حديث نبوي

هل السنة تأتي بأحكام زائدة على ما في القرآن؟

ثبتت حجية السنة النبوية بالقرآن الكريم، وأمر الله نبيه ببيان ما في القرآن فكان من ضروريات هذا البيان أن استقلت السنة بذكر بعض الأحكام الزائدة على ما في القرآن.

استقلال السنة ببعض الأحكام

ورد في القرآن الكريم ما يدل على حجية السنة وصلاحيتها للاستقلال بذكر بعض الأحكام الزائدة على ما ورد في القرآن.

قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ‌أَطِيعُواْ ‌ٱللَّهَ ‌وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا).

فهنا نجد أن الآية ذكرت لفظ الطاعة مستقلة مع الله؛ لأن الله له أن يشرع ما يشاء لعباده، وذكرت الآية لفظ الطاعة أيضا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن له أن يشرع أحكاما مستقلة زائدة على ما في القرآن.

وأما مع أولي الأمر لم يذكر الله معهم لفظ الطاعة؛ لأنهم ليس لهم أن يشرعوا أحكاما زائدة على ما في القرآن وإنما طاعتهم مندرجة تحت طاعة الله وطاعة رسوله.

تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها

من الأحكام الزائدة التي وردت في السنة النبوية ولم ترد في القرآن الكريم حرمة الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.

لقد ورد في القرآن فقط حرمة الجمع بين المرأة وأختها، فقال الله في آية المحرمات من النساء: (وَأَن ‌تَجۡمَعُواْ ‌بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ).

وهذا معناه أن الرجل يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وأختها، فإذا طلق الرجل زوجته أو ماتت زوجته حل له أن يتزوج بأختها بعد انتهاء عدتها.

وهذه الحالة من الحالات التي ينتظر فيها الرجل حتى تنتهي عدة زوجته لأنه لو تزوج بأختها وهي في عدته كان بذلك قد جمع بين الأختين فلابد من انتهاء العدة.

لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- زاد على ذلك بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها فقال: (‌لا ‌تنكح ‌المرأة على عمتها، ولا على خالتها)[مسلم]

تحريم سائر القرابات من الرضاعة

ورد في القرآن الكريم المحرمات من الرضاعة فقال الله: (وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ ‌أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ).

فالآية هنا ذكرت المحرمات من الرضاعة فلم تذكر إلا الأمهات والأخوات حيث ذكرت الأصول والفروع.

لكن استقلت السنة بيان حرمة كل القرابات كحرمة القرابات من النسب فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في بنت حمزة:

(لا تحل لي، ‌يحرم ‌من ‌الرضاع ‌ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة)[البخاري]

فبين رسول الله أن جميع القرابات من الرضاعة تحرم كقرابات النسب.

تحريم كل ذي ناب من السباع

من الأحكام التي استقلت بها السنة عن القرآن تحريم كل ذي ناب من السباع وهي الحيوانات المفترسة كالأسود النمور وغيرها.

عن أبي ثعلبة -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل ‌كل ‌ذي ‌ناب من السباع)[البخاري]

هل السنة تأتي بأحكام زائدة على ما في القرآن؟

تحريم كل ذي مخلب من الطير

كذلك استقلت السنة بتحريم كل ذي مخلب من الطير، فعن ‌ابن عباس قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي ‌مخلب ‌من ‌الطير)[مسلم]

تحريم الحمر الأهلية

ورد في السنة النبوية تحريم الحمر الأهلية، فعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: أصابنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في ‌الحمر ‌الأهلية فانتحرناها،

فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكفئوا القدور، فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئا.

قال عبد الله: فقلنا: نما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها لم تخمس [لم توزع كما توزع الغنائم] قال: وقال آخرون: حرمها ألبتة، وسألت سعيد بن جبير فقال: حرمها ألبتة.[البخاري]

حل ميتة البحر والدم

مما استقلت به السنة من الأحكام تحليل ميتة البحر وهي السمك والجراد، والدم المتمثل في الكبد والطحال.

فالأصل أن الميتة والدم محرمان في القرآن فقال الله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ‌ٱلۡمَيۡتَةَ ‌وَٱلدَّمَ).

لكن استثنت السنة من ذلك ما سبق ذكره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحلت لنا ‌ميتتان، ‌ودمان. فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال)[أحمد]

تأكيد النبي على استقلال السنة بالأحكام

أكد رسول الله على استقلال السنة ببعض الأحكام على ما في القرآن وهذا من باب البيان الذي أمر الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

عن ‌المقدام بن معديكرب ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا إني ‌أوتيت ‌الكتاب ‌ومثله ‌معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه،

ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)[أبو داود]

وفي هذا الحديث يبين رسول الله أنه أوتي الكتاب وهو القرآن، ومثله معه وهو السنة التي تبينه.

ثم أشار رسول الله إلى صفة هؤلاء الذين ينكرون السنة ويتبنون الدعوة بالاكتفاء بالقرآن عن السنة أنهم في ترف ورفاهية من العيش لم يتحملوا شيئا من الجهد والتعب في البحث ولا الرحلة لطلب العلم حتى يتكلموا عن علم.

وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أن يخبر عن هؤلاء الناس قبل ظهورهم.

والشبهة التي يتمسكون بها هي العمل بالقرآن وترك ما عداه، يقولون نعمل بالحلال الذي ورد في القرآن ونترك ما حرمه القرآن علينا

ثم بين رسول الله لهم أن السنة قد استقلت ببيان بعض الأحكام التي لم ترد في القرآن وهي مع ذلك لا تعارض القرآن وإنما هي زيادة بيان وإيضاح فذكر حرمة الحمر الهلية، وحرمة كل ذي ناب من السباع وحرمة التقاط لقطة معاهد الذي أخذ عهدا بالأمان، ووجوب إكرام الضيف.

مواضيع ذات صلة