الظلم ظلمات يوم القيامة
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه إما بزيادة أو نقصان ويقال الظلم هو مجاوزة الحق بالطغيان والاعتداء على الآخرين.
الظالم لا يرى الحقيقة
الظلم هو انعدام النور عند الظالم، وانطماس بصيرته حتى صار لا يرى الأشياء على حقيقتها، وصار لا ينظر بعين الحقيقة.
ولو أنه أبصر بعين الحقيقة فامتنع عن إنزال الظلم بالآخرين، فلما لم ينته عن ظلم أخيه كان مثله كمثل من في الظلمات فكأنه ينتقل من ظلمات إلى أخرى.
الظلم دليل على ظلمة القلب
هذا الظلم الذي يوقعه الإنسان بأخيه دليل على ظلمة قلبه لأنه أخذ مال غيره بغير حق وهذا لا يحدث إلا بالضعيف الذي لا يقدر على أن ينتصف لنفسه.
وهذا الظلم فيه نوع من مبارزة الله بالعصيان فلو استنار القلب لأبصر الظالم حقيقة ما يفعله ولانتهى عن ظلمه.
عقاب الظالم في الآخرة
يعاقب الظالم في الآخرة بأنه يكون في ظلمات متوالية ففي اليوم الذي يسعى فيه المؤمنون في نورهم ترى هذا الظالم في ظلام دامس يطلب من المؤمنين أن يعطوه من نورهم.
قال الله: (يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ).
ويحتمل أن يكون المراد بالظلمات الشدائد كما في قول الله: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) أي شدائدها.
حكم الظلم
حرم الله على عباده الظلم وبين عاقبة الظالمين بأن الله لن يغفر لهم ولن يهديهم طريقه المستقيم طالما أنهم يصرون على ظلمهم وسيذيقهم العذاب الأليم في الآخرة.
فقال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا).
ونهانا الله عن الركون للظالمين حتى لا ينزل بنا من العقاب مثل ما ينزله الله بهم فقال الله: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ).
والمراد بالركون إلى الظالمين محبتهم والاعتماد عليهم والأخذ بمشورتهم، فإذا كان هذا هو حال من يميل إليهم فما بالك بحال من يشاركهم ظلمهم.
الله حرم الظلم على نفسه
الله -عز وجل- لا يجب عليه شيء لكن الله أحيانا يوجب على نفسه أشياء لا يمكن أن يخالفها لأن الله لا يخلف وعده.
فمن الأشياء التي حرمها الله على نفسه أن حرم على نفسه الظلم فهو وإن كان قادرا عليه لكنه يمتنع منه إنفاذا للوعد الذي قطعه على نفسه.
فمما أخبر الله به عن نفسه أن قال الله: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَيۡـٔٗا وَلَٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ)، وقال الله: (وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيۡسَ بِظَلَّامٖ لِّلۡعَبِيدِ).
وعن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…)[مسلم]
وإذا كان الله حرم الظلم على نفسه فقد حرمه من باب أولى على العباد.
أشد المظالم
الظلم يشمل ظلم الإنسان لأخيه بأن يعتدي على نفسه بالإيذاء أو القتل، أو يعتدي على مال لأخيه، أو يعتدي على عرضه.
وإن أشنع أنواع الظلم هو ما يتعلق بالدماء لأن نفس الإنسان عند الله لها قدسيتها وحفظها من الضروريات التي جاءت بها هذه الشريعة.
وكذلك حفظ المال وحفظ العرض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبة حجة الوداع:
(فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)[البخاري]
إمهال الظالم
قد يترك الله الظالم يتمادى في ظلمه وغيه لعله أن يراجع نفسه، أو يتوب من قريب، لكنه إذا أصر على ظلمه أخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته).
قال: ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)[البخاري]
ظلم الإنسان لنفسه
قد يظلم الإنسان نفسه إذا أشرك مع الله غيره، وأذل نفسه لغير مولاه، فإنه يحرم نفسه رحمة الله في الآخرة، وتوفيقه له في الدنيا، وهذا إنما يكون من أعظم الشرك.
عن عبد الله قال: لما نزلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أينا لم يظلم؟ فأنزل الله: (إن الشرك لظلم عظيم)[البخاري]
عدم العدل بين الزوجات
من الظلم الذي حرمه الله على العباد عدم العدل بين الزوجات لمن تزوج بأكثر من واحدة، فمن الواجب العدل في المبيت والإنفاق عليهن فإذا جار الرجل في قسمته ولم يعدل بين زوجاته جاء يوم القيامة بشق مائل.