في سورة النور وردت آيات تأمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله، وآيات يعد الله فيها المؤمنين بالاستخلاف في الأرض إذا حققوا الإيمان بالله.
الأمر بطاعة الله ورسوله
قال الله: (قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٥٤)
قل أيها الرسول للمؤمنين عليكم بطاعة الله ورسوله، فإنه لا يتم الإيمان إلا بطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛
لأنه هو طريقنا إلى الله ولا طريق لنا سواه، ولأن الله بين لنا أن طاعتنا لنبينا هي طاعة لله، ومن أعرض عن طاعة نبيه كأنما أعرض عن الله.
فقال الله: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا).
وهؤلاء الذي يمتنعون عن الطاعة كأنما يأبون دخول الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى).
قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)[البخاري]
فإن توليتم وأعرضم عن طاعة الله ورسوله فاعلموا أنه ليس على الرسول إلا البلاغ المبين، فليست مهمة الرسول أن تؤمنوا، ولا مهمته أن يلقى الله بعدد من المؤمنين وإنما مهمة الرسول البلاغ المبين وحسب.
قال الله: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ).
وإن تطيعوا رسول الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه تهتدوا إلى طريق الله المستقيم وليس على الرسول إلا البلاغ الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض، وليست وظيفته أن يجبركم على طاعته والانقياد لأمره.
وعد الله باستخلاف المؤمنين
قال الله: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ)
روي في سبب نزول هذه الآية، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إِليه خائفًا هو وأَصحابه يدعون إلى الله سرًّا وجهرا،
ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح،
فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحْتَبِيًا ليس عليه حديدة” ونزلت الآية، وأَظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنُوا.
وهذه الآية فيها وعد من الله للمؤمنين المخلصين الذين جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح بأنهم سيرثون هذه الأرض، ويجعلهم خلفاء متصرفين فيها كتصرف الملوك،
كما استخلف المؤمنين من قبلهم فملكهم ديار الكفار، وهؤلاء هم بنوا إسرائيل الذين ملكهم الله ديار الجبارين في بلاد الشام،
وقد كانوا قبل ذلك أذلة مستضعفين فقال الله وهو يصف قوتهم بعد ضعفهم: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)
وهذه الأرض التي أورثوا مشارقها ومغاربها هي الأرض المقدسة، فلما أفسدوا وخرجوا عن أوامر الله أخرجوا منها وحرموا ميراث هذه الأرض.
ولعل هذا هو المردا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض)[مسلم]
وقد حقق الله شيئا من ذلك لنبه -صلى الله عليه وسلم- فقد قال رسول الله: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون)[أبو داود]
وعد الله بتمكين الإسلام
قال الله: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥)
وليجعلن الله دينهم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لهم عزيزا غالبا على كل الأديان، وليبدلنهم من بعد خوفهم وفزعهم أمنا وطمأنينة واستقرارا،
لكن شرط تحقيق هذا الاستخلاف الذي وعدهم الله به هو أن يعبدوا الله فيخلصوا له العبادة ويوحدوه ولا يشركون معه غيره، فمن جحد وكفر فأولئك هو الخارجون عن طاعة الله.
الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
قال الله: (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٥٦)
أدوا أيها المؤمنون صلاتكم لله بخشوعها وخضوعها كاملة الأركان وأعطوا الزكاة التي فرضها الله عليكم في أموالكم وأبدانكم إلى من يستحقها.
وأطيعوا رسول الله في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، إن طاعتكم لرسول الله طاعة لله، لعلكم ترحمون في الدنيا بتحقيق وعد الله لكم وفي الآخرة بالنجاة من النار ورفع الدرجات.
تسلية الله لنبيه
قال الله: (لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٥٧)
لا تحسبن يا محمد أن الله عاجز عن معاقبة هؤلاء المشركين الذين كذبوك وعاندوك في هذه الدنيا فهؤلاء جزاؤهم نار جهنم وبئس المرجع مرجعهم والمآل مآلهم.
وهذه الآية تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- بسبب ما يلاقية من عنت المشركين ووعد له بالنصر عليهم.