حديث نبوي

شرح حديث إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان

عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قد تجاوز عن أمتي ‌الخطأ، ‌والنسيان، ‌وما ‌استكرهوا عليه)[ابن ماجه]

معنى الخطأ

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قد تجاوز عن أمتي ‌الخطأ)

الخطأ هو أن يقصد الإنسان بفعله شيئا فيصادف فعله غير ما قصده، وهذا معفوا عنه، ولا إثم فيه.

إذا اجتهد الحاكم فأخطأ

الحاكم أو القاضي الذي يقضي بين الناس إذا اجتهد كل منهما من أجل إصابة الحق لكنه أخطا فلا إثم عليه؛

لأنه بذل ما في وسعه للوصول إلى الحق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم ‌فاجتهد ‌فأخطأ فله أجر)[أبو داود]

حكم داوود وسليمان

وذكر الله قصة داود وسليمان في حكمهم وكيف أصاب سليمان عين الحق أكثر من داود ومع ذلك مدح الله الحكمين فقال الله:

(وَدَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ إِذۡ يَحۡكُمَانِ ‌فِي ‌ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِيهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَٰهِدِينَ فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ يُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّيۡرَۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ).

قال الحسن: “لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين -يعني داود وسليمان- لرأيت أن القضاة قد هلكوا فإنه أثنى على هذا بعمله وعذر هذا باجتهاده”.

وقد علمنا الله أن ندعوه بألا يحاسبنا على الخطأ والنسيان فقال الله: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).

وبين الله أنه لا يحاسب عباده على ما يصدر منهم على سبيل الخطأ وإنما الحساب على ما قصدته القلوب وتعمدت فعله.

فقال الله: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ).

ترتب الحكم على الخطأ

لكن هذ ليس معناه أنه لا يترتب حكم على هذا الخطأ، وذلك كمن قتل مسلما على سبيل الخطأ فإنه في هذه الحالة يجب عليه الفدية.

قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ أَن يَقۡتُلَ مُؤۡمِنًا إِلَّا خَطَـٔٗاۚ وَمَن قَتَلَ ‌مُؤۡمِنًا ‌خَطَـٔٗا فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖ وَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْۚ

فَإِن كَانَ مِن قَوۡمٍ عَدُوّٖ لَّكُمۡ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ وَإِن كَانَ مِن قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ فَدِيَةٞ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ وَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مُّؤۡمِنَةٖۖ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ تَوۡبَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا).

معنى النسيان

النسيان معناه أن يكون الإنسان ذاكرا لشيء فينساه عند الفعل، وهذا لا إثم عليه، وليس معنى رفع الإثم أنه لا يترتب على ذلك حكم.

وذلك كمن نسي الوضوء وصلى ناسيا أنه لم يتوضأ في هذه الحالة لا إثم عليه لكنه تبطل صلاته ويجب عليه الإعادة إذا تذكر أنه لم يتوضأ.

ولو ترك الصلاة ناسيا ثم تذكر أنه لم يؤد الصلاة وجب عليه أداءها بمجرد ذكرها، قال الله: (َأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نسي صلاة ‌فليصلها ‌إذا ‌ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك). قال قتادة: (وأقم الصلاة لذكري)[مسلم]

والسبب في عفو الله عن المخطئ والناسي برفع الإثم عنهما؛ لأن الإثم مترتب على المقاصد والنيات، والمخطئ والناسي لا قصد لهما، فلا إثم عليهما.

وأما رفع الأحكام المترتبة على الخطأ والنسيان فليس مرادا من هذه النصوص، فيحتاج لثبوتهما ونفيهما إلى نص آخر.

معنى الإكراه

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وما ‌استكرهوا عليه)

والإكراه له نوعان: الأول: ألا يكون له اختيار بالكلية ولا قدرة له على الامتناع، كمن تم الزنى بها بالإكراه فلا إثم عليها بالاتفاق.

والثاني: كمن أكره بضرب حتى فعل، فهذا يتعلق به التكليف، فلو أكره على قتل معصوم لم يبح له قتله؛

لأنه يقتله باختياره افتداء لنفسه من القتل، فيقتل نفسا معصومة من أجل أن يصون نفسه المعصومة وليست نفسه بأولى من نفس غيره.

ويتحمل المكرِه والمكرَه وجوب القود عليهما لاشتراكهما في القتل.

ومن أكره على شرب الخمر وإلا عرض نفسه للقتل جاز له الشرب وهذا هو رأي الجمهور مستدلين في ذلك بقول الله:

(وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنَا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

فقد نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول وكانت له أمتان يكرههما على الزنى وهما يأبيان ذلك.

أما من أكره على النطق بكلمة الكفر فنطق بها وقلبه غير مطمئن بها فقالها ليقي نفسه من القتل فليس بكافر.

قال الله: (مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ ‌وَقَلۡبُهُۥ ‌مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ).

وقال الله: (‌لَّا ‌يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ).

وأخرج الحاكم في مستدركه أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه.

فلما أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما وراءك؟) قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك؟) قال: مطمئن بالإيمان قال: (إن ‌عادوا ‌فعد).

الإكراه بحق

من أكره بحق على فعل أمر ما فهذا الإكراه لا يمنع من لزوم ما أكره عليه، كالرجل الكافر الحربي إذا أكره على الإسلام يصح إسلامه إذا استمر عليه وآمن به بقلبه.

وكمن أكرهه الحاكم على بيع ما يملك من أجل سداد ما عليه من دين صح هذا البيع.

وكإكراه القاضي الزوج المولي أي الذي امتنع عن معاشرة زوجته حتى انتهت مدة أربعة أشهر وأصر على الامتناع صح ذلك الطلاق لأنه إكراه بحق.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة