اعتنى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنة نبيهم عناية فائقة، فحفظوها بلفظها ومعناها وعرفوا المراد منها بسليقتهم العربية ومعايشتهم لنبيهم.
السنة هي المصدر الثاني
التشريع الإسلامي له مصادره التي نأخذ منها ديننا، والتي اتفق عليها جميع أهل الإسلام، وأول هذه المصادر هو القرآن الكريم، وثاني المصادر هو السنة النبوية.
فالسنة النبوية هي المبينة والشارحة والمفصلة لما أجمل في القرآن، والمقيدة لما ورد مطلقا وغير ذلك من وجوه تعامل السنة مع القرآن الكريم.
وقد أكد القرآن الكريم على هذا الأمر في الكثير من المواضع فقال الله: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ).
وقال الله: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا).
وأكد رسول الله على هذا الأمر فقال: (ألا إني أوتيت الكتاب، ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه،
ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)أبو داود . فالكتاب هو القرآن ومثله معه هو السنة
هجرة الصحابة للنبي من أجل التعلم
كان هناك الكثير ممن أسلموا من أماكن بعيدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يهاجرون إليه من أجل أن يروا رسولهم ويتلقوا منه تعاليم الإسلام ليبلغوها لقومهم.
عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا لأهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما،
فقال: (ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم)[البخاري]
وأخبرهم بأن يؤمهم أكبرهم لأنه كانوا متساوين في العلم، لكن إذا لم يتساووا في العلم فالأولى بالصلاة هو أكثرهم قراءة كما ورد في حديث آخر.
حضور مجالس النبي
كان الصحابة يحرصون على حضور مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- حرصا شديدا ليتعلموا منه.
فمن لم يستطع الحضور في كل الأوقات كان يتفق مع صاحبه بأن ينزل يوما وينزل هو يوما حتى لا يفوته شيء من مجالس نبيه.
فعن عمر بن الخطاب قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار، في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فضرب بابي ضربا شديدا، فقال: أثم هو؟
ففزعت فخرجت إليه، فقال: قد حدث أمر عظيم. قال: فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: طلقكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
قالت: لا أدري، ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم: أطلقت نساءك؟ قال: (لا). فقلت: الله أكبر.[البخاري]
مسارعة الصحابة في اتباع نبيهم
لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذين يجادلونه إذا أمرهم بأمر من الأمور، وإنما كانوا بمجرد أن يسمعوا رسول الله يأمرهم بشيء يمتثلون من فورهم، بل بمجرد أن تقع أعينهم على نبيهم يفعل شيئا يفعلون مثله.
عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم.
فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا، أو قال: أذى، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا، أو أذى فليمسحه وليصل فيهما)[أبو داود]
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إني اتخذت خاتما من ذهب). فنبذه وقال: (إني لن ألبسه أبدا). فنبذ الناس خواتيمهم.[البخاري]
تقليل رواية الحديث خوفا من الخطأ
من شدة حرص الصحابة على سنة نبيهم أنهم كانوا يتقللون من رواية السنة خوفا من الوقوع في الخطأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- دون قصد، فيكونوا في عداد الكذابين.
عن أنس بن مالك قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار)[البخاري]
الإتيان للنبي لأخذ الفتوى
كان الصحابة ربما يأتون للنبي -صلى الله عليه وسلم- من أماكن بعيد من أجل أن يستفتوه في أمور دينهم.
عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج.
فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فسأله.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كيف وقد قيل). ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره.[البخاري]