المنافقون هم أشد الناس إيذاء للمؤمنين يشعرون بالحزن إذا نزلت بالمؤمنين نعمة ويتألمون للمشركين إذا نزلت بهم نقمة.
الاستهزاء بالمؤمنين من صفات المنافقين
من صفة المنافقين أنهم يستهزؤن بالدين ويستهزؤن بأهل الدين، وهذا الاستهزاء من كبائر الذنوب ويكون كفرا بالله إذا كان المقصود هو الاستهزاء بدين الله.
رى الطبراني في معجمه الكبير: قال الزبير: وقد شهد على وديعة بن ثابت بن عمرو بن عوف أنه هو الذي قال: إنما كنا نخوض ونلعب، وهو الذي قال: مالي أرى قراءنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأجبننا عند اللقاء.
فأنزل الله تعالى قوله: (وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ
لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ)
المنافقون يشقون الصف ويفتنون المؤمنين
من المحاولات الخبيثة للمنافقين على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- محاولتهم شق صف المؤمنين ونشر الفتنة بينهم فاتخذوا مسجدا الغرض الظاهر منه الصلاة فيه،
لكن الهدف الخفي من ورائه هو أن يكون مكانا ليحيكوا فيه مؤمراتهم ضد الإسلام وأهله، فأنزل الله فيهم قرآنا يفضح أمرهم ويأمر الله نبيه بأن يهدم لهم هذا المسجد الذي بنوه للفتنة وللضرار.
فقال الله: (وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ
لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ
أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ
لَا يَزَالُ بُنۡيَٰنُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوۡاْ رِيبَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
سبب نزول آيات مسجد الضرار
قال الإمام ابن كثير: “سبب نزول هذه الآيات الكريمات: أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليها رجل من الخزرج يقال له: “أبو عامر الراهب”،
وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادة في الجاهلية، وله شرف في الخزرج كبير.
فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجرا إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها،
أبو عامر الراهب وتحالفه مع المشركين
وخرج فارا إلى كفار مكة من مشركي قريش فألبهم على حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحد، فكان من أمر المسلمين ما كان وامتحنهم الله، وكانت العاقبة للمتقين.
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين، فوقع في إحداهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصيب ذلك اليوم، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشج رأسه، صلوات الله وسلامه عليه.
وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا:
لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله، ونالوا منه وسبوه. فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دعاه إلى الله قبل فراره، وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يموت بعيدا طريدا، فنالته هذه الدعوة.
أبو عامر الراهب وتحالفه مع هرقل
وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد، ورأى أمر الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل، ملك الروم، يستنصره على النبي -صلى الله عليه وسلم- فوعده ومناه، وأقام عنده.
أبو عامر يأمر باتخاذ مسجد له
وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويغلبه ويرده عما هو فيه.
وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك.
فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك.
وجاءوا فسألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته، عليه السلام، فيه على تقريره وإثباته.
وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: “إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله”.
هدم مسجد الضرار
فلما قفل عليه السلام راجعا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الذي أسس من أول يوم على التقوى.
فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين)
وهم أناس من الأنصار، ابتنوا مسجدا، فقال لهم أبو عامر، ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم وأخرج محمدا وأصحابه.
فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة.
فأنزل الله عز وجل: (لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ
أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ خَيۡرٌ أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ).
للاطلاع على المزيد: