شبهة انتشار الإسلام بالسيف شبهة باطلة لا تثبت أمام صريح آيات القرآن، وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا تثبت هذه الشبهة أيضا أمام حوادث التاريخ التي لم تثبت فيها حالة واحدة تم إكراه أحد فيها على الإسلام بالرغم من كثرة الفتوحات.
القرآن ينهى عن الإكراه على الإسلام
فنصوص القرآن تأمر بصورة واضحة أنه لا يجوز لأحد أن يكره أحدًا على الإسلام، وإنما الإسلام يعطي للناس حرية الاختيار ليقرروا لأنفسهم ما شاءوا، وكلٌّ سيتحمل نتيجة هذا الاختيار،
يقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وقال الله: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
لقد أمرنا القرآن بحماية المشركين الذين لا يحاربوننا إن استجاروا بنا وأرادوا أن يسمعوا كلام الله وأن يتعرفوا على الإسلام، أن نقوم على حمايتهم حتى يرجعوا إلى بيوتهم سالمين،
قال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
قتال المعتدين
ولما أمرنا الله بقتال المشركين إنما أمرنا بقتال المعتدين فقال الله: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
وعلى ذلك تحمل الآيات التي تأمر بالقتال بأن المقصود بها قتال المعتدين كما في قول الله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين قتلوا سفير رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وهو الحارث بن عمير الأزدي حيث قتله شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني، حينما كان يحمل رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عظيم بُصْرَي؛ لذا أمر الله بقتالهم.
الفتوحات الإسلامية
وأما الفتوحات الإسلامية فكانت لإيصال الحق إلى المستضعفين والمظلومين ممن لم يسمعوا عنه ولا يقدرون على إزالة الحواجز التي تحول بينهم وبين معرفة الإسلام أو الدخول فيه، وكذلك كانت هذه الفتوحات للدفاع عن الإسلام ضد القوى التي تريد أن تداهمه.
الوقائع التاريخية
مما يثبت أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكث بمكة ثلاث عشرة سنة لم يرفع فيها سيفا وكان الذين يدخلون في الإسلام هم من الضعفة ممن يتعرضون للإيذاء على أيدي أسيادهم ورسول الله لم يستطيع أن يرفع عنهم ما هم فيه،
ومع ذلك أصروا على ألا يتحولوا عن الإيمان بالله إلى الإيمان بغيره، فمن الذي جعلهم يتحملون ألم العذاب؟ إنه الإسلام الذي خالطت بشاشته القلوب، وأقنع العقول.
من هؤلاء زنيرة الرومية كانت ممن يعذب في الله وكان أبو جهل يكيل لها من العذاب ألوانا، وكانت من السبعة الذين اشتراهم أبو بكر وأنقذها من التعذيب، روي أنها لما أسلمت ذهب بصرها فقال المشركون: أعمتها اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله ما يغني اللات والعزى ولا ينفعان فرد الله إليها بصرها.
وموقف بلال الحبشي الذي كان عبدا يأخذه سيده ويضعه في حر الصحراء التي تكاد تنضج اللحم الطري ويضع على صدره الصخرة العظيمة طالبا منه أن يرجع عن الإسلام فلا يزيد على قوله: أحد أحد.
دخول الإسلام المدينة
ودخل الإسلام المدينة المنورة التي كانت تسمى “يثرب” قبل الإسلام دون قتال وإنما بالحجة والإقناع، لما عرض النبي –صلى الله عليه وسلم- الإسلام على جماعة منهم عندما كانوا في موسم الحج واقتنعت به عقولهم دخلوا الإسلام وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه نسائهم وأبناءهم وأموالهم،
وأرسل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- معهم أول سفير في الإسلام وهو مصعب بن عمير ليدعوهم إلى الإسلام حتى دخل معظم أهل المدينة في الإسلام.
موقف النبي من اليهود في المدينة
ومما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل المدينة وكان بها اليهود لم يجبرهم على ترك دينهم ولم يطلب منهم ذلك وإنما وضع المواثيق التي تضمن لهم حقوقهم وتؤمنهم على أنفسهم وأموالهم وعباداتهم.
إجلاء اليهود عن المدينة
ما حدث من حرب وإجلاء وقتل لهؤلاء اليهود بعد ذلك إنما كان من أجل تأديبهم على خيانتهم للعهود والمواثيق وبدئهم بالعدوان على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
غزوات النبي هل كانت للإجبار على الإسلام
الحروب والغزوات التي خاضها النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه منها ما كانت المبادرة فيها من المشركين وكان المسلمون في موقف المدافع عن نفسه، ومنها ما كان من أجل تأديب المعتدين المخالفين.
دخول التتار في الإسلام
ومما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف أن بعض الجيوش التي حاربت المسلمين وانتصرت عليهم كالتتار قد أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجا بعدما انتصروا فكانوا في موقف القوة ومع ذلك أسلموا طواعية واختيارا.
وعلى هذا فشبهة انتشار الإسلام بحد السيف شبهة تكذبها نصوص القرآن ووقائع أحداث التاريخ في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- والأزمنة من بعده.
للاطلاع على المزيد: