هل يجب على المسلم الإيمان بالحساب في الآخرة؟
من الأمور التي يجب على المسلم الإيمان بها في الآخرة هو الحساب، ومعناه توقيف الله للعباد في المحشر ليحاسبهم على أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
الدليل على الحساب في الآخرة
ورد الكثير من الأدلة التي تدل على وقوع الحساب للعباد في الآخرة فالدنيا مزرعة للآخرة ويحصد المرء ما زرعه في دنياه إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا)
فهذه الآيات تدل على ثبوت الحساب في الآخرة.
ما معنى الحساب اليسير
ورد في الآية السابقة أن من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسبه الله حسابا يسيرا، وهذا معناه أن الإنسان سيحاسب على الحلال الذي يفعله في الدنيا وسيعاقب على الحرام الذي ارتكبه، ومعنى الحساب اليسير هو الذي لا يناقش الإنسان فيه.
عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه، إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من حوسب عذب).
قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: (فسوف يحاسب حسابا يسيرا). قالت: فقال: (إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك)[البخاري]
مناقشة الحساب
الحساب اليسير هو الذي لا مناقشة فيه، أما من نوقش الحساب عذبه الله وهو حساب الكافر في الآخرة، ومن شاء الله من الموحدين بسبب كثرة ذنوبهم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: (هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟. قالوا: لا. قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟. قالوا: لا.
قال: فوالذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.
قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني.
ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب. فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني.
ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت. ويثني بخير ما استطاع. فيقول: هاهنا إذا.
قال: ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه)[مسلم]
الإيمان بالآخرة من معتقدات العرب
كان هناك من العرب من يؤمن بالله واليوم الآخر ممن كانوا يعبدون الله على ملة إبراهيم -عليه السلام-.
قال الشهرستاني في الملل والنحل: “ومن العرب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، وينتظر النبوة، وكانت لهم سنن وشرائع…
فممن كان يعرف النور الظاهر، والنسب الطاهر، ويعتقد الدين الحنيفي، وينتظر المقدم النبوي: زيد بن عمرو بن نفيل، كان يسند ظهره إلى الكعبة، ويقول:
أيها الناس هلموا إلي، فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري.
وسمع أمية بن أبي الصلت يوما ينشد:
كل دين يوم القيامة عند الله * إلا دين الحنيفة زور
فقال له: صدقت. وقال زيد أيضا:
فلن تكون لنفس منك واقية * يوم الحساب إذا ما يجمع البشر
وممن كان يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب قس بن ساعدة الإيادي، قال في مواعظه: كلا ورب الكعبة:! ليعودون ما باد، ولئن ذهب ليعودن يوما.
وقال أيضا:
كلا بل هو الله إله واحد * ليس بمولود ولا والد
أعاد وأبدى * وإليه المآب غدا”
ما الذي يحاسب عليه العبد في الآخرة؟
يحاسب الإنسان يوم القيامة عن أي عمل عمله في الدنيا فيسأل عن عمره فيما قضاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله الذي اكتسبه في أي وجه أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه.
عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)[الترمذي]
ستر الله على العبد يوم القيامة
مما يتفضل الله به على بعض عباده يوم القيامة أنه يدني بعضهم منه من باب الإكرام لهم ويعطف عليهم ويستر ذنوبهم بسبب توبتهم الصادقة.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا: أتعرف ذنب كذا؟
فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته.
وأما الكافر والمنافق، فيقول الأشهاد: (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)[البخاري]
من الذين يدخلون الجنة بلا حساب؟
هناك صنف من الناس يدخولون الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب، وهم السبعون ألفا الذين أخبر عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: هذا موسى وقومه،
قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ها هنا، وها هنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب).
ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم، وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله، فنحن هم، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج، فقال:
(هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون).
فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: (نعم). فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال: (سبقك بها عكاشة)[البخاري]