السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، فهي المبينة والشارحة والمقيدة للمطلق والمفصلة للمجمل في القرآن الكريم.
دليل حجية السنة من القرآن
ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تبين حجية السنة وأنها لا يستغنى عنها من أجل فهم معاني القرآن.
فقال الله: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).
فليس هناك طريق صحيح يوصل إلى فهم مراد الله من كلامه في القرآن إلا باتباع طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أعلم بمراد الله في القرآن.
وقال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا).
وقال الله: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا).
وقال الله: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ).
حفظ السنة من لوازم حفظ القرآن
أخبر الله تعالى أنه تولى حفظ القرآن بنفسه فقال: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ) ولا يتم حفظ القرآن إلا بحفظ السنة التي تبين المراد منه.
فإذا حفظ الله لنا لفظ القرآن دون حفظ ما يبين لنا المراد من القرآن لا تتم به الحجة فكان من لوازم حفظ القرآن حفظ السنة التي تبينه حتى تتم به الحجة على العباد.
بيان السنة للقرآن
من المهام التي أسندها الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- هي مهمة بيان ما في القرآن الكريم لما ورد مجملا ويحتاج لبيان أو ورد مطلقا ويحتاج لتقييد، أو غير ذلك من وجوه تعامل السنة مع القرآن.
قال الله تعالى لنبيه: (وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ).
بيان النبي للقرآن بالقول
من أنواع البيان التي قام بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقرآن بيانه لما في القرآن بالقول.
فقد كان هناك بعض الألفاظ التي ترد في القرآن الكريم يفهمها الصحابة على غير مرادها فيوضح لهم رسول الله المعنى المراد منها.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم). شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟
قال: (ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)[البخاري]
وعن ابن أبي ملكية أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه، إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(من حوسب عذب). قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: (فسوف يحاسب حسابا يسيرا). قالت: فقال: (إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك)[البخاري]
بيان النبي للقرآن بالفعل
كان من بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن أنه يبين أحيانا ما ورد في القرآن مما ورد مجملا بفعله، ويأمر أصحابه أن يشاهدوا فعله ليعرفوا المقصود من القرآن.
فمثلا لفظ الصلاة ورد في القرآن مجملا فلم يتبين لنا من لفظ القرآن عدد الصلوات في اليوم والليلة، ولا عدد ركعاتها ولا أوقاتها.
لكن ورد في السنة مبينا بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان رسول الله يصلي ويأمر أصحابه أن يصلوا مثله.
عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال:
(ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم)[البخاري]
وهنا رسول الله أمرهم أن يصلي بهم أكبرهم؛ لأنهم كانوا متساوين في العلم، لكن إذا لم يتساووا في العلم فليؤمهم أقرؤهم حيث قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمرو بن سلمة: (يؤمكم أقرؤكم)[أبو داود]
وكذلك بين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفظ الحج الذي ورد في القرآن دون بيان تفاصيل عنه بفعله، فقال: (خذوا عني مناسككم).
ومن ذلك قول الله: (وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ).
فبينت السنة معنى السرقة، والمقصود من الأيدي، والحد الذي تقطع فيه اليد
من أقوال السلف
ورد الكثير من أقوال السلف التي تبين أن القرآن لا يستغني عن السنة لأنها هي التي تبين مجمله وتقيد مطلقه.
قال عمران بن حصين لرجل: «إنك امرؤ أحمق!! أتجد في كتاب الله الظهر أربعا، لا يجهر فيها بالقراءة؟» ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا.
ثم قال: «أتجد هذا في كتاب الله مفسرا؟ إن كتاب الله أبهم هذا وإن السنة تفسر ذلك».
وقال الأوزاعي: «الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب»
وقال الإمام أحمد: “إن السنة تفسر الكتاب وتبينه”
للاطلاع على المزيد: