إن لله عبادا اختصهم بفضله ورحمته وكرامته، من هؤلاء الأنبياء الذين أعلى الله قدرهم واختارهم من خيرة خلقه، والأولياء وهم من أتباع الأنبياء.
معنى الكرامة
الكرامة هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد ولي من أوليائه، وهي من أدلة الصدق على أحوالهم، كما كانت معجزات الرسل من دلائل الصدق على نبوتهم.
ومعنى خارق للعادة أي أن الله يخرق به نواميس هذا الكون بحيث لا يستطيع أحد أن يكتسبها بتعلم ولا غيره.
وهي لا تظهر إلا على يد رجل ظاهر الصلاح متبع للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
أما المعتزلة فيقولون بامتناع وقوع الكرامة؛ لأنها لو جازت لالتبس أمر الكرامة بالمعجزة.
معنى المعجزة
المعجزة هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي من أنبيائه، وخرقها للعادة معناه أنها غير مكتسبة ولا يستطيع أحد تعلمها.
والمعجزة تكون على مستوى من أرسل النبي وهو الله تعالى، وإن أقل شيء من قدرته تعالى أن يغير قانون الأسباب والمسببات ونواميس هذا الكون.
الفرق بين الكرامة والمعجزة
من الفروق بين الكرامة والمعجزة أن المعجزة تظهر على يد نبي، أما الكرامة فتظهر على يد ولي.
والمعجزة لابد وأن يظهرها النبي لقومه؛ لأنها دليل صدقه على ما يقول، فمن حق القوم أن يسألوه عن آية صدقه.
أما الكرامة فينبغي للولي ألا يظهرها ولا يتكلم عنها ولا يدعوا الناس إليها لئلا يسلبها.
النبي يتحدى بالمعجزة قومه ليقيم الحجة عليهم، لكن الولي لا يتحدى بالكرامة أحدا بل ربما كتمها.
صاحب المعجزة مأمون العاقبة؛ لأن الله عصمه من الكفر، وأما صاحب الكرامة لا يأمن تغيير عاقبته.
جواز وقوع الكرامة والمعجزة
المعجزة والكرامة كلاهما من عند الله فليس للنبي قدرة على إحداث المعجزة ولا للولي قدرة على إظهار الكرامة، وإنما كل من الكرامة والمعجزة محض تفضل من الله على من يشاء من عباده.
فكما يتفضل الله على النبي بإظهار المعجزة على يديه، كذلك يتفضل الله على الولي بظهور الكرامة له.
قال الله: (وَإِذَا لَمۡ تَأۡتِهِم بِـَٔايَةٖ قَالُواْ لَوۡلَا ٱجۡتَبَيۡتَهَاۚ قُلۡ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ مِن رَّبِّيۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ).
وقال الله: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ).
كرامة الولي معجزة للرسول
لا تعارض بين الكرامة والمعجزة ولا تبطل الكرامة معجزات الأنبياء بل على العكس هي تؤيد معجزة النبي؛ لأن الولي الذي تظهر على يديه الكرامة يتأكد من صحة ما هو عليه باتباعه لنبيه، فتكون الكرامة في حقيقتها تأييد وتأكيد على صحة طريق النبي.
قصة آصف
مما يدل على وقوع الكرامات للأولياء ما حدث مع آصف الذي أحضر عرش بلقيس قبل مجيئها بما آتاه الله من العلم.
فقال الله: (قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّي لِيَبۡلُوَنِيٓ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ).
ولم يكن آصف نبيا وإنما كان وليا، فلما جاز أن يكون له كرامة بسبب نبي الله سليمان جاز أن يكون لهذه الأمة كرامة بسبب نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أصحاب الكهف
من الأدلة التي تدل على وقوع الكرامة لأولياء الله ما حدث لأهل الكهف حيث ناموا ثلاثمائة سنين لم تفسد أجسامهم ومع ذلك قاموا من نومهم دون تغير وهذا أمر من خوارق العادات.
فإنه من المستحيل أن ينام أحد تلك المدة الطويلة دون أن يفسد جسده، فكان هذا من باب خرق العادات لأولياء الله ولم يكن أهل الكهف أنبياء وإنما هم أولياء.
وكان من حكمة إيقاظ الله لأهل الكهف هو أن يثبت للناس قدرة الله على بعث الناس بعد موتهم بأجسامهم وأرواحهم.
قال الله: (وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ قَالُواْ رَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثۡتُمۡ فَٱبۡعَثُوٓاْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَٰذِهِۦٓ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ فَلۡيَنظُرۡ أَيُّهَآ أَزۡكَىٰ طَعَامٗا فَلۡيَأۡتِكُم بِرِزۡقٖ مِّنۡهُ وَلۡيَتَلَطَّفۡ وَلَا يُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا).
كرامة مريم
لم تكن مريم -عليها السلام- واحدة من الأنبياء فإن النبي من شرطه أن يكون رجلا؛ لأن أمره مبني على مجاهدة الكفار ومخالطة الناس لتعليمهم أمور دينهم وهذا كله مما يتنافى مع طبيعة المرأة التي ينبني أمرها على الستر.
فكان من إكرام الله لها أن زكريا -عليه الصلام- كان يصادف عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
قال الله: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ).
وولادتها لعيسى ابن مريم من غير أب إنما هو في حقها من باب الكرامة، وفي حق عيسى عليه السلام من باب المعجزة.
قال الله: (قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ)
كرامة أم موسى
كان من الكرامات التي جعلها الله لأم موسى أن ألهمها أمورا لتقوم بحفظ ولدها لكنها كانت في منطق العقل مرفوضة تماما بل كان فيها الهلاك المحتم لولدها موسى.
فقد وضعته في صندوق، وألقت به في البحر، ثم ذهب الصندوق لقصر فرعون الذي هو عدوه الأول، فكانت النتيجة أن سخر الله فرعون ليقوم على تربيته ليواجهه بدعوته.
قال الله: (وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ).
كرامة عمر بن الخطاب
عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- بعث جيشاً فأَمَّر عليهم رجلاً يُدعى سارية، فبينما عمر يخطب الناس يوماً جعل يصيح وهو على المنبر يا سارية الجبل، يا سارية الجبل،
فقدِمَ رسول الجيش فسأله فقال يا أمير المؤمنين: لقينا عدُّونا فهزمونا ،فإذا صائح يصيح يا سارية الجبل يا سارية الجبل، فهزمهم الله.
كرامة خالد بن الوليد
أخرج ابن أبي شيبة وغيره: أن خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لما نزل الحيرة قيل له: احذر السم لا يسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأتوه به فأخذه بيده، ثم قال: بسم الله، واقتحمه فلم يضره.
قال بدر الدين العيني: وقع هكذا كرامة لخالد فلا يتأسى به.
للاطلاع على المزيد: