تحدثت سورة النور عن قدرة الله في سوق السحاب في السماء وإنزال المطر على الأرض الميتة، وتقليب الليل والنهار.
سوق السحاب
قال الله: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا)
أخبر الله عن قدرته في زج السحاب وهو سوقه ودفعه، فقال: ألم تروا أن الله يسوق سحابا. والاستفهام هنا استفهام إنكاري للتنبيه، وللحث على الرؤية، والرؤية هنا علمية، بمعنى لقد علمتم.
والخطاب هنا إما للرسول وهو خطاب للأمة في شخص نبيها، وإما هو خطاب لكل من هو أهل للخطاب.
وهذا السحاب يثيره الله من بخار الماء المتصاعد إلى طبقات الجو العليا، وينشأ هذا البخار من تسلط حرارة الشمس على المياه، فيتكون من هذا البخار السحاب، فيدفعه الله ويسوقه حتى يكون مجتمعا بعضه فوق بعض.
إنزال المطر من السحاب
قال الله: (فَتَرَى ٱلۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٣)
فترى الودق أي المطر يخرج من خلال هذا السحاب ثم ينزل الله من السماء والمقصود به كل ما علاك، من جبال فيها من برد.
وشبه الله السحاب المتراكم في السماء الذي يعلوا بعضه بعضا بالجبال، قال الإِمام الرازى في تفسير الآية: أَراد بقوله: (مِنْ جِبَالٍ) السحاب العظام؛ لأَنها إذا عظمت أَشبهت الجبال، كما يقال: فلان يملك جبالا من مال.
والبرد هو ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب ويبرد، أو هو الذي ينزل من تلك السحب الركامية حبات في بياض الثلج وبرودته، فينزله على من يشاء ويصرفه عمن يشاء من العباد، يكاد ضياء البرق يذهب بالأبصار من شدة إضاءته.
تقليب الليل والنهار
قال الله: (يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٤)
بعد أن تحدثت الآيات عن عظمة الله وقدرته في مظاهر هذا السحاب المتراكم بعضه فوق بعض حتى كان مثله كمثل الجبال، وإنزال الماء من بين السحاب
يلفت الله الأنظار للنظر في مظهر آخر من مظاهر قدرة الله بأن ينظروا في تقلب الليل والنهار.
يصرف الله الليل والنهار بأن يجعل أحدهما يعقب الآخر، بنقص أحدهما وزيادة في الآخر، إن في ذلك لعبرة لذوي البصائر والعقول التي تعتبر وتتعظ.
خلق الدواب
قال الله: (وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ)
الدابة هي كل ما يدب على الأرض أو في جوفها ويتحرك، فكل دابة خلقها الله من نطفة حيث جعل الله لكل ذكر من الحيوان والحشرات نطفة يكون منها تكوين الجنين.
وقد يكون المراد بالماء هنا ما في داخل كل دابة من الماء الذي تتكون منه.
قال بعض العلماء: “وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرضها القرآن بهذه البساطة، حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء،
قد تعنى وحدة العنصر الأساسى في تركيب الأحياء جميعا، وهو الماء، وقد تعنى ما يحاول العلم الحديث أن يتبعه من أن الحياة خرجت من البحر، ونشأت أصلا في الماء، ثم تنوعت الأنواع وتفرعت الأجناس.
ولكنا نحن على طريقتنا في عدم تعليق الحقائق القرآنية الثابتة على النظريات العلمية القابلة للتعديل والتبديل..
لا نزيد على هذه الإشارة شيئا، مكتفين بإثبات الحقيقة القرآنية، وهي أن الله -تعالى- خلق الأحياء كلها من الماء، فهي ذات أصل واحد، ثم هي -كما ترى العين- متنوعة الأشكال. ظلال القرآن
تنوع خلق الدواب
قال الله: (فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ)
فمن هذه الدواب التي خلقها الله من ماء ما يمشي على بطنه الثعابين، وغيرها من الزواحف، ومن هذه الدواب ما يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنها ما يمشي على أربع أرجل كالأنعام.
وجاء ترتيب الأصناف التي مضت بالترتيب فمن يمشي على بطنه أضعف في سيره ممن يمشي على رجلين، ومن يمشي على رجلين أضعف في مشيه ممن يمشي على أربع.
طلاقة القدرة الإلهية
قال الله: (يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٤٥)
يخلق الله ما يريد خلقه من الخلق بالصور المختلفه إن الله قادر على أن يخلق ما يشاء لا يعجزه شيء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
فقال الله: (إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ)، وقال الله: (أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا)
الهداية بيد الله
لقال الله: (َّقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖۚ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٤٦)
لقد أنزل الله لعباده آيات واضحات بينات لا لبس فيها ولا غموض تتحدث عن أسرار هذا الكون ودلائل الإعجاز فيه.
وتتحدث عن الأحكام التي وضحها الله لعباده لتنير لهم هذه الدنيا ولتخرجهم من تلك الظلمات الحالكات، والله يهدي من يشاء من عباده لدين الحق وهو الإسلام.
للاطلاع على المزيد: