تمر حياة الإنسان بمراحل ثلاث: مرحلة الحياة الدنيوية، ثم مرحلة حياة البرزخ، ثم مرحلة الحياة الآخرة.
مرحلة الحياة الدنيوية
هذه المرحلة التي يمر بها كل إنسان وهي المرحلة التي يعيش فيها في الدنيا، وهي الحياة التي يكون فيها العمل ويكون فيها الاختبار والابتلاء.
وهي مرحلة من الاختبارات المتتالية كلما خرج الإنسان من امتحان وسجلت نتيجته عند الله دخل في امتحان آخر حتى تنتهي حياته بهذه الصورة فما يمر به الإنسان في حياته ليس هباء وإنما هو مقدر ومعلوم عند الله.
وهذه الدنيا هي الدار التي أمرنا الله فيها بالعمل بطاعته لينال الأجر العظم من الله في آخرته، ومن خالف أمر الله في هذه الدنيا عوقب على ذلك في آخرته.
وهذه المرحلة تعتبر أقل المراحل زمنا، فالإنسان إن طال بقاؤه فيها يعيش سبعين عاما أو لا يكاد يتجاوز المائة، وربما تجاوزها بقليل هذا أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في هذه الدنيا.
وهذه مدة قليلة جدا بجانب حياة البرزخ التي لا يعلم قدرها إلا الله، وبجانب حياة الآخرة التي لا نهاية لها.
مرحلة البرزخ
مرحلة القبر أو البرزخ هي المرحلة المتوسطة بين الدنيا والآخرة، وهي مرحلة لا عمل فيها وإنما هي مرحلة حساب على ما قدمه الإنسان في دنياه، وهي تعتبر مقدمة لما سيحدث في الآخرة.
وهذه المرحلة لا يعلم طولها إلا الله؛ لأنه لا يعلم وقت قيام الساعة إلا الله عز وجل، فتبدأ هذه المرحلة من موت الإنسان وتنتهي بقيام الساعة وهو اليوم الذي يحشر الناس فيه للحشر من أجل الحساب.
وهذه المرحلة يحاسب الإنسان فيها حتى ولو لم يقبر في قبر حتى لو غرق في البحر وأكلته الحيتان.
الحساب في مرحلة البرزح
اختلف العلماء في مسألة الحساب في حياة البرزخ هل يكون للروح فقط أم للجسد فقط، فذهب البعض إلى أن الحساب يكون للروح والجسد معا.
لكن رد عليهم المعترضون وقالوا: إننا نجد الميت قد فني جسده ولا أثر له فكيف يكون الحساب للجسد وهو غير موجود.
فرد عليهم المجوزون للحساب بالروح والجسد بأنه يدخل في مقدور الله أن يكون الروح للجسد والروح وإن لم نر الجسد أمامنا وإنما يوجده الله بكيفية يعلمها الله، كما نَعّم الميت وعاقبه بكيفية يعلمها هو مع أننا لا نرى هذا ولا يشعر الأحياء به.
وعلى كل فالوارد أن القبر به نعيم وعقاب لكن ليس هناك دليل قاطع على كون الثواب والعقاب للروح فقط أو للروح والجسد معا.
سؤال منكر ونكير
وفي حياة البرزخ يأتي الميت ملكان اسمهما منكر ونكير مهيبان يسألان العبد في قبره ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وهما أول فتنة القبر.
عن البراء بن عازب، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد،
فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه، فقال:
(استعيذوا بالله من عذاب القبر) مرتين أو ثلاثا، زاد في حديث جرير ها هنا: وقال: (وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين،
حين يقال له: يا هذا، من ربك وما دينك ومن نبيك؟ … ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟
فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدقت … فذلك قول الله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا)،
… فينادي مناد من السماء: أن قد صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة) قال: (فيأتيه من روحها وطيبها) قال: (ويفتح له فيها مد بصره).
قال: (وإن الكافر) فذكر موته قال: (وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري،
فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري،
فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، قال: (فيأتيه من حرها وسمومها)
قال: (ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه … ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد، لو ضرب بها جبل لصار ترابا)،
قال: (فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير ترابا، ثم تعاد فيه الروح)[أبو داود]
النعيم والعذاب في حياة البرزخ
ومما يدل على وجود النعيم والعذاب في حياة البرزخ قول الله تعالى: (فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِ مَا مَكَرُواْۖ وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ ٱلۡعَذَابِ ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ).
وعن أبي هريرة عن النبي -صلي الله عليه وسلم – قال: (أكثرُ عذاب القبر في البول)[أحمد]
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار)[الترمذي]
مرحلة الدار الآخر
وهذه المرحلة هي أطول المراحل لأنها حياة دائمة لا تنقطع أبدا، وهذه المرحلة هي مرحلة الحساب التي لا عمل فيها ولا تكليف، وفيها يحاسب الإنسان على ما قدمه في الدنيا فإن كان قد زرع خيرا حصد خيرا وإن كان قد زرع شرا حصد شرا، والحساب فيها يكون للروح والجسد معا،
وفي القرآن ما يدل على وجود النعيم في الآخرة للمؤمنين، والعذاب للعاصين، قال الله:
(تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ)
وقد ورد في القرآن ما يدل على وجود العذاب للكافرين في الآخرة، قال الله: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ).
للاطلاع على المزيد: