ: لَا تَطلُبوا طرِيقاً تحْتجُّونَ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَتُؤذونهنَّ بِهِ، واللَّه أعلم.

5/277-وعن مُعَاويَةَ بنِ حَيْدةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قلتُ: يَا رَسُول اللَّه مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: “أَن تُطْعمَها إِذَا طَعِمْتَ، وتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسيْتَ وَلَا تَضْربِ الْوَجهَ، وَلا تُقَبِّحْ، وَلا تَهْجُرْ إِلَاّ في الْبَيْتِ” حديثٌ حسنٌ رواه أَبو داود وَقالَ: معنى”لا تُقَبِّحْ”أَى: لا تقُلْ قَبَّحَكِ اللَّه.

6/278-وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَكْمَلُ المُؤْمنين إِيمَاناً أَحْسنُهُمْ خُلُقاً، وَخِياركُمْ خيارُكم لِنِسَائِهِم” رواه التِّرمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

7/279-وعن إِياس بنِ عبدِ اللَّه بنِ أَبي ذُباب رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَا تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ” فَجاءَ عُمَرُ رضي اللَّه عنه إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّساءُ عَلَى أَزْواجهنَّ، فَرَخَّصَ في ضَرْبهِنَّ فَأَطاف بِآلِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نِساءٌ كَثِيرٌ يَشْكونَ أَزْواجهُنَّ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَقَدْ أَطَافَ بآلِ بَيْت مُحمَّدٍ نِساءٌ كَثيرِ يشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولِئك بخيارِكُمْ” رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
قوله:”ذَئِرْنَ”هُوَ بذَال مُعْجَمَة مفْتوحَة ثُمَّ هَمْزة مَكْسُورَة ثُمَّ راءٍ سَاكِنَة ثُمَّ نُون، أي: اجْتَرَأْنَ، قوله:”أَطاف”أيْ: أحَاطَ.

1/280-وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتاعهَا المَرْأَةُ الصَّالحةُ” رواه مسلم

35-‌‌ باب حق الزوج عَلَى المرأة

قَالَ الله تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] .
وأما الأحاديث فمنها حديث عمرو بن الأحوص السابق في الباب قبله.

1/281- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا دعَا الرَّجُلُ امْرأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَأْتِهِ فَبَات غَضْبانَ عَلَيْهَا لَعَنتهَا الملائكَةُ حَتَّى تُصْبحَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لهما: “إِذَا بَاتَتْ المَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجهَا لَعنتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ”

وفي روايةٍ قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِن رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَاّ كَانَ الَّذي في السَّماءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْها”.

2/282- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَيضاً أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنْ في بَيْتِهِ إِلَاّ بِإِذنِهِ” متفقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ البخاري.

3/283- وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والأَمِيرُ رَاعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ عَلَى بيْتِ زَوْجِها وولَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ” متفقٌ عليه.

4/284- وعن أَبي عليٍّ طَلْق بن عليٍّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجتَهُ لِحَاجتِهِ فَلْتَأْتِهِ وإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّور”. رواه الترمذي والنسائي، وَقالَ الترمذي: حديث حسن صحيح.

5/285- وعن أَبي هريرة رضي اللَّهُ عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “لَوْكُنْتُ آمِراً أحَداً أَنْ يسْجُدَ لأَحدٍ لأَمَرْتُ المرْأَة أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا”. رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح.

6/286- وعن أُمِّ سلمةَ رضي اللَّهُ عنها قالت: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَيُّما امرأَةٍ ماتَتْ وزوْجُهَا عَنْهَا راضٍ دخَلَتِ الجَنَّةَ” رواه الترمذي وَقالَ حديث حسن.

7/287- وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي اللَّهُ عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا في الدُّنْيا إِلَاّ قالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيه قَاتلَكِ اللَّه، فَإِنَّمَا هُو عِنْدَكِ دخِيلٌ يُؤشِكُ أَنْ يُفارِقَكِ إِلَينا” رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن

8/288- وعن أُسامَةَ بنِ زيد رضي اللَّه عنهما عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا تركْتُ بعْدِي فِتْنَةً هِي أَضَرُّ عَلَى الرِّجالِ: مِنَ النِّسَاءِ “متفقٌ عَلَيهِ

36-‌‌باب النفقة عَلَى العيال

قَالَ الله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] وَقالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]

1/989-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سبيلِ اللَّه، وَدِينَارٌ أَنْفَقتَهُ في رقَبَةٍ، ودِينَارٌ تصدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفقْتَهُ علَى أَهْلِكَ، أَعْظمُهَا أَجْراً الَّذي أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ” رواه مسلم.

2/290-وعن أَبي عبدِ اللَّهِ وَيُقَالُ له: أبي عبدِ الرَّحمن ثَوْبانَ بْن بُجْدُدَ مَوْلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دابَّتِهِ في سبيلِ اللَّه، ودِينَارٌ يُنْفِقُهُ علَى أَصْحابه في سبِيلِ اللَّهِ” رواه مسلم.

3/291-وعن أُمِّ سلَمَةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: قلتُ يَا رسولَ اللَّهِ، هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبي سلَمةَ أَنْ أُنْفِقَ علَيْهِمْ، وَلَسْتُ بتَارِكَتِهمْ هَكَذَا وهَكَذَا، إِنَّماهُمْ بنِيَّ؟ فَقَالَ: “نَعَمْ لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ علَيهِم” متفقٌ عَلَيهِ.

4/292-وعن سعد بن أَبي وقَّاص رضي اللَّه عنه في حدِيثِهِ الطَّويلِ الذِي قَدَّمْناهُ في أَوَّل الْكِتَابِ

في بَابِ النِّيَّةِ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ لَهُ: ” وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجهَ اللَّه إلَاّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعلُ في فيِّ امرأَتِكَ” متفقٌ عَلَيهِ.

5/293- وعن أَبي مَسْعُودٍ الْبَدرِيِّ رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نفقَةً يحتَسبُها فَهِي لَهُ صدقَةٌ” متفقٌ عَلَيهِ.

6/294- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ رَضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “كَفي بِالمرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يقُوتُ” حديثٌ صحيحٌ رواه أَبو داود وغيره.
ورواه مسلم في صحيحه بمعنَاهُ قَالَ: “كَفي بِالمرْءِ إِثْماً أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يملِكُ قُوتَهُ”.

7/295- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّهُ عنه أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا مِنْ يوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَاّ ملَكَانِ يَنْزلانِ، فَيقولُ أَحدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلفاً، ويَقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاًتَلَفاً”متفقٌ عَلَيهِ.

8/296-وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الْيَدُ الْعُلْيا خَيْرٌ مِنَ الْيدِ السُّفْلَى وابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنَى، ومَنْ يَسْتَعِففْ، يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه اللَّهُ” رواه البخاري

37-‌‌باب الإِنفاق مِمَّا يحبُّ ومن الجيِّد

قَالَ الله تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوامِنْ طَيِّبَاتِ مَاكَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاتَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267]

1/297- عن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ رضي اللَّه عنه أَكْثَر الأَنْصَارِ بِالمدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحاءَ، وَكانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المسْجِدِ وكانَ رسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يدْخُلُهَا وَيشْربُ مِنْ ماءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ:

فلَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أَبُو طَلْحَةَ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: يارسولَ اللَّه إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْكَ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ مَالي إِلَيَّ بَيْرَحَاءَ، وإِنَّهَا صَدقَةٌ للَّهِ تَعَالَى أَرْجُو بِرَّهَا وذُخْرهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَضَعْها يَا رَسُول اللَّه حيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ،

فقال رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “بَخٍ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْرَبِينَ” فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رسولَ اللَّه، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ، وَبَني عَمِّهِ. متفقٌ عَلَيهِ.
وقولُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مالٌ رَابحٌ” رُوي في الصحيحين”رَابحٌ”و”رَايحٌ”بالباءِ الموحدةِ وبالياءِ المثناةِ، أَيْ رَايحٌ عَلَيْكَ نَفْعُهُ، وَ”بَيرَحَاءُ”حَدِيِقَةُ نَخْلٍ، وروي بكسرِ الباءِ وَفتحِها

38-‌‌بيان وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى، ونهيهم عن المخالفة، وتأديبهم، ومنعهم من ارتكاب مَنْهِيٍّ عَنْهُ

قَالَ الله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] .

1/298- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: أَخذ الحسنُ بنُ عليٍّ رضي اللَّه عنْهُما تَمْرةً مِنْ تَمرِ الصَّدقَةِ فَجعلهَا في فِيهِ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كِخْ كِخْ، إِرْمِ بِهَا، أَما علِمْتَ أَنَّا لا نأْكُلُ الصَّدقةَ!؟ ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وفي روايةٍ: “أنَّا لا تَحِلُّ لنَا الصَّدقةُ” وقوله:”كِخْ كِخْ”يُقالُ بِاسْكَانِ الخَاءِ، ويُقَالُ بكَسرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ وهيَ كلمةُ زَجْر للصَّبِيِّ عن المُسْتَقذَرَاتِ، وكَانَ الحسنُ رضي اللَّه عنه صبِياً 2/299-وعن أَبي حفْصٍ عُمَر بن أَبي سلَمةَ عبدِ اللَّه بنِ عبدِ الأَسد: ربيبِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: كُنْتُ غُلاماً في حجْرِرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا غُلامُ سمِّ اللَّهَ تَعَالَى، وَكُلْ بِيمِينِكَ، وكُل ممَّا يليكَ” فَما زَالَتْ تِلْكَ طِعْمتي بعْدُ. متفقٌ عَلَيهِ.
“وتَطِيش”: تَدُورُفي نَواحِي الصَّفحَةِ.

3/300-وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والأِمَامُ رَاعٍ، ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيتِهِ” متفقٌ عَلَيهِ.

4/301-وعن عمرو بن شُعْيب، عن أَبيه، عن جَدِّهِ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مُرُوا أَوْلادكُمْ بِالصَّلاةِ وهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهمْ علَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ، وفرَّقُوا بيْنَهُمْ في المضَاجعِ “حديثٌ حسن. رواه أَبُو داود بإِسنادٍ حسنٍ.

5/302-وعن أَبي ثُريَّةَ سَبْرَةَ بنِ مَعْبدٍ الجهَنِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ علَيْهَا ابْنَ عشْرِ سِنِينَ” حديث حسنٌ رواه أَبو داود، والترمِذي وَقالَ: حديث حسن.
ولَفْظُ أَبي داوُد: “مرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ”

39-‌‌ باب حق الجار والوصية بِهِ

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36 [.

1/303-وعن ابنِ عمرَ وعائشةَ رضي اللَّه عنهما قَالا: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ حتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سيُوَرِّثُهُ” متفقٌ عَلَيهِ.

2/304-وعن أَبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا أَبَا ذَرٍّ إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَها، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ” رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ عن أَبي ذر قَالَ: إنّ خليلي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَوْصَانِي: “إِذا طبخْتَ مَرَقاً فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمعْرُوفٍ”.

3/305- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “واللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لَا يُؤْمِنُ،”قِيلَ: منْ يارسولَ اللَّهِ؟ قَالَ:”الَّذي: لَا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ،” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلمٍ:”لا يَدْخُلُ الجنَّة مَنْ لَا يأْمنُ جارُهُ بوَائِقهُ “.
“الْبَوائِقُ”الْغَوَائِل وَالشُّرُّورُ.

4/306-وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا نِسَاءَ المُسلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لجارتِهَا وَلَوْ فِرْسَنَ شَاةٍ” متفقٌ عَلَيْهِ.

5/307-وعنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَمْنَعْ جارٌ جارَهُ أَنْ يغْرِزَ خَشَبَةً في جِدارِهِ “ثُمَّ يَقُولُ أَبو هريرة: مَالي أَرَاكُمْ عنْهَا معْرِضِينَ، واللَّهِ لأرمينَّ بِهَا بيْنَ أَكْتَافِكُمْ. متفقٌ عَلَيهِ.
رُوى”خَشَبهُ”بالإِضَافَةِ والجمْعِ، ورُوِي”خَشبَةً”بالتَّنْوِينَ عَلَى الإِفْرَادِ. وقوله: مالي أَرَاكُمْ عنْهَا مُعْرِضِينَ: يَعْني عنْ هذِهِ السُّنَّةِ

6/308- وعنه أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخرِ، فَلْيكرِمْ ضَيْفهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمنُ بِاللَّهِ وَالْيومِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ” متفقٌ عَلَيهِ.

7/309-وعن أَبي شُريْح الخُزاعيِّ رضي اللَّه عنه أَن النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيوْمِ الآخِرِ، فَلْيُحسِنْ إلِى جارِهِ، ومنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفهُ، ومنْ كانَ يؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيسْكُتْ” رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.

8/310- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَت: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلى أَيِّهما أُهْدِى؟ قَالَ: “إِلَى أَقْربهمِا مِنْك بَاباً” رواه البخاري.

9/311-وعن عبدِ اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “خَيْرُ الأَصحاب عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُهُمْ لصاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى خيْرُهُمْ لجارِهِ “رواه الترمذي وقال: حديث حسن

40-‌‌ باب بر الوالدين وصلة الأرحام

قال الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36 [.

وَقالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1] وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد:21] وَقالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت:8]

وَقالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيما. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23، 24]

وَقالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14} .

1/312- عن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قَالَ: سأَلتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَيُّ الْعملِ أَحبُّ إِلَى اللَّهِ تَعالى؟ قَالَ: “الصَّلاةُ عَلَى وقْتِهَا”قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:”بِرُّ الْوَالِديْنِ”قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:”الجِهَادُ في سبِيِل اللَّهِ” متفقٌ عَلَيهِ.

2/313- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا يَجْزِي ولَدٌ والِداً إِلَاّ أَنْ يَجِدَهُ مملُوكاً، فَيَشْتَرِيَهُ، فَيَعْتِقَهُ” رواه مسلم.

3/314- وعنه أيضاً رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيوم الآخِر، فَلْيصلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيوْمِ الآخِرِ، فلْيقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصمُتْ” متفقٌ عليه.

4/315- وعنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مُقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعةِ، قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال فذلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: اقرءوا إِنْ شِئتُمْ: {فهَلِ عَسَيْتمْ إِن تَولَّيتُم أَنْ تُفسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقطِّعُوا أَرْحامكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعنَهُم اللَّهُ فأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22،23] متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: “منْ وَصلَكِ، وَصلْتُهُ، ومنْ قَطَعكِ قطعتُهُ”

5/316- وعنه رضي اللَّه عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: يارسول اللَّه مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحَابَتي؟ قَالَ: “أُمُّك”قَالَ: ثُمَّ منْ؟ قَالَ:”أُمُّكَ”قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:”أُمُّكَ”قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:”أَبُوكَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: يَا رسول اللَّه مَنْ أَحَقُّ الناس بِحُسْن الصُّحْبةِ؟ قَالَ:”أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثمَّ أَباكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ”.
“والصَّحابة”بمعنى: الصُّحبةِ. وقوله:”ثُمَّ أباك”هَكَذا هُوَ منصوب بفعلٍ محذوفٍ، أي ثُمَّ برَّ أَباك وفي رواية:”ثُمَّ أَبُوكَ”وهذا واضِح.

6/317-وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “رغِم أَنْفُ، ثُم رغِم أَنْفُ، ثُمَّ رَغِم أَنف مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ، أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما، فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ” رواه مسلم.

7/318- وعنه رضي اللَّه عنه أَن رجلاً قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحسِنُ إِلَيْهِمِ وَيُسيئُونَ إِليَّ، وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيجْهلُونَ علَيَّ، فَقَالَ: “لَئِنْ كُنْت كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دمْتَ عَلَى ذَلكَ” رواه مسلم.
“وتسِفُّهُمْ”بضم التاءِ وكسرِ السين المهملةِ وتشديد الفاءِ.”والمَلُّ”بفتحِ الميم، وتشديد اللام وَهُوَ الرَّماد الحارُّ: أَيْ كأَنَّمَا تُطْعِمُهُمْ الرَّماد الحارَّ وهُو تَشبِيهٌ لِما يلْحَقُهمْ مِنَ الإِثم بِما يَلْحقُ آكِلَ الرَّمادِ مِنَ الألم، ولا شئَ على المُحْسِنِ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يَنَالهُمْ إِثْمٌ عَظَيمٌ بَتَقْصيِرهِم في حَقِه، وإِدخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيْهِ، واللَّه أعلم

8/319- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أَثرِهِ، فَلْيصِلْ رحِمهُ” متفقٌ عَلَيهِ.
ومعْنى”ينسأَ لَهُ في أَثَرِه”: أَيْ: يؤخر له في أَجلهِ وعُمُرِهِ.

9/320- وعنه قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَة أَكْثَر الأَنصار بِالمَدينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحبُّ ّأَمْوَالِهِ بِيرْحَاءَ، وكَانتْ مُسْتقْبِلَة المَسْجِدِ، وكَان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يدْخُلُهَا، وَيَشْرَب مِنْ ماءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلمَّا نَزَلتْ هذِهِ الآيةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]

قَامَ أَبُو طَلْحة إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ اللَّه تَبَارَك وتَعَالَى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحب مَالِي إِليَّ بِيَرْحَاءَ، وإِنَّهَا صَدقَةٌ للَّهِ تَعَالَى، أَرجُو بِرَّهَا وذُخْرهَا عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَضَعْهَا يَا رَسُول اللَّه حيثُ أَراكَ اللَّه.

فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “بَخٍ، ذلِكَ مالٌ رابحٌ، ذلِكَ مالٌ رابحٌ، وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلتَ، وإِنَّي أَرى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأَقْربِين” فَقَالَ أَبُو طَلْحة: أَفعلُ يَا رَسُول اللَّه، فَقَسَمهَا أَبُو طَلْحة في أَقارِبِهِ وبَنِي عمِّهِ. متفقٌ عَلَيهِ.
وَسبق بَيَانُ أَلْفَاظِهِ في بابِ الإِنْفَاقِ مِمَّا يُحِب.

10/321-وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَقْبلَ رجُلٌ إِلى نَبِيِّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: أُبايِعُكَ عَلَى الهِجرةِ وَالجِهَادِ أَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللَّه تعالى. قال: “فهَلْ مِنْ والدِيْكَ أَحدٌ حَيٌّ؟ “قَالَ: نعمْ بَلْ كِلاهُما قَالَ:”فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللَّه تَعَالَى؟ “قَالَ: نعمْ قَالَ:”فَارْجعْ إِلى والدِيْكَ، فَأَحْسِنْ صُحْبتَهُما. متفقٌ عَلَيهِ. وهذا لَفْظُ مسلمٍ.
وفي روايةٍ لهُما: جاءَ رجلٌ فاسْتَأْذَنُه في الجِهَادِ فقَالَ: “أَحيٌّ والِداكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:”ففِيهِما فَجاهِدْ”.

11/322- وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: لَيْسَ الْواصِلُ بِالمُكافئ وَلكِنَّ الواصِلَ الَّذي إِذا قَطَعتْ رَحِمُهُ وصلَهَا” رواه البخاري

وَ”قَطعتْ”بِفَتْح القافِ وَالطَّاءِ. وَ”رَحِمُهُ”مَرْفُوعٌ.

12/323-وعن عائشة قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الرَّحمُ مَعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّه، وَمَن قَطَعَني، قَطَعَهُ اللَّه” متفقٌ عليه.

13/324- وعن أُمِّ المُؤْمِنِينَ ميمُونَةَ بنْتِ الحارِثِ رضي اللَّه عنها أَنَّهَا أَعتَقَتْ وَليدَةً وَلَم تَستَأْذِنِ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فلَمَّا كانَ يومَها الَّذي يدورُ عَلَيْهَا فِيه، قَالَتْ: أشَعَرْتَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَعْتَقْتُ ولِيدتي؟ قَالَ: “أَوَ فَعلْتِ؟ ” قَالَتْ: نَعمْ قَالَ:”أَما إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيتِهَا أَخوالَكِ كَانَ أَعظَمَ لأجرِكِ” متفقٌ عَلَيهِ.

14/325-وعن أَسْمَاءَ بنْتِ أَبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّه عنهما قَالَتْ: قَدِمتْ عليَّ أُمِّي وهِي مُشركة في عهْدِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَاسْتَفتَيْتُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قلتُ: قَدِمتْ عَليَّ أُمِّى وَهِى راغبةٌ، أَفأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ:”نَعمْ صِلي أُمَّكِ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَولُهَا:”راغِبةٌ”أَي: طَامِعةٌ عِندِي تَسْأَلُني شَيئاً، قِيلَ: كَانَت أُمُّهَا مِنْ النَّسبِ، وقِيل: مِن الرَّضاعةِ والصحيحُ الأَول.

15/326- وعن زينب الثقفِيَّةِ امْرأَةِ عبدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي اللَّه عَنْهُ وعنها قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “تَصدَّقنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ولَو مِن حُلِيِّكُنَّ” قَالَتْ: فَرجعتُ إِلى عبدِ اللَّه ابنِ مسعودٍ فقلتُ لَهُ: إِنَّك رجُلٌ خَفِيفُ ذَات اليَدِ وإِنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قدْ أمَرَنَا بالصدقةِ، فأْتِه فاسأَلْهُ، فإنْ كان ذلك يُجْزِئُ عنِّي وَإِلَاّ صَرَفُتَهَا إِلى غَيركُمْ.

فَقَالَ عبدُ اللَّهِ: بَلِ ائتِيهِ أَنتِ، فانطَلَقْتُ، فَإِذا امْرأَةٌ مِن الأَنَصارِ بِبابِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حاجَتي حاجتُهَا، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ أُلقِيتْ علَيهِ المهابةُ. فَخَرج عَلَيْنَا بلالٌ، فقُلنَا لَهُ: ائْتِ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرأَتَيْنِ بِالبَابَ تَسأَلانِكَ: أَتُجزِئُ الصَّدَقَةُ عنْهُمَا عَلَى أزواجِهِما وَعلى أَيتَامٍ في حُجُورِهِمَا؟ وَلا تُخْبِرهُ منْ نَحنُ، فَدَخل بِلالٌ علَى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم،

فَسأَلَهُ فَقَالَ لهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم “مَنْ هُمَا؟ ” قَالَ: امْرأَةٌ مِنَ الأَنصارِ وَزَيْنبُ. فقالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم “أَيُّ الزَّيانِبِ هِي؟ ” قَالَ: امرأَةُ عبدِ اللَّهِ، فقال رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَهُمَا أَجْرانِ: أَجْرُ القرابةِ وَأَجْرُ الصَّدقَةِ” متفقٌ عليه.

16/327- وعن أَبي سُفْيان صخْر بنِ حربٍ رضي اللَّه عنه في حدِيثِهِ الطَّويل في قصَّةِ هِرقل أَنَّ هِرقْلَ قَالَ لأَبي سفْيان: فَماذَا يأْمُرُكُمْ بِهِ؟ يَعْني النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: قُلْتُ: يقولُ:”اعْبُدُوا اللَّهَ وَحدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، واتْرُكُوا مَا يقُولُ آباؤُكمْ، ويأْمُرُنَا بالصَّلاةِ، والصِّدْقِ، والعفَافِ، والصِّلَةِ”متفقٌ عَلَيهِ.

17/328-وعن أَبي ذر رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّكُم ستفْتَحُونَ أَرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ”.
وفي روايةٍ: “ستفْتحُونَ مصْر وهِي أَرْضٌ يُسَمَّى فِيها القِيراطُ، فَاستَوْصُوا بِأَهْلِها خيْراً، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمة ورحِماً”.
وفي روايةٍ: “فإِذا افْتتَحتُموها، فَأَحْسِنُوا إِلى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لهُم ذِمَّةً ورحِماً “أَو قَالَ “ذِمَّةً وصِهراً” رواه مسلم.
قَالَ العُلَماءُ: الرَّحِمُ الَّتي لهُمْ كَوْنُ هَاجَر أُمُّ إِسْماعِيلَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهمْ.”والصِّهْرُ”: كونُ مارِية أُمِّ إِبراهِيمَ ابنِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم منهم.

18/329- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: لما نزلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَأَنْذِرعشِيرتكَ الأَقربِينَ} [الشعراء: 214] دعارسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قُرَيْشَا فاجْتَمعُوا فَعَمَّ، وخَصَّ وَقالَ: “يَا بَني عبدِ شَمسٍ، يا بَنِي كَعْب بنِ لُؤَي، أَنقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كْعبٍ، أَنْقِذُوا أَنفُسَكُمْ مِن النَّار، يَا بَنِي عبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني هاشِمٍ أَنقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بني عبْدِ المطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسكُمْ مِن النَّارِ، يَا فاطِمَة أَنْقِذي نفْسَكَ منَ النَّار، فَإِني لا أَمْلِكُ لَكُمْ منَ اللَّه شيْئاً، غَيْر أَنَّ لَكُمْ رحِماً سأَبلُّهَا بِبِلالِها” رواه مسلم.
قوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”بِبِلالِهَا”هُوَ بفتحِ الباءِ الثَّانِيةِ وكَسرهَا”والبِلالُ”الماءُ. ومعنى الحديث: سأَصِلُهَا شبَّهَ قَطِيعَتَهَا بالحرارةِ تُطْفَأُ بالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلةِ.

19/330-وعن أَبي عبد اللَّه عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: سمعتُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جِهاراً غيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: “إِنَّ آلَ بَني فُلانٍ لَيُسُوا بأَوْلِيائي إِنَّما وَلِيِّي اللَّهُ وصالحُ المؤْمِنِين، ولَكِنْ لَهُمْ رحِمٌ أَبُلُّها بِبِلالِها” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. واللَّفظُ للبخاري.

20/331- وعن أَبي أَيُّوب خالدِ بن زيدٍ الأنصاري رضي اللَّه عنه أَن رجلاً قَالَ: يَا رسولَ اللَّه أَخْبِرْني بِعملٍ يُدْخِلُني الجنَّةَ، وَيُبَاعِدني مِنَ النَّارِفقال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”تعبُدُ اللَّه، وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِم” متفقٌ عَلَيهِ.

21/332-وعن سلْمان بن عامرٍ رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمرٍ، فَإِنَّهُ بركَةٌ، فَإِنْ لَمْ يجِد تَمْراً، فَالماءُ، فَإِنَّهُ طُهُورٌ” وَقالَ:” الصَّدقَةُ عَلَى المِسكِينِ صدقَةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وصِلَةٌ”.
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن.

22/333-وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: كَانَتْ تَحتي امْرأَةٌ، وكُنْتُ أُحِبُّها، وَكَانَ عُمرُ يكْرهُهَا، فَقَالَ لي: طَلِّقْها فأبيْتُ، فَأَتَى عَمرُ رضي اللَّه عنه النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَذَكر ذلكَ لَهُ، فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”طَلِّقْهَا “رواه أَبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

23/334-وعن أبي الدَّرْادءِ رضي اللَّه عنه أَن رَجُلاً أَتَاهُ فقال: إِنَّ لي امْرَأَةً وإِن أُمِّي تَأْمُرُني بِطَلَاقِها؟ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ “الْوالِدُ أَوْسطُ أَبْوابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذلِك الْبابَ، أَوِ احفظْهُ” رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيح.

24/335- وعن البراءِ بن عازبٍ رضي اللَّه عنهما، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الخَالَةُ بِمَنْزِلَة الأُمِّ” رواه الترمذي: وَقالَ حديثٌ حسن صحيح

وفي الباب أَحاديث كِثيرة في الصحيح مشهورة، مِنْهَا حديث أَصحابِ الغارِ، وحديث جُرَيْجٍ وقَدْ سَبَقَا، وأَحاديث مشهورة في الصحيح حَذَفْتُهَا اخْتِصاراً، وَمِنْ أَهَمِّهَا حديثُ عمْرو بن عَبسَةَ رضي اللَّه عنه الطَّوِيلُ المُشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ كَثيرةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الإِسْلامِ وآدابِهِ وَسَأَذْكُرُهُ بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ اللَّه تَعَالَى في بابِ الرَّجَاءِ، قَالَ فِيهِ.

دَخَلْتُ عَلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَكَّةَ، يَعْني في أَوَّل النُبُوَّةِ، فقلتُ له: ما أَنتَ؟ قال: “نَبيٌّ”فقلتُ: ومانبيٌّ؟ قَالَ:”أَرسلَني اللَّهُ تَعَالَى، فقلتُ: بِأَيِّ شَيءٍ أَرْسلَك؟ قَالَ:”أَرْسلَني بِصِلةِ الأَرْحامِ، وكَسْرِ الأوثَانِ، وأَنْ يُوحَّدَ اللَّه لَا يُشرَكُ بِهِ شَيءٌ” وذكر تَمامَ الحديث. واللَّه أعلم

41-‌‌ باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم

قَالَ الله تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23،24]

وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25]

وَقالَ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماًوَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23،24]

1/336-وعن أَبي بكرةَ نُفيْع بنِ الحارثِ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَلا أُنَبِّئُكمْ بِأكْبَرِ الْكَبائِرِ؟ “ثلاثاً قُلنا: بلَى يَا رسولَ اللَّه: قَالَ:”الإِشْراكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الْوالِديْن”وكان مُتَّكِئاً فَجلَسَ، فَقَالَ:”أَلا وقوْلُ الزُّورِ وشهادُة الزُّورِ” فَما زَال يكَرِّرُهَا حتَّى قُلنَا: ليْتهُ سكتْ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

2/337-وعن عبد اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الْكبائرُ: الإِشْراكُ بِاللَّه، وعقُوق الْوالِديْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، والْيمِينُ الْغَموس” رواه البخاري.
“اليمِين الْغَمُوسُ”التي يَحْلِفُهَا كَاذِباً عامِداً، سُمِّيت غَمُوساً، لأَنَّهَا تَغْمِسُ الحالِفَ في الإِثم.

3/338-وعنه أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مِنَ الْكبائِرِ شتْمُ الرَّجلِ والِدَيْهِ،”قالوا: يَا رسولَ اللَّه وهَلْ يشْتُمُ الرَّجُلُ والِديْهِ؟، قَالَ:”نَعمْ، يَسُبُّ أَبا الرَّجُلِ، فيسُبُّ أَباه، ويسُبُّ أُمَّهُ، فَيسُبُّ أُمَّهُ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: “إِنَّ مِنْ أَكْبرِ الكبائِرِ أَنْ يلْعنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ،”قِيلَ: يَا رَسُول اللَّهِ كيْفَ يلْعنُ الرجُلُ والِديْهِ؟، قَالَ:”يسُبُّ أَبا الرَّجُل، فَيسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسبُّ أُمَّه، فيسُبُّ أُمَّهُ”.

4/339-وعن أَبي محمد جُبيْرِ بنِ مُطعِمٍ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ” قَالَ سفيان في روايته: يعْني: قاطِع رحِم. متفقٌ عَلَيهِ.

5/340-وعن أَبي عِيسى المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمهَاتِ، ومنْعاً وهاتِ، ووأْدَ البنَاتِ، وكَرَهَ لكُمْ قِيل وقالَ، وَكَثْرَةَ السَؤالِ، وإِضَاعة المالِ “متفقٌ عليه.
قولُهُ:”مَنْعاً”معنَاهُ: منعُ مَا وجَبَ عَلَيْهِ وَ”هَاتِ”: طَلَبُ مَا لَيسَ لَهُ وَ”وَأْدَ البنَاتِ”معْنَاه: دَفْنُهُنَّ في الحَياةِ، وَ”قِيلَ وقَالَ”مَعْنَاهُ: الحدِيثُ بِكُلِّ مَا يَسمعُهُ، فيقُولُ: قيلَ كَذَا، وقَالَ فُلانٌ كَذَا مِمَّا لا يَعلَمُ صِحَّتَهُ، وَلا يَظُنُّهَا، وكَفى بالمرْءِ كذِباً أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ. وَ”إِضَاعَةُ المَال”: تَبذِيرُهُ وصرفُهُ في غَيْرِ الوُجُوهِ المأْذُون فِيهَا مِنْ مَقَاصِدِ الآخِرِةِ والدُّنيا، وتَرْكُ حِفْظِهِ مَعَ إِمْكَانِ الحفْظِ. وَ”كثرةُ السُّؤَالِ”الإِلحاحُ فِيمَا لا حاجةَ إِلَيْهِ.
وفي الباب أَحادِيثُ سبقَتْ في البابِ قبله كَحَدِيثَ”وأَقْطعُ مَنْ قَطَعكِ”وحديث”مَن قطَعني قَطَعهُ اللَّه”

42-‌‌باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه

1/241- عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِن أَبرَّ البرِّ أَنْ يصِلَ الرَّجُلُ وُدَّأَبِيهِ”.

2/342- وعن عبدِ اللَّهِ بن دينارٍ عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ رجُلاً مِنَ الأَعْرابِ لقِيهُ بِطرِيق مكَّة، فَسلَّم عَليْهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ عُمرَ، وحملهُ عَلَى حمارٍ كَانَ يرْكَبُهُ، وأَعْطَاهُ عِمامةً كانتْ عَلَى رأْسِهِ، قَالَ ابنُ دِينَارٍ: فقُلنا لهُ: أَصْلَحكَ اللَّه إِنَّهمْ الأَعْرابُ وهُمْ يرْضَوْنَ بِاليسِيرِ. فَقَالَ عبدُ اللَّه بنُ عمر: إِنَّ أَبَا هَذَا كَان وُدّاً لِعُمَرَ بنِ الخطاب رضي اللَّه عنه، وإِنِّي سمِعْتُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول:”إِنَّ أَبرَّ البِرِّ صِلةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ”.

وفي روايةٍ عن ابن دينار عن ابن عُمَر أَنَّهُ كَانَ إِذا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمارٌ يَتَروَّحُ عليْهِ إِذَا ملَّ رُكُوب الرَّاحِلَةِ، وعِمامةٌ يشُدُّ بِها رأْسهُ، فَبيْنَا هُو يوْما عَلَى ذلِكَ الحِمَارِ إذْ مَرَّ بِهِ أَعْرابيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ فُلانَ بْنَ فُلانٍ؟ قَالَ: بلَى: فَأَعْطَاهُ الحِمَارَ، فَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وأَعْطاهُ العِمامةَ وَقالَ: اشْدُدْ بِهَا رأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحابِهِ: غَفَر اللَّه لَكَ، أَعْطَيْتَ هذَا الأَعْرابيِّ حِماراً كنْتَ تَروَّحُ عليْهِ، وعِمامَةً كُنْتَ تشُدُّ بِهَا رأْسَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُقولُ: “إِنْ مِنْ أَبَرِّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْد أَنْ يُولِّي” وإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقاً لِعُمر رضي اللَّه عنه، روى هذِهِ الرِّواياتِ كُلَّهَا مسلم.

3/343-وعن أَبي أُسَيْد بضم الهمزة وفتح السين مالكِ بنِ ربِيعَةَ السَّاعِدِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: بَيْنا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذ جاءَهُ رجُلٌ مِنْ بني سَلَمة فقالَ: يارسولَ اللَّه هَلْ بَقِيَ مِن بِرِّ أَبويَّ شىءٌ أَبرُّهُمَا بِهِ بَعدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ: “نَعَمْ، الصَّلَاة علَيْهِمَا، والاسْتِغْفَارُ لَهُما، وإِنْفاذُ عَهْدِهِما مِنْ بَعْدِهِما، وصِلةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إِلَاّ بِهِمَا، وإِكَرَامُ صَدِيقهما” رواه أَبُو داود.

4/344-وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَا غِرْتُ عَلَى خديجةَ رضي اللَّه عنها. ومَا رَأَيْتُهَا قَطُّ، ولَكنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّما ذَبح الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاء، ثُمَّ يَبْعثُهَا في صدائِق خدِيجةَ، فَرُبَّما قلتُ لَهُ: كَأَنْ لَمْ يكُنْ في الدُّنْيَا إِلَاّ خديجةُ، فيقولُ: “إِنَّها كَانتْ وكَانَتْ وكَانَ لي مِنْهَا ولَدٌ” متفقٌ عَلَيهِ

وفي روايةٍ وإنْ كَانَ لَيذبحُ الشَّاءَ، فَيُهْدِي في خَلائِلِهَا مِنْهَا مَا يسَعُهُنَّ.

وفي روايةٍ كَانَ إِذَا ذَبحَ الشَّاةَ يَقُولُ: “أَرْسِلُوا بِهَا إِلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجةَ”.

وفي روايةٍ قَالَت: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخُتُ خَديجَةَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَعَرفَ اسْتِئْذَانَ خَديجَةَ، فَارْتَاحَ لَذَلِكَ فقالَ: “اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خوَيْلِدٍ”.

قوْلُهَا:”فَارتَاحَ”هُوَ بِالحاءِ، وفي الجمْعِ بَيْنَ الصحيحين لَلْحُمَيْدِي:”فَارْتَاعَ”بِالعينِ ومعناه: اهْتَمَّ بِهِ.

5/345-وعن أَنس بن مالكٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: خَرجْتُ معَ جرير بن عبدِ اللَّه الْبَجَليِّ رضي اللَّه عنه في سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُني فقلتُ لَهُ: لَا تَفْعلْ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيتُ الأَنصارَ تَصْنَعُ برسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً آلَيْتُ عَلى نَفْسي أَنْ لا أَصْحبَ أَحداً مِنْهُمْ إِلَاّ خَدمْتُهُ متفقٌ عَلَيهِ

43-‌‌ باب إكرام أهل بيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33] .وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] .

346- وعن يزيد بن حيَّانَ قَالَ: انْطلَقْتُ أَنا وحُصيْنُ بْنُ سَبْرَةَ، وعمْرُو بن مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرقمَ رضي اللَّه عنهم، فلَمَّا جَلسْنا إِلَيهِ قَالَ لَهُ حُصيْنٌ: لَقَد لَقِيتَ يَا زيْدُ خَيْراً كَثِيراً، رَأَيْتَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وسمِعْتَ حَدِيثَهُ، وغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيتَ خَلْفَهُ:

لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سمِعْتَ مِنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي واللَّهِ لَقَدْ كَبِرتْ سِنِّي، وقَدُم عهْدي، ونسِيتُ بعْضَ الَّذِي كنتُ أَعِي مِنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ، فَاقبَلُوا، وَمَالا فَلا تُكَلِّفُونِيهِ ثُمَّ قَالَ: قام رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَوْماً فِينَا خطِيباً بِمَاءٍ يُدْعي خُمّا بَيْنَ مكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّه، وَأَثْنى عَليْه، ووعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ:

“أَمَّا بعْدُ: أَلا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رسولُ ربِّي فَأُجيبَ، وأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلهُما كِتابُ اللَّهِ، فِيهِ الهُدى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتابِ اللَّه، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ”فَحثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّه، ورغَّبَ فِيهِ. ثمَّ قَالَ”وأَهْلُ بَيْتِي، أُذكِّركم اللَّه في أهلِ بيْتي، أذكِّرُكم اللَّه في أهل بيتي” فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: ومَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَا زيْدُ؟ أَلَيْسَ نساؤُه مِنْ أهلِ بيتهِ؟ قَالَ: نساؤُه منْ أهلِ بيتِهِ وَلَكِن أَهْلُ بيْتِهِ منْ حُرِم الصَّدقَة بعْدَهُ، قَال: ومَنْ هُم؟ قَالَ: هُمْ آلُ عليٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعْفَر، وَآلُ عبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ هُؤلاءِ حُرِمَ الصَّدقَةَ؟ قَالَ: نعَمْ. رواه مسلم.

وفي روايةٍ: “أَلا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقْلَيْن: أَحدُهَما كِتَابُ اللَّه وَهُو حبْلُ اللَّه، منِ اتَّبَعه كَانَ عَلَى الهُدى، ومَنْ تَرَكَهُ كانَ عَلَى ضَلالَةٍ”.

2/347- وعَن ابنِ عُمرَ رضي اللَّه عنهما، عن أَبي بَكْر الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه مَوْقُوفاً عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّداً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في أَهْلِ بيْتِهِ، رواه البخاري.
ومعنى:”ارقبوه”راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم

44-‌‌ باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلَى غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم

قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوالأَلْبَابِ} [الزمر: 9] .

1/348-وعن أَبي مسعودٍ عُقبةَ بنِ عمرٍو البدريِّ الأنصاريِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِراءَةِ سَواءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِنّاً وَلا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُد في بيْتِهِ عَلَى تَكْرِمتِهِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ” رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: “فَأَقْدمهُمْ سِلْماً” بَدل”سِنًّا”: أَيْ إِسْلاماً.

وفي رواية: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، وأَقْدمُهُمْ قِراءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِراءَتُهمْ سَواءً فَيَؤُمُّهم أَقْدمُهُمْ هِجْرةً، فَإِنْ كَانوا في الهِجْرَةِ سوَاء، فَلْيُؤمَّهُمْ أَكْبرُهُمْ سِناً”

والمُرادُ”بِسُلْطَانِهِ”محلُّ ولايتِهِ، أَوْ الموْضعُ الَّذِي يخْتَصُّ به.”وَتَكْرِمتُهُ”بفتحِ التاءِ وكسر والراءِ: وهِي مَا يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ فِراشٍ وسرِيرٍ ونحْوِهِمَا.

2/349- وعنه قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يمْسحُ منَاكِبَنَا في الصَّلاةِ وَيَقُولُ: “اسْتَوُوا وَلا تخْتلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِني مِنكُمْ أُولوا الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الَّذِينَ يلونَهم” رواه مسلم.
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لِيَلِني”هُوَ بتخفيف النُّون وَلَيْسَ قَبْلَهَا يَاءٌ، ورُوِي بتشديد النُّون مَعَ ياءٍ قَبْلَهَا.”والنُّهَى”: الْعُقُول:”وأُولُوا الأَحْلام”هُمْ الْبَالِغُونَ، وَقيل: أَهْلُ الحِلْمِ وَالْفَضْلِ.

3/350-وعن عبد اللَّه بنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لِيَلِني مِنْكُمْ أُولُوا الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”ثَلاثاً”وإِيَّاكُم وهَيْشَاتِ الأَسْواقِ” رواه مسلم.

4/351-وعن أَبي يحْيى وَقيل: أَبي مُحمَّد سَهْلِ بن أَبي حثْمة بفتح الحاءِ المهملة وإِسكان الثاءِ المثلثةِ الأَنصاري رضي اللَّه عنه قَالَ: انْطَلَقَ عبْدُ اللَّهِ بنُ سهْلٍ وَمُحيِّصَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا. فَأَتَى مُحَيِّصةُ إِلى عبدِ اللَّهِ بنِ سَهلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ في دمهِ قَتيلاً، فدفَنَهُ، ثمَّ قَدِمَ المدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرحْمنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوِّيصةُ ابْنَا مسْعُودٍ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَذَهَب عَبْدُ الرَّحْمنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: ” كَبِّرْ كَبِّرْ” وَهُوَ أَحْدَثُ القَوْمِ، فَسَكَت، فَتَكَلَّمَا فَقَالَ: “أَتَحْلِفُونَ وَتسْتَحِقُّونَ قَاتِلكُمْ؟ ” وَذَكَرَ تَمامَ الحدِيث. متفقٌ عَلَيهِ.
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”كَبِّرْ كَبِّرْ”معنَاهُ: يَتَكلَّمُ الأَكْبَرُ.

5/352-وعن جابرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ يَجْمَعُ بيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ يَعْني في القَبْرِ، ثُمَّ يَقُولُ: “أَيُّهُما أَكْثَرُ أَخْذاً لِلْقُرْآنِ؟ “فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ. رواه البخاريُّ.

6/353-وعن ابن عُمرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “أَرَاني فِي المَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَاءَنِي رَجُلانِ، أَحدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ، فقيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا” رواه مسلم مُسْنَداً والبخاريُّ تعلِيقاً.

7/354-وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ، والجَافي عَنْهُ وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ “حديثٌ حسنٌ رواه أَبُو داود.

8/355-وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبيِهِ، عن جَدِّه رضي اللَّهُ عنهم قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرفَ كَبِيرِنَا” حديثٌ صحيحٌ رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وفي رواية أبي داود”حَقَّ كَبِيرِنَا”.

9/356-وعن مَيْمُونَ بنِ أَبي شَبِيبٍ رحمه اللَّهُ أَن عَائشَةَ رَضي اللَّه عنها مَرَّ بِها سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمرّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وهَيْئَةٌ، فَأَقْعَدتْهُ، فَأَكَلَ فَقِيلَ لَهَا في ذلكَ؟ فقَالتْ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ “رواه أبو داود. لكِنْ قال: مَيْمُونُ لَمْ يُدْرِك عائِشَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلمٌ في أَوَّلِ صَحِيحهِ تَعْلِيقاً فقال: وَذُكَرَ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنْ نُنْزِل النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ، وَذَكَرَهُ الحاكِمُ أَبُو عبدِ اللَّهِ في كِتابِهِ”مَعْرفَة عُلُومِ الحَديث”وقال: هو حديثٌ صحيح

10/357-وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنيهِمْ عُمَرُ رضي اللَّه عنه، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّاناً، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنَ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخي لَكَ وجْهٌ عِنْدَ هذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، فَاسْتَأَذَنَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ رضي اللَّه عنه، فَلَمَّا دَخَل:

قَالَ هِي يَا ابْنَ الخَطَّابِ: فَوَاللَّه مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَلا تَحْكُمُ فِينا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ رضي اللَّه عنه حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ} وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. واللَّهِ مَا جاوزَهَا عُمرُ حِينَ تَلاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللَّه تَعَالَى. رواه البخاري.

11/358- وعن أَبي سعيدٍ سَمُرةَ بنِ جُنْدبٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: لَقَدْ كنْتُ عَلَى عهْدِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم غُلاماً، فَكُنْتُ أَحفَظُ عنْهُ، فَمَا يَمْنَعُني مِنَ القَوْلِ إِلَاّ أَنَّ هَهُنَا رِجالاً هُمْ أَسنُّ مِنِّي مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

12/359-وعن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا أَكْرَم شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلَاّ قَيَّضَ اللَّه لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْد سِنِّه” رواه الترمذي وقال حديث غريب.
مَعْنى”ارْقُبُوا”رَاعُوهُ وَاحترِمُوه وأَكْرِمُوهُ، واللَّه أعلم

45-‌‌ باب زيارة أهل الخيرومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} إِلَى قوله تَعَالَى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:60-66] وَقالَ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28] .

1/360-وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ أَبُو بكر لِعمرَ رضي اللَّهُ عنهما بَعْدَ وَفَاةِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: انْطَلِقْ بِنَا إِلى أُمِّ أَيْمنَ رضي اللَّه عنها نَزُورُهَا كَما كانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يزُورُهَا، فلَمَّا انْتَهَيا إِلَيْهَا، بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ أَما تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فقالت: إِنِّي لا أَبْكِي أَنِّي لأعْلمُ أَنَّ مَا عِندَ اللَّهِ تعالَى خَيرٌ لرسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ولَكنْ أبْكي أَنْ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُما عَلَى البُكَاءِ، فَجعلا يَبْكِيانِ معهَا. رواه مسلم.

2/361-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ في قَريَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصد اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَدْرجَتِهِ ملَكاً، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْن تُريدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لي في هذِهِ الْقَرْيةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ علَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لا، غَيْر أَنِّي أَحْببْتُهُ في اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكَ بأَنَّ اللَّه قَدْ أَحبَّكَ كَما أَحْببْتَهُ فِيهِ” رواه مسلم.
يقال:”أَرْصدَه”لِكَذا: إِذَا وكَّلَهُ بِحِفْظِهِ، وَ”المدْرَجَةُ”بفتحِ الميمِ والرَّاءِ: الطَّريقُ ومعنى”تَرُبُّهَا”: تَقُومُ بهَا، وتَسْعَى في صَلاحِهَا.

3/362-وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ عَادَ مَريضاً أَوْ زَار أَخاً لَهُ في اللَّه، نَادَاهُ مُنَادٍ: بِأَنْ طِبْتَ، وطَابَ ممْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجنَّةِ منْزِلاً “رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. وفي بعض النسخ غريبٌ.

4/363-وعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنه أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ. كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طيِّبةً. ونَافخُ الكيرِ إِمَّا أَن يحْرِقَ ثيابَكَ وإمَّا أنْ تجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً” متفقٌ عَلَيهِ

“يُحْذِيكَ”: يُعْطِيكَ.

5/364-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبعٍ: لِمالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، ولِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك” متفقٌ عَلَيهِ.
ومعناه: أَنَّ النَّاس يَقْصِدُونَ في الْعَادَةِ مِنَ المَرْأَةِ هَذِهِ الخِصَالَ الأَرْبعَ، فَاحِرصْ أَنْتَ عَلى ذَاتِ الدِّينِ. وَاظْفَرْ بِهَا، واحْرِص عَلى صُحْبَتِهَا.

6/365-وعنْ ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قَالَ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِجِبْرِيلَ: “مَا يمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورنَا؟ ” فَنَزَلَتْ: {ومَا نَتَنَزَّلُ إِلَاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَما خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ} رواه البخاري.

7/366-وعنْ أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لا تُصَاحبْ إِلَاّ مُؤْمِناً، وَلَا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَاّ تَقِيٌّ”.
رواه أَبُو داود، والترمذي بإِسْنَادٍ لا بأْس بِهِ.

8/367-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكمْ مَنْ يُخَالِلُ “.
رواه أَبُو داود. والترمذي بإِسنادٍ صحيح، وَقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ.

9/368-وعن أَبي موسى الأَشْعَرِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية قال: قيل للنبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: الرَّجُلُ يُحبُّ القَومَ وَلَمْا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ:”المَرْءُ مع من أحب”.

10/369-وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَن أَعرابياً قَالَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ “قَالَ: حُب اللَّهِ ورسولِهِ قَالَ:”أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”.
متفقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ مسلمٍ.
وفي روايةٍ لهما: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَوْمٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلا صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّه وَرَسُولَهُ.

11/370-وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحبَّ قَوْماً وَلَمْ يلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ” متفقٌ عَلَيهِ.

12/371- وعن أَبي هُريرة رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “النَّاسُ معَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإِسْلامِ إِذَا فَقهُوا. وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا، اخْتَلَفَ” رواه مسلم.
وروى البخاري قوله:”الأَرْوَاحُ”إِلخ، من رواية عائشة رضي اللَّه عنها.

13/372-وعن أُسيْرِ بْنِ عَمْرٍو ويُقَالُ: ابْنُ جابِر وَهُوَ”بضم الهمزةِ وفتح السين المهملة”قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي اللَّه عنه إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدادُ أَهْلِ الْيمنِ سأَلَهُمْ: أَّفيُكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ رضي اللَّه عنه، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أُويْس بْنُ عامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نعَمْ، قَالَ: فكَانَ بِكَ بَرَصٌ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَاّ مَوْضعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَكَ والِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ برصٌ، فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَاّ مَوْضعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها برٌّ لَوْ أَقْسمَ عَلَى اللَّه لأَبَرَّهُ، فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ “فَاسْتَغْفِرْ لي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلى عَامِلهَا؟ قَالَ: أَكُونُ في غَبْراءِ النَّاسِ أَحبُّ إِلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَامِ المقبل حج رجل من أشرافهم فوافى عُمَرَ، فَسَألَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، فَقَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ البيت قليل المتاع، قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: “يَأتِي عَلَيْكُمْ أُويْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادٍ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إلَاّ موْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالدةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإنِ اسْتَطْعتَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ” فَأتَى أُوَيْساً، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أنْتَ أحْدَثُ عَهْداً بسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. رواه مسلم.

وفي رواية لمسلم أيضاً عن أسير بن جابررضي الله عنه: أنَّ أهْلَ الكُوفَةِ وَفَدُوا عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه، وَفِيهمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هاهُنَا أَحَدٌ مِنَ القَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عمرُ: إنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ:” إنَّ رَجُلاً يَأتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ باليَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا الله تَعَالَى، فَأذْهَبَهُ إلَاّ مَوضِعَ الدِّينَارِ أَو الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ”.

وفي رواية لَهُ عن عمر، رضي الله عنه، قَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَمُرُوهُ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ”.
قوله:”غَبْرَاءِ الناس”بفتح الغين المعجمة وإسكان الباء بالمد وهم فقراؤهم وصعاليكم وَمَنْ لا يُعْرَفُ عَيْنُهُ مِنْ أخلاطِهِمْ”وَالأَمْدَادُ”جَمْعُ مَدَدٍ وَهُمُ الأَعْوَانُ، وَالنَّاصِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يُمدُّونَ المُسْلِمِينَ في الجهَاد.

14/373- وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في العُمْرَةِ، فَأَذِنَ لِي، وَقالَ:”لَا تَنْسَنَا يَا أَخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ”فَقَالَ كَلِمَةً مَا يسُرُّني أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا.
وفي روايةٍ قَالَ: “أَشْرِكْنَا يَا أخَيَّ في دُعَائِكَ ”

حديثٌ صحيحٌ رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

15/374-وعن ابن عُمرَ رضي اللَّه عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَزُورُ قُبَاءَ رَاكِباً وَماشِياً، فَيُصلِّي فِيهِ رَكْعتَيْنِ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأْتي مَسْجِدَ قُبَاءَ كُلَّ سبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِياً وكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ

46-‌‌ باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول لَهُ إِذَا أعلمه

قَالَ الله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ} [الفتح:29] إِلَى آخر السورة. وَقالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر:9] .

1/375- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيَمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا، سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَاّ للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ “متفقٌ عليه.

2/376-وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وَشَابٌ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ورَجُلان تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إِنِّي أَخافُ اللَّه، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” متفقٌ عَلَيهِ

3/377-وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إنّ اللَّه تَعَالَى يقولُ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلِّي” رواه مسلم.

4/378-وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم” رواه مسلم.

5/379-وعنه عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” أَنَّ رَجُلاً زَار أَخاً لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَد اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجتِهِ مَلَكاً”وذكر الحديث إِلَى قوله:”إِن اللَّه قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ “رواه مسلم. وقد سبق بالبابِ قبله.

6/380- وعن البَرَاءِ بْنِ عَازبٍ رضي اللَّهُ عنهما عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قَالَ في الأَنْصَار: “لَا يُحِبُّهُمْ إِلَاّ مُؤمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلَاّ مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أحبَّه اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّه” متفقٌ عَلَيهِ.

