إرسال الرسل هو محض تفضل من الله على العباد من أجل أن يبلغوا الناس أوامر الله ونواهيه، وقد اختارهم الله من أفضل خلقه ليكونوا أهلا لحمل رسالته وتبليغها للناس.
فائدة إرسال الرسل للبشر
إذا كان قد ثبت أن الله موجود وعالم وقادر لا يعجزه شيء، وأن الله متكلم، فقد ثبت جواز إرسال الرسل ليكونوا واسطة بين الله وخلقه في تبليغ رسالته للناس؛
لأنه لا يليق بالله أن يتصور في صورة البشر ليكلمهم، وإنما الأليق أن يرسل للناس من جنسهم من يبلغهم أوامره ونواهيه.
والناس لو تركوا لشأنهم لرأيت كل واحد يضع تشريعا ينحاز به لنفسه ولطائفته التي ينتسب إليها.
والإنسان لا يستطيع أن يستقل بمعرفة كل ما يصلح نفسه؛ لأنه ناقص العلم يعلم شيئا وتغيب عنه أشياء، فكان في أمس الحاجة لمن يشرع له دون أن ينحاز لأحد على حساب أحد.
وأن يكون هذا المشرع لا يغيب عن علمه شيئ وإنما يعلم كل شيء، وليس هناك من تنطبق عليه تلك الصفات إلا الله.
قال الله: (وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ).
هل البشر ليسوا في حاجة لرسالات الأنبياء؟
ذهب بعض من المحدثين إلى القول بأن البشر ليسوا في حاجة لما يقرره الأنبياء والرسل، وزعموا بأن الخطاب إنما يتعلق بالأمم السابقة، أما الناس في العصر الحديث فقد وصلوا إلى درجة من التقدم والرقي تجعلهم ليسوا في حاجة لمثل ما يقوله الرسل.
والحقيقة أن كلام هؤلاء لا يستند إلى دليل علمي وإنما هو مجرد توهمات وتراكمات نفسية حدثت لهم من الأديان الفاسدة المنتحلة التي ادعى أصحابها أنها من عند الله وهي ليست من عند الله.
من أجل ذلك توعد الله هؤلاء الذين يفترون الكذب على الله لأنهم يصدون الناس عن الإيمان بالقول الصادق عن الله.
قال الله: (فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ يَكۡتُبُونَ ٱلۡكِتَٰبَ بِأَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ لِيَشۡتَرُواْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَوَيۡلٞ لَّهُم مِّمَّا يَكۡسِبُونَ).
فهؤلاء القوم عانوا الأمرين في العصور الوسطى من هؤلاء الذين كانوا يتحكمون في الناس باسم الإله والحقيقة أن ما يقولونه ليس من عند الله.
فلما تمكن هؤلاء من إزاحة هؤلاء القوم من التحكم في حياتهم كفروا بكل ما هو من عند الله سواء كان مزيفا أم غير مزيف فأنكروا كل الأديان، وهذا ليس منهجا علميا وإنما هو في الحقيقة تراكمات نفسية جعلتهم ينهجون هذا النهج.
هل يكفي العقل لهداية الإنسان؟
العقل وحده ليس كافيا ليصل بالإنسان إلى الهداية، فالعقل يملك بعض الملكات التي تقوده لاكتشاف بعض الأمور ليصل لخيرات الدنيا لكن هذا ليس كافيا.
فهما ملك الإنسان من ملكات فهو في حاجة للأحكام الإلهية ليصل إلى الكمال في الدنيا والآخرة.
العقل قد يكفي في أمور الدنيا
قد يكتفي الإنسان بالعقل لتحصيل أمور الدنيا لكن لن يستطيع أن يحقق العدالة الكاملة؛ لأنه قد ينحاز بطبعه لنفسه وجنسه على حساب الآخرين، ولن يستطيع أن يحقق الخيرية المطلقة؛
لأنه لا يملك العلم الكامل فهو إن عرف شيئا غابت عنه أشياء فيقع في النقص بسبب جهله، فكان لابد من الأحكام الإلهية التي تعينه على تحقيق الخيرية الكاملة في أمور دنياه.
العقل وإدراك الشرع
مما يدل على حاجة البشر لإرسال الرسل أن البشر لا يستطيعون أن يدركوا الأوامر الشرعية التي طلبها الله منهم بالعقل،
وإنما لابد من وجود الرسل الذين يبلغونهم عن الله ما طلبه الله منهم من العبادات التي لا يدركونها بعقولهم، ونواهيه مما حرمه الله عليهم مما لا يستطيعون إدراكه بالعقل.
من أجل ذلك كانت المهمة الأولى للرسول هي البلاغ، قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ).
العقل وإدراك السمعيات
من الأمور التي أوجبها الله علينا هي الإيمان بالسمعيات أو الغيبيات التي غابت عن إدراكنا، ولا يستطيع الإنسان التوصل إليها إلا عن طريق الرسل.
وهذ السمعيات لا يتم للإنسان إيمان إلا بالإيمان بها، كالإيمان بالملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، وهي أمور لا يصل الإنسان لمعرفتها إلا عن طريق الرسل، ولا يستطيع العقل أن يستقل بإدراكها.
قال الله: (ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ).
معنى الإيمان
عن عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد،
حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) قال: صدقت،
قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر، خيره وشره…)[مسلم]
عذاب القبر من السمعيات
عن ابن عباس قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بحائط من حيطان المدينة، أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يعذبان وما يعذبان في كبير).
ثم قال: (بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة). ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة،
فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا. أو: إلى أن ييبسا)[البخاري]