تفسير الأحلام وأقسام الناس في صدق رؤياهم وعدمها
أحيانا تحتاج الرؤيا لتفسير وتوضيح، وأحيانا يرى النائم الرؤيا التي لا تحتاج لتأويل وإنما تقع كما رآها في نومه.
الرؤيا التي تقع كما يراها النائم
كان من الرؤى التي رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لا يحتاج لتأويل وإنما تقع بحالتها كما رآها رسول الله.
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح…)[البخاري]
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (أريتك في المنام مرتين، أى أنك في سرقة من حرير، ويقال: هذا امرأتك، فاكشف عنها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند الله يمضه)[البخاري]
فهذه رؤيا رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوقعت كما رآها من غير أن تحتاج لتأويل ولا تفسير.
تأويل الرؤيا
وهناك رؤى كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يراها فتحتاج لتأويل وتوضيح، فعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الريح يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب). قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: (العلم)[البخاري]
فههذ الرؤيا فسر فيها رسول الله بقية قدح اللبن الذي أعطاه لعمر بن الخطاب بأنه العلم.
رؤيا المؤمن الغالب عليها الصدق
غالب رؤيا المؤمن يقع عليها الصدق لأن من كثر صدقه في اليقظة تنور قلبه واستصحب حاله من اليقظة إلى نومه فتراه يصدق في رؤيا كما صدق في يقظته.
وهذا بخلاف الكاذب في يقظته فإنه يستصحب حال يقظته في نومه فلا يرى إلا الكذب.
ودليل صدق رؤيا المؤمن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة)[البخاري]
ففي نهاية الزمان يقل العلم ويعوض المؤمن عن العلم بشيء من الرؤيا الصادقة، وفي آخر الزمان يقل عدد المؤمنين ويكثر عدد الكاذبين والمفسدين فيعين الله المؤمنين بتلك الرؤى الصالحة.
حقيقة الرؤيا
الرؤيا هي إدراكات يخلقها الله في قلب النائم فيدركها أثناء حضور الملك فتكون سارة وأحيانا يدركها في حضور الشيطان فتكون غير سارة.
وقد كثر كلام الناس عن حقيقة الرؤيا ما بين من يتكلمون بالشرع ومن يتكلمون بالعلوم المادية فقالوا كلاما كثيرا بناءا على معارفهم المادية فلم يقفوا على الصواب؛
لأنهم يتحدثون عن شيء لا تدركه العقول وهو تلك النفس التي لا نعلم حقيقتها فمن باب أحرى ألا نعلم حقيقة ما يصدر عنها من تلك الرؤى أثناء نومها.
فمن كان ينتسب للطب يقول: أن من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء، للمناسبة بين طبيعة الماء والبلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو.
لكن هذا لم يقم عليه دليل ولم تطرد به عادة، وهذا ما ذكره المازري، فقال: والمذهب الصّحيح ما عليه أهل السنّة وهو أنّ الله سبحانه يخلق في قلب النّائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليَقظان
وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء ولا يمنعه من فعله نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنّه سبحانه جعلها عَلَماً على أمورٍ أخر يخلقها في ثاني حال أو كان قد خلقها.
فإذا خلق في قلب النّائم اعتقاد الطّيران وليس بطائر فقصارى ما فيه أنّه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو عليه
وكم في اليقظة من يعتقد أمرًا على غَير ما هو عليه فيكون ذلك الاعتقاد عَلَما [على غيره كما يكون] خلق الله سبحانه للغيم عَلَماً على المطر والجميع خَلْقُ الله سبحانه،
ولكن يخلق الرؤيَا والاعتقادات التي جَعَلها عَلما على ما يسرّ بحضرة الَملَك أو بغير حضرة الشيطان ويخلق ضِدّها مِمَّا هو عَلَم على ما يضرّ بحضرة الشيطان فتنسب إليه مجازا واتّساعا.
وقال القرطبي: سبب تخليط غير الشرعيين إعراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم وبيان ذلك أن الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس وقد غيب عنا علم حقيقتها أي النفس وإذا كان كذلك فالأولى أن لا نعلم علم إدراكاتها.
أقسام الناس في رؤياهم
ينقسم الناس بحسب صدق رؤياهم وكذبها إلى أقسام منها:
رؤيا الأنبياء
رؤيا الأنبياء كلها صدق وحق وهي من الوحي الذي أوحاه الله إليهم، وهي مما يجب عليهم العمل به؛ لأنها جزء من الوحي.
كرؤيا نبي الله إبراهيم لما رأى أنه يذبح ولده إسماعيل فنفذ الأمر وعرضه على ولده وامتثلا لأمر الله.
وكان رسول الله لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل ضوء النهار في تحققها وعدم خفاء شيء منها، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)[البخاري]
وما كان من الوحي لا يمكن أن يكون للشيطان عليه سبيل؛ لأنه محفوظ من الله؛ لأن الله وعد بحفظه فقال: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ)
رؤيا الصالحين
الغالب على رؤيا الصالحين أنها تكون صادقة وقد يقع فيها الكذب نادرا، ومن هذه الرؤى ما يقع كما هو ومنها ما يحتاج لتفسير وتأويل.
رؤيا غير الصالحين
غير الصالحين لهم ثلاثة أحوال منهم:
المستورون: وهؤلاء الغالب عليهم استواء الحال.
والفسقة: والغالب عليهم الكذب ويندر الصدق فيهم.
والكفرة: والغالب عليهم الكذب ويندر الصدق فيهم جدا.
لكن قد يصدق الكافر في رؤياه أحيانا كرؤيا ملك مصر التي قصها على نبي الله يوسف فجاءت كما رأى، لكنها احتاجت لتأويل وتفسير كما فعله نبي الله يوسف.