7/381-وعن مُعَاذٍ رضي اللَّه عنه قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: ” قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: المُتَحَابُّونَ في جَلالي، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ”.
رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

8/382-وعن أَبي إِدريس الخَولانيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيءٍ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي اللَّه عنه، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحِبُّكَ للَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟

فَقُلْتُ: أَللَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: أَللَّهِ، فَأَخَذَني بِحَبْوَةِ رِدَائي، فَجَبذَني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “قالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ” حديث صحيح رواه مالِكٌ في المُوطَّإِ بإِسنادِهِ الصَّحيحِ

قَوْلُهُ”هَجَّرْتُ”أَيْ بَكَّرْتُ، وهُوَ بتشديد الجيم قوله:”آللَّهِ فَقُلْتُ: أَللَّهِ”الأَوَّلُ بهمزةٍ ممدودةٍ للاستفهامِ، والثاني بِلا مدٍ.

9/383- عن أَبي كَريمةَ المِقْدَادِ بن مَعْدِ يكَرب رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ”إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّهُ”رواه أَبُو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.

10/384-وعن مُعَاذٍ رضي اللَّه عنه، أَنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: “يَا مُعَاذُ واللَّهِ، إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لَا تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك “.
حديث صحيحٌ، رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.

11/385-وعن أَنسٍ، رضي اللَّه عنه، أَنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يارسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَأَعْلمتَهُ؟ “قَالَ: لا قَالَ:”أَعْلِمْهُ” فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح

47-‌‌باب علامات حب الله تَعَالَى للعبد والحثَّ عَلَى التخلق بِهَا والسعي في تحصيلها

قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]

وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54] .

1/386-وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: مَنْ عادَى ليَ ولِيّاً، فقدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، ومَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحْببْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يبْطِشُ بِهَا، وَرجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بِها وإنْ سَأَلَني أَعْطَيْتُهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ” رواه البخاري.
معنى”آذَنْتُهُ”: أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ. وقوله:”اسْتَعَاذَني”روي بالباءِ وروي بالنون.

2/387- وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: “إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى العَبْدَ، نَادَى جِبْريل: إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ فُلاناً، فَأَحْبِبْهُ، فَيُحبُّهُ جِبْريلَ، فَيُنَادى في أَهْلِ السَّمَاء: إِنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلاناً، فَأَحِبوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوْضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ” متفقٌ عليه.
وفي رواية لمسلمٍ: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذا أَحبَّ عبْداً دَعا جِبْريلَ، فقال: إِنِّي أُحِبُّ فُلاناً فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في السَّماءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلاناً، فَأَحِبُّوهُ فَيُحبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ، وإِذا أَبْغَضَ عَبداً دَعا جِبْريلَ، فَيَقولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلاناً، فَأَبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّماءِ: إِنَّ اللَّه يُبْغِضُ فُلاناً، فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّماءِ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ في الأَرْضِ “.

3/388-وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها، أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، بعَثَ رَجُلاً عَلَى سرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرأُ لأَصْحابِهِ في صلاتِهِمْ، فَيخْتِمُ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: “سَلُوهُ لأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ؟ “فَسَأَلوه، فَقَالَ: لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه تعالى يُحبُّهُ” متفقٌ عليه

48-‌‌ باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين

قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَااكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] وَقالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْوَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10،9] .
وأما الأحاديث، فكثيرة مِنْهَا:
حديث أَبي هريرة رضي الله عنه في الباب قبل هَذَا: “مَنْ عَادَى لِي ولياً فقد آذنته بالحرب”.
ومنهاحديث سعد بن أَبي وَقَّاص، رضي الله عنه السابق في”باب ملاطفة اليتيم”وقوله صلى الله عليه وسلم: “يَا أَبَا بَكْرٍ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ”.

1/389-وعن جُنَدَبِ بنِ عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَهُوَ في ذِمَّةِ اللَّه، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلى وَجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ” رواه مسلم

64-‌‌ باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو من أخذ المال من وجه وصرفه في وجوهه المأمور بِهَا

قَالَ الله تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7] وقال تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَالأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:17-21]

وقال تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271] وقال تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92] .والآيات في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة.

1/571- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قال: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَا حَسَدَ إِلَاّ في اثَنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلكَتِهِ في الحَقِّ. ورَجُلٌ آتَاه اللَّهُ حِكْمَةً فُهو يَقضِي بِها وَيُعَلِّمُهَا” متفقٌ عَلَيْهِ وتقدم شرحه قريباً.

2/572- وعن ابْنِ عمر رضي اللَّه عنهما عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لا حَسَد إِلَاّ في اثنَتَين: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيل وآنَاءَ النَّهارِ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً. فهوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهارِ” متفقٌ عليه

“الآنَاءُ”السَّاعَاتُ.

3/573- وعَن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى. والنَّعِيمِ المُقِيمِ. فَقَال:”ومَا ذَاكَ؟ ”

فَقَالُوا: يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، ويَعتِقُونَ وَلَا نَعتقُ فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئاً تُدرِكُونَ بِهِ مَنْ سبَقَكُمْ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلَاّ مَنْ صَنَعَ مِثلَ مَا صَنَعْتُم؟ ”

قالوا: بَلَى يَا رسولَ اللَّه، قَالَ:”تُسبحُونَ، وتحمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ، دُبُر كُلِّ صَلاة ثَلاثاً وثَلاثِينَ مَرَّةً”فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالُوا: سمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَموَالِ بِمَا فَعلْنَا، فَفَعَلوا مِثْلَهُ؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يشَاءُ” متفقٌ عَلَيْهِ، وَهَذا لفظ روايةِ مسلم.
“الدُّثُورُ”: الأَموالُ الكَثِيرَةُ، واللَّه أعلم

65-‌‌ باب ذكر الموت وقصر الأمل

قَالَ الله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]

وقال تَعَالَى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] وقال تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]

وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9-11]

وقال تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}

إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:99-115] وقال تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] وَالآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة.

1/574- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَخَذَ رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمنكِبِي فَقَالَ: “كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ “وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما يقول: إِذا أَمسَيتَ، فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ، فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لَمَرَضِك وَمِن حَيَاتِكَ لمَوتِكَ”رواه البخاري.

2/575- وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “ما حَقُّ امْرِيءٍ مُسلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ. يبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَاّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ” متفقٌ عَلَيْهِ. هَذَا لفظ البخاري.
وفي روايةٍ لمسلمٍ:”يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ”قَالَ ابن عمر: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنذُ سَمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ ذلِكَ إِلَاّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.

3/576- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطُوطاً فَقَالَ: “هَذا الإِنسَانُ وَهَذا أَجَلُهُ. فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إِذ جَاءَ الخَطُّ الأَقْرَبُ “رواه البخاري.

4/577- وعن ابن مسعُودٍ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَطًّا مُرَبَّعاً، وخَطَّ خَطًّا في الْوَسَطِ خَارِجاً منْهُ، وَخَطَّ خُططاً صِغَاراً إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ، فَقَالَ: “هَذَا الإِنسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطاً بِهِ أَوْ قَد أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الُخطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَشَهُ هَذا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا “رواه البخاري. وَهَذِهِ صُورَتَهُ الأجل -الأعراض -الأمل

5/578- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَل تَنْتَظِرُونَ إلَاّ فَقْراً مُنْسِياً، أَو غِنَى مُطغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفسِداً، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً، أَو مَوتاً مُجْهزِاً، أَو الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرُّ؟،” رواهُ الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.

6/579- وعنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ” يَعني المَوْتَ، رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

7/580- وعن أَبي بن كعبٍ رضي اللَّهُ عنه: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا ذَهَبَ ثُلثُ اللَّيْلِ، قامَ فقالَ: “يَا أَيها النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّه جَاءَتِ الرَاجِفَةُ تَتْبَعُهُا الرَّادِفَةُ، جاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ”قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لكَ مِن صَلاتي؟ قال:”مَا شِئْتَ”

قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ:”مَا شئْتَ، فَإِنْ زِدتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ”قُلُتُ: فَالنِّصْفَ؟ قالَ”مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ”قُلْتُ: فَالثلثَينِ؟ قالَ:”مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ”قُلْتُ: أَجْعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها؟ قَالَ: إذاً تُكْفي هَمَّكَ، ويُغُفَرُ لكَ ذَنْبُكَ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن

Exit mobile version