قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)[قرة العينين برفع اليدين في الصلاة للبخاري]
وجوب اتباع السنة
يشير هذا الحديث إلى أن الإنسان لا يكون مؤمنا كامل الإيمان حتى يكون هواه تابعا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأوامر التي أمر بها رسول الله، والنواهي التي نهى عنها، فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه.
لا يكمل الإيمان إلا باتباع السنة
لقد أقسم الله تعالى بذاته أنه لا يدخل في عداد المؤمنين الصادقين من أعرضوا عن التحاكم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تتحقق فيهم صفات منها:
أن يهرعوا لحكم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن ترضى نفوسهم بحكمه، وأن يسلموا بحكم رسول الله تسليما كاملا.
قال الله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وبين الله أن من صفات المؤمنين أنه لا خيار لهم إذا حكم الله ورسوله في أمر ما، فقال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).
عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك،
فقال الأنصاري: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال:
اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- للزبير حقه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاري، كان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة،
قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)[البخاري]
ذم من أعرض عن حكم الله ورسوله
ورد الكثير من الآيات التي ذم الله فيها هؤلاء الذين يعرضون عن حكم الله ورسوله، أو الذين يحبون ما كرهه الله ورسوله، فقال الله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
وبين الله أن ما نزل بالكافرين من تعس وضلال إنما هو بسبب كرههم لما أنزله الله على رسوله من التوحيد وسائر الأحكام التي تخالف ما ألفوه واشتهته نفوسهم، فأبطل الله لأجل ذلك أعمالهم.
وقال الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
والمعنى أن الذي يحدث لهؤلاء المرتدين من المهانة عند الموت من ضرب الوجوه والأدبار والإذلال بسبب أنهم اتبعوا ما استوجب غضب الله من الكفر والمعاصي، وكرهوا ما يستوجب رضا الله من الإيمان والعمل الصالح.
تقديم محبة النبي على كل شيء
يجب تقديم محبة الله على كل شيء لأنه هو الذي أوجدنا من العدم، وهو الذي رزقنا وآوانا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة.
ويجب علينا تقديم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على كل شيء من هذه الدنيا لأن رسول الله هو الذي أخرجنا الله به من ظلمات الكفر لنور الإيمان، فلا نقدم محبة لولد ولا والد على رسول الله.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده).
قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ).
فالطريق الذي يوصلنا لمحبة الله وليس لنا هناك طريق سواه هو طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه هو الذي أوحى الله إليه، وأيده بالمعجزات التي تدلنا على صدقه.
قال الله: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).
دليل محبة الله
محبة الله ليست أقوالا مزعومة ينطق بها الإنسان بلسانه دون أن يقيم عليها دليلا، والدليل على ذلك أن نعمل بما أمر الله به وأن ننتهي عما نهى الله عنه.
قال أبو يعقوب النهرجوري: “كل من ادعى محبة الله -عز وجل- ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وكل محب ليس يخاف الله، فهو مغرور”.
وقال يحيى بن معاذ: “ليس بصادق من ادعى محبة الله -عز وجل- ولم يحفظ حدوده”.
معنى الهوى
لفظة الهوى تستعمل ويراد بها الميل إلى ما يخالف الحق، كما في قول الله: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
وقال الله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
وقد يطلق لفظ الهوى ويراد به المحبة والميل مطلقا، وربما يراد به الميل إلى الحق.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقول أتهب المرأة نفسها؟
فلما أنزل الله تعالى: (ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك). قلت: (ما أرى ربك إلا يسارع في هواك)[البخاري]
للاطلاع على المزيد